انطلاق مؤتمر "75 عاما من النكبة المستمرة: الإنتاجات المعرفية"
انطلقت يوم الاثنين 20 أيار 2024، في جامعة بيرزيت، فعاليات مؤتمر "75 عاما من النكبة المستمرة: الإنتاجات المعرفية"، الذي يستمر على مدار أربعة أيام متواصلة (20 - 23 أيار) في بيرزيت وبيروت ونيويورك وافتراضيا، بمشاركة عدد كبير من الباحثين والأكاديميين والمؤرخين من فلسطين والعالم.
ويأتي عقد المؤتمر بتنظيم من مؤسسة الدراسات الفلسطينية تزامناً مع الذكرى السادسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، بالشراكة مع مجموعة من المراكز البحثية في فلسطين والعالم، هي: جامعة بيرزيت، والجامعة الأميركية في بيروت، والجامعة اليسوعية، والمعهد الألماني للأبحاث الشرقية، والمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، ومركز الدراسات الفلسطينية في جامعة كولومبيا - نيويورك.
افتتح المؤتمر رئيس جامعة بيرزيت د. طلال شهوان قائلاً: " تمرّ الذكرى السادسة والسبعين لنكبة شعبنا الفلسطيني، ونحن نشهد ونعيش حرب إبادة جماعية غاشمة، قرّر الاحتلال الصهيوني أن يخوضها ضد شعبنا، من جديد، على مرأى ومسمع العالم أجمع، في تنكر واستخفاف فادح بالقيم والاعراف الأخلاقية والقانونية والانسانية. وإذا ما قيل سابقًا، إنّ النكبة مستمرة منذ ١٩٤٨، فماذا نقول اليوم، ونحن نشهد حجم التدمير الاجرامي التي تتكشف من خلاله إرادة الاقتلاع والابادة السياسية الاستعمارية، التي تطال الناس والبنى التحتية، التعليمية، والصحية، والمساكن، وكل مرافق ومقومات الحياة الأساسية لشعبنا؟!"
وأضاف: " تأتي استضافة جامعة بيرزيت لهذا المؤتمر – الذي سيوسّع افاق الحديث عن كل هذه الموضوعات بكل تأكيد -كجزء من تعاون مستمر، بينها وبين مؤسسة الدارسات الفلسطينية، وعديد جامعات ومراكز بحثية في العالم، التي ترى بمهمة التوثيق والبحث والإنتاج الأكاديمي جزء لا يتجزأ من فعل التغيير التاريخي. وثمة المزيد مما يجب ان نفعله معاً.فكما تعلمون، استهدف الاحتلال عشرات الأكاديميين الفلسطينيين، من رؤساء جامعات وباحثين ومدرسين، من خيرة المجتمع العلمي الفلسطيني والعالمي، ودمّر معظم البنى التحتية الجامعية، مستهدفا بذلك مستقبل عشرات آلاف الطلاب الجامعيين. وفي مواجهة هذا التدمير المسعور، رأت جامعة بيرزيت لزاما عليها الا تصمت، وان تبادر. فولدت مبادرة "إعادة الأمل"، لمساندة ومؤازرة أهلنا واخوتنا في غزة في نكبتهم الحالية، وذلك عبر توفير ما يمكن من تعليم للطلبة على نحو مستعجل، ودعم الباحثين في غزة، والمساندة في حشد الموارد لأجل دعم إعادة بناء البنى التحتية المدمرة، على مدى المتوسط والبعيد. وفي هذه المناسبة اوجّه الشكر الجزيل إلى المشاركين في هذه المبادرة من متطوعين أساتذة وموظفين من الجامعة وخارجها."
وافتُتحت فعاليات اليوم الأول بجلسة حملت عنوان: "غزة: فصل من فصول نكبة مستمرة أو محطة على طريق التحرر؟". في مبنى مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيروت عبر تقنية "زوم"، وتحدث فيها ماهر الشريف، حول النكبة المستمرة وما نشهده اليوم في قطاع غزة والمعطيات السياسية التي تولدت، محلياً وإقليمياً.
وحملت الجلسة الثانية، عنوان: "الإنتاجات الثقافية والإعلامية حول النكبة – مقاربة جديدة"، وتحدث فيها كل من ملاك سلوم، وشاعرة فادساريا، وسناء حمودي، وأدار الجلسة رامي زريق.
وناقشت سلوم، ورقة بحثية حول التوثيق التاريخي للنكبة بالتطرق إلى نماذج عن إنتاجات أدبية وإعلامية، كمسلسل "التغريبة الفلسطينية"، ووثائقي "الجزيرة" باللغة الإنكليزية Al-Nakba، وكتابي "رجال في الشمس" و"عائد إلى حيفا". فحلّل البحث أساليب مقاربة النكبة في هذه النماذج ليتوصل إلى مقاربة إخراجية جديدة ترمم الفجوات المعرفية والفنية الموجودة فيها.
