مساق دفاتر السجن يستضيف ابن جامعة بيرزيت الأسير المحرر أسرار سمرين

استضاف مساق دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة، مؤخرًا، وضمن سلسلة ندوات الحريّة العامّة والخاصّة بالمساق؛ ابن جامعة بيرزيت الأسير المحرر أسرار سمرين، الذي أمضى ثلاثة وعشرين عامًا في سجون الاحتلال.

واستحضرت دفاتر السجن حكاية سمرين، التي تروي سنوات الرصاص الفلسطينية حين كانت البندقية ركنًا أساسيًا من أركان الوجود الفلسطيني.

وأسرار سمرين واحد من بين 103 أسرى فلسطينيين من الجيل القديم للأسرى الذين اعتقلوا قبل أوسلو، ولم يخرجوا في اتفاقيات التبادل بين السلطة الفلسطينية والاحتلال. وقد تحرر من سجنه في الاتفاق الذي وقع بين السلطة والاحتلال برعاية أميركية بعد توجه السلطة للمؤسسات الدولية مقابل إطلاق سراح أسرى ما قبل أوسلو على أربع دفعات، وبالفعل أطلق سراح ثلاث دفعات وأخلت إسرائيل باتفاقها ولم تطلق سراح أسرى الدفعة الرابعة، لأنهم حسب التعبير الصهيوني "ذوو أيدي ملطخّة بالدماء".

وفيما يتعلق باسم "سنوات الرصاص"، أوضح أستاذ المساق د. عبد الرحيم الشيخ المشرف على إقراره ضمن مساقات الجامعة؛ أنّ الاسم مستمد من الحرب الأهلية الباردة في الدول التي تحررت من الاستعمار مثل الأرجنتين والبرازيل وفي عمق المركز الأوروبي مثل إيطاليا ومثل المغرب على الصعيد العربي؛ وذلك "لاستدعاء التجارب الكتابية المشابهة للحركة الأسيرة في العالم". وسنوات الرصاص هذه تمثل مرحلة ما بعد التحرر حين تصل الحركات الوطنية إلى السلطة، وعندما ينحرف خطابها من خطاب تحرري وطني الى خطاب متخاذل مع سلطة الاستعمار السابقة، فيسود فيه الاستعمار المحلي (ما بعد الاستعماري) ويطغى خطابه على الخطاب الوطني التحرري. وفي هكذا أوضاع سياسية وعامّة مترديّة تخرج جماعات وطنية معترضة على هذه الحالة وساعية لتغييرها فتواجه بقمع السلطات ويتعرض عدد كبير منها للسجن أو الاختفاء كما حصل في الأرجنتين في الحرب الأهلية الباردة.

وأضاف الشيخ أنّ الإفادة التي يمهّدها هذا التقديم لموضوع المحاضرة يكمن في الطريقة التي يمكن بها كتابة تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة وتاريخ الكفاح المسلح في لحظة واحدة، في فترة زمنية تعاني من رضّات عديدة في المشروع الوطني الفلسطيني بتحوله من مشروع تحرري شرعه ودستوره الكفاح المسلح الى مشروع مضبوع بِ/ ومتهادن مع السلطة الاستعمارية الصهيونية ويسعى الى مشابهتها وتقليدها.

وبدأ سمرين محاضرته، بتفتيت الزمن والعودة 29 عامًا إلى الوراء وأمسك فتيل روايته من أوّله، حين كان شابًا صغيرًا ابتدأ وعيه الوطني بالتفتح، وهو وعي بسيط  في تلك المرحلة وحق طبيعي مستمد من غريزة البقاء لدى أي مستعمَر يدفعه الواجب والشرف الوطني إلى مقاومة العدو الغازي. وكما يسرد سمرين، فقد كان يبلغ من العمر 15 عامًا حينما اقتيد في عام 1986 ولأول مرة الى معتقل الفارعة؛ وهو سجن عرف آنذاك بقسوته في التحقيق وخاصّة لدى الشباب الصغار. وكان سابقًا في مرحلة الحكم الأردني يستخدم كإسطبلات للخيل ثم حوّله الصهاينة الى معتقل وزنازين للتعذيب والتحقيق الوحشيين. وذلك بهدف إحداث كسر في الوعي الوطني والكفاحي عند الجيل الصغير وإلباسهم حالة الخوف والترقب وإخضاع وعيهم لسيادة القوة الصهيونية وانعدام الجدوى من مقاومتها.

وأرخ سمرين بسرده هذا لبداية الانتفاضة الأولى حين وجد الجيل بأكمله نفسه أمام مفترق طرق، فلم يأت الانتصار المرتقب من القيادة الفلسطينية المنفية في الخارج، وكانت الأوضاع الاجتماعية والسياسية المتهاوية تلك الفترة مساعدة في حدوث ثورة ضدّ الاستعمار المحلي والاستعمار الصهيوني. فتشكلت وعلى مستوى الأحزاب السياسية المختلفة خليّة وطنيّة سميت باسم القوات الضاربة أو السواعد الرامية وقد شكلت حالة وطنية جماعية مميزة سجلت انتماءها للوطن بالدرجة الأولى وليس للون حزبي معيّن. ولاحقًا في عام 1988 وبعد استشهاد خليل الوزير (أبو جهاد) تشكلت كتائب للنضال والمقاومة سميت باسم "كتائب الشهيد أبو جهاد" وأفرادها ينتمون الى حركة فتح، وكان دورها فاعلًا ومهمًا جدًا في الانتفاضة الفلسطينية الأولى. ويضيف سمرين أنه قد شكل مع زميلته في جامعة بيرزيت "عبير الوحيدي" وموسى قرعان خلية فدائية أنجزت 7 عمليات عسكرية ضد العدو الصهيوني أوقعت عدة إصابات في صفوفه. وبتاريخ الأول من تشرين ثاني من عام 1992 قامت الخلية بعملية عسكرية تمثلت بإطلاق النار ولأول مرة من سيارة فلسطينيين لسيارة صهاينة، وقد تمكن فيها سمرين من قتل مستوطن في حين انه لم يقتل ابنته المرافقة له والجالسة في المقعد المجاور، وما يمثله ذلك من مبادئ الفدائي الرفيعة في عدم إقدامه على إشراك الأطفال في عمليات الثأر وتصفية الحساب مع العدو المستعمِر.

ويضيف أنه وفي نفس العام من تنفيذ العملية اكتشف العدو الصهيوني خليتهم الفدائية بعد اكتشاف مكان السلاح الذي استخدموه في العمليات، والذي أودعوه عند رفيق لهم في قرية كوبر القريبة من رام الله. وقد نال هو ورفيقه موسى قرعان على ذلك حكمًا بالمؤبد لأنهم اعتبروا "ذوي أيدٍ ملطخة بالدماء" وهو تعبير يطلق على الفدائيين الذي أوقعوا خسائر بشرية في صفوف العدو الصهيوني ذاته لا المتعاونين معه. وعