الأوركسترا العربية” في فلسطين.. حدث تاريخي في حفل موسيقيّ

لأول مرة في تاريخ الموسيقى العربية، أطلق معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى نموذجاً جديداً لأوركسترا، أو فرقة كبيرة، مُشكّلة بناءً على نموذج تخت الموسيقى العربية التقليدي ومضخّمة عنه، استضافها مسرح نسيب شاهين في جامعة بيرزيت، محققةً بذلك إنجازاً غير مسبوقٍ لفرقة عربية تعزف تحت مسمى “أوركسترا” بمشاركة سبعين عازفةً وعازفاً.

تهدف الأوركسترا العربية في فلسطين إلى تقديم مقطوعة موسيقية جديدة للعالم العربي والعالم بشكلٍ عام، وإعادة الاعتبار للآلات العربية التقليدية وإعطاء زخمٍ ودفعةٍ للموسيقى العربية، وتحديداً الموسيقى الآلاتية، لتشجيع تذوّقها وتحفيز الاهتمام بها. كما تهدف الأوركسترا إلى تسليط الضوء على الموسيقى الفلسطينية والمؤلفين الفلسطينيين المعاصرين. وتسعى أيضاً للمساهمة في تطوير قسم الموسيقى العربية في المعهد، بحيث تضم الأوركسترا نحو سبعين عازفاً وعازفةً من الطلبة والأساتذة والموسيقيين.

وقدمت الأوركسترا العربية في فلسطين ثلاث عشرة مقطوعة موسيقية لمؤلفين موسيقيين فلسطينيين من أجيال مختلفة، باستثناء المقطوعة الأولى "البياعين"، والتي ألفها الفنان اللبناني مارسيل خليفة لفرقة كركلا الراقصة، لكنها حققت شهرة طاغية في فلسطين، لكونها شكّلت افتتاحية مهرجان فلسطين الدولي في دورته الأولى في تسعينيات القرن الماضي.
واشتمل الحفل على مقطوعات: "سماعي كرد" لسيمون شاهين، و"شام" ليوسف زايد، و"عالمايا" لتامر ساحوري ومن توزيع عز الدين سعيد عن اللحن الشهير بذات الاسم لذياب مشهور، و"من منا" لعيسى بولص، ورقص لسهيل خوري ومن توزيع احمد الخطيب، و"إشراقات" لخالد صدوق ومن توزيع رامي عرفات، و"سيرتو نوا أثر" لضياء رشماوي، وحجازيّات لتامر ساحوري وتوزيع عز الدين سعيد على ألحان من التراث الشامي، و"نزهة في الذاكرة" لطارق عبوشي، و"لونغا نهاوند" لتامر ساحوري ومن توزيع عز الدين سعيد أيضاً.
واختتم الحفل بمقطوعة "فنونيّات الشهيرة" لسهيل خوري، وهي المقطوعة التي ألفها لفرقة الفنون الشعبية الفلسطينية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، والمبنيّة على مجموعة من الألحان الفلكلورية والوطنية الشهيرة وأخرى خاصة به، لكنه قدّمها هذه المرّة بتوليف جديد خصيصاً لعرض الأوركسترا العربية.
وتفاعل الجمهور بشكل كبير مع كافة المقطوعات، وخاصة "فنونيات" التي أعادتها الفرقة مرّة ثانية، بحكم أن الألحان التي تمس الكثير من الحاضرين، هي لأغنيات شكلت جزءاً حيوياً من ذاكراتهم أو ذاكرات ذويهم، علاوة على الانسجام والحماسة الكبيرين اللذين قدمت فيهما الفرقة هذه المقطوعة كما المقطوعات السابقة.
ولفت خوري، قائد الأوركسترا العربية، إلى أن هذه الفكرة التي تحققت وشكلت حالة غير مسبوقة عربياً وعالمياً، "كانت تراودنا منذ زمن، والجميل أنها تحققت في نهاية المطاف، مشيداً بجهود كل ممن شارك من موسيقيين وتقنيين وعاملين خلف الكواليس، وبالدور الخاص للفنان تامر ساحوري وغيره في دفع هذه الفكرة إلى النور".
وشدد خوري على أن هذا الإنجاز "ما كان ليتحقق لولا وجود قاعة كقاعة مسرح نسيب شاهين في جامعة بيرزيت، مؤكداً أن القاعة المجهزة بشكل احترافي لجهة سماع الصوتيات بشكل حيّ ساهمت في تحقيق حفل الأوركسترا العربية هذا.. ما يحدث هو أنكم تستمعون إلى عزف أوركسترالي عربي طبيعي دون أي تدخلات تقنية، وما هي مكبّرات الصوت (المايكروفونات) إلا لأغراض التسجيل فقط".

وأكد معهد إدوارد سعيد في منشور له حول العرض إلى أن "الصوت الذي صدر عن هذه الأوركسترا، جديد في الموسيقى العربية، وتشكيل أعداد العازفين من كل آلة من الآلات تجربة علمية مبنية على فيزياء الصوت، حيث يسعى المعهد لتطويرها لجهة الوصول إلى معادلات أفضل"، كما "يسعى إلى المساهمة في تطوير قسم الموسيقى العربية فيه، بحيث تضم الأوركسترا نحو سبعين عازفاً وعازفة من الطلبة والأساتذة والموسيقيين".