إلى متى ستستمر أزمة جامعة بيرزيت؟! بقلم: عزام توفيق ابو السعود

إن أسوأ منظر يمكن أن يراه الإنسان الفلسطيني هو منظر جامعة أغلقت أبوابها بالجنازير، تلك الجنازير التي لا تعني للإنسان الفلسطيني إلا مظهرا من مظاهر السجون والاعتقالات والاحتلال البغيض على نفس أي فلسطيني. وقد تعودنا في السبعينيات والثمانينيات على إغلاق جامعاتنا، وخاصة جامعة بيرزيت من قبل الاحتلال الإسرائيلي، لكن ممارسة إغلاق الجامعة الآن ليس أمرا عسكريا من قبل الإحتلال ، بل هو أمر يتم بارادة شبابنا، طلاب الجامعة ، ومجلس طلبتها.

القضية التي يدافع عنها طلاب الجامعة، هي قضية عادلة دون شك، فارتفاع تكاليف التعليم يرهق الأسرة الفلسطينية ، والعمل على تخفيض تكاليف التعليم هو مطلب عادل دون شك، ولا أحد يعترض على القيام بأي احتجاج لتحقيق ذلك. لكن في المقابل، فإن جودة التعليم وتقديم خدمة التعليم لها نفقاتها ولها تكاليفها، والجامعات دوما توازن بين دخلها وبين نفقاتها، وتحاول جهدها أن تعادل النفقات بالدخل، ولكنها، وفي أي مكان في العالم لا تستطيع أن تصل الى هذه المعادلة، دون أن تجد لها دعما من جهة، أو من جهات أخرى، فغالبا ما تشكل الأقساط الجامعية ما نسبته 40-60% فقط من التكاليف الفعلية لكل طالب.

وفي العالم، إذا كانت الجامعة حكومية فإن الحكومة تتحمل تكاليف التعليم كاملة فيها، وهذا ما نعمت به شخصيا في تعليمي الجامعي بمصر في أواخر الستينات من العصر المنصرم، فقد تعلمنا نحن الطلبة الفلسطينيون مثلنا مثل الطلبة المصريين بقسط لا يزيد عن اربعة جنيهات مصرية بالسنة الكاملة.. وتحملت حكومة المرحوم جمال عبد الناصر نفقات التعليم كاملة.. والحال شبيه في ظل التعليم في فرنسا فالتعليم الجامعي مجاني.. لمن كانت قدرته على التعلم والنجاح عالية جداً!!

وفي الدول المتحضرة الأخرى فإن الحكومات والبلديات والشركات تدعم الجامعات ، ويشكل دعمها مصدراً لتغطية نفقات البحث العلمي، والفرق بين النفقات والدخل من الاقساط الجامعية، وهي مرتفعة جدا في الأصل.

وفي بلادنا فإن الجامعات ذات طابع خاص، لكنه وطني بدون شك، وتدار الجامعات من قبل مجالس أمناء يسعون لتوفير مصادر التمويل لها، لكن كل الجامعات تعجز عن تغطية الفرق بين النفقات الجارية والأقساط .. لذلك فإن على السلطة أن تسد هذا الفرق في موازنة الجامعة .. لكن سلطتنا الفلسطينية عاشت وتعيش دوما في حالة من العجز المالي الذي لا تستطيع معه دعم التعليم الجامعي بالمبالغ اللازمة لتغطية العجز في دخل هذه الجامعات .. لذا فإن الجامعات الفلسطينية «مديونة لشوشتها» والسلطة الفلسطينية تتعهد للجامعات بدعمها ، ولكن لا تلتزم بتعهداتها ، ولم تلتزم في أية سنة سابقة بالمبلغ الذي خصصته لدعم الجامعات في موازناتها، ويتوالى مسلسل العجز وتراكماته.

ولحل قضية ارتفاع معدل العجز المالي في الجامعات، فان عليها أما أن تزيد الأقساط، وإما أن تخفض جودة ونوعية التعليم، وكلاهما مر ولا نريده.

إن ثورة الطلبة واضرابهم وجنزرتهم للجامعة ، هي ضد إدارة الجامعة، وهم يقودون حربا ضد هذه الإدارة، وكأن الإدارات الجامعية هي السبب في الأزمة . الأضراب يجب أن لا يوجه ضد الجامعة، وحركات الاعتراضات الطلابية يجب أن تتوجه ضد وزارة المالية الفلسطينية، والسلطة بشكل عام لأنها لا تلتزم بدفع مستحقات الجامعات ومخصصاتها بانتظام، وأن لا توجه ضد ادارة الجامعة التي لا حول لها ولا قوة!

الغريب أن من يقودون الإضراب من الطلاب هم المسيسون ، والمنتمون للفصائل، وهي التي تحكم البلد، وتدير موازنة السلطة ، وتهمل دعم التعليم الجامعي والجامعات وميزانياتها كي لا تضطر هذه الجامعات الى رفع ألأقساط الجامعية، فهل يعي طلبتنا وقياداتهم أنهم يغلقون أبواب جامعتهم بالجنازير، وكان أولى بهم أن يعتصموا أمام وزارة المالية الفلسطينية التي عليها أن تسد عجز الجامعات ؟!

الألم يعتصر أي إنسان، يرى طلبة الجامعات في منازلهم، وخاصة الطلبة الجدد الذين حلموا بالوصول الى الجامعة، ولما قبلوا بها، وجدوا أبوابها مجنزرة وكأنهم على باب حاجز عسكري أو سجن مغلق ؟ هل هكذا علينا أن نسجن العلم والمعرفة : بالجنازير ؟؟؟!

لا حول ولا قوة الا بالله !

 

مقال نشر في صحيفة القدس على الرابط التالي:

http://www.alquds.com/articles/1474523665077858200/