وتم اختيار ثلاث شخصيات من الأجيال الأول والثاني والثالث للنكبة، وأُجريت المقابلات في لبنان، وتحدثت كل من الحاجة عمشا أبو نعاج من مخيم برج البراجنة، والفنان المسرحي وليد سعد الدين، والشاب الفلسطيني من أم لبنانية علي أبو جبارة، عن تداعيات النكبة المستمرة وتقاطعاتها الشخصية والجماعية بفلسطين وأراضيهم التي هُجّروا منها، كونهم جزءا من شعب متكامل، غير مقتصرين على هوياتهم الضيقة والحياة التي شُكّلت في الشتات.
وبذلك يسلّط البحث والوثائقي الضوء على قضايا عديدة ترتبط بالذاكرة الجماعية وضياع الهوية والصدمات الجماعية ومعاناة اللجوء وأمل العودة بأبعادها الحيوية والمتكاملة.
وتناولت فادساريا، مسألة فلسطين عرقياً والقضية العرقية في فلسطين، وقدمت ورقة بحثية حول ارتباط استمرار التفكير العنصري والعنف العرقي تجاه الفلسطينيين ارتباطاً وثيقاً بمشروع استعماري استيطاني دام قرناً من الزمن، وتشكّل عند تقاطع الانتداب البريطاني والصهيونية السياسية الحديثة. في حين أن العرق والاستعمار متشابكان بالضرورة في قضية فلسطين، فما الذي يفسر "المسار الغربي" للنقد العنصري في الدراسات الحديثة للعدوان الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة؟
تنظر هذه الورقة في بعض نقاط المحور المعرفي الذي ترتكز عليه هذه التناقضات من خلال التأمل في اللقاءات البيداغوجية لتدريس الدراسات العرقية داخل مؤسسات التعليم العالي في فلسطين.
كما قدمت سناء حمودي، قراءة في مفهوم النكبة بعد 76 عاماً: تأثير تغيّر المكان والزمان في قراءة النكبة، من خلال رصد التحوّلات التي طرأت على مفهوم النكبة بعد مرور 76 عاماً على حدوثها، من خلال دراسة تأثير تغيّر الزمان والمكان في تكوين مفهوم النكبة واختلاف مقاربة الأجيال لهذا المفهوم. ولا شك في أن مراجعة الأدبيات التي واكبت "النكبة"، تعكس جزءاً من هذه التحولات، كما أن دراسة واقع اللجوء الفلسطيني الذي يجسّد "النكبة"، والمآسي التي لاحقت اللاجئ الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده، تعكس بدورها، نظرة الأجيال إلى مصطلح النكبة.
وحملت الجلسة الثالثة عنوان: "إعادة قراءة قسطنطين زريق في ظل النكبة المستمرة (المجلس العربي للعلوم الاجتماعية، برنامج قسطنطين زريق)"، وقد أدارها سنتاي شامي، وتحدث فيها إليزابيث سوزان كساب، بمداخلة حملت عنوان: "نكبات وثورات: نحو نقد عربي جديد".
وبينت كساب أن تسارع الأحداث منذ 2010 في منطقتنا العربية حيث تشهد بلداننا تحوّلات جسيمة لم تعرف مثيلها منذ انهيار الإمبراطورية العثمانية. تهزّنا ثورات ونكبات غير مسبوقة، تغيّر معالم أوطاننا وخرائط عوالمنا الداخلية والخارجية. تستدعي هذه الأحداث تفاعلنا معها على جميع المستويات، العملية والعاطفية والفكرية، وهي أكبر من قدرتنا على التفاعل والاستيعاب بحكم كثافتها وحجمها.
وكانت الجلسة الرابعة، حول: "الصهيونية بعد حرب الإبادة: ملاحظات أولية".
وحملت الجلسة الختامية، عنوان: "تفكيك الاستعمار في دراسة فلسطين في ألمانيا (المعهد الألماني للأبحاث الشرقية / بيروت)"، والتي أدارها سامي الخطيب، وتحدثت فيها سامي الخطيب وسارة البلبسيي وحنان طوقان.
وقالت مؤسسة الدراسات الفلسطينية في بيان لها عن المؤتمر: إن الهدف من تنظيمه مراجعة الإنتاج المعرفي والعلمي عن النكبة، الذي نُشر باللغات العربية والإنكليزية والفرنسية والعبرية، وتناولها من جميع جوانبها خلال العقود التي مرت على حدوثها، والسعي إلى فتح آفاق جديدة أمام دراسة هذا الحدث الجلل المؤسس في تاريخ الشعب الفلسطيني.
وأضاف البيان: أن سؤال النكبة ليس سؤال الماضي فحسب، بل هو أيضاً سؤال الحاضر والمستقبل، ذلك بأن الصهيونية لا تزال تسعى إلى القضاء على ذاكرة النكبة التي تشكّل مكوّناً رئيسياً من مكوّنات الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني، الذي يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى إبقاء ذاكرة النكبة حيّة، ومواصلة تعليمها في المدارس والجامعات، وتسليط الضوء على مقدماتها وتداعياتها، ليعزز وحدته، ويتجاوز الأزمة التي تواجهها حركته الوطنية، ويفلح في بث روح جديدة في مشروعه السياسي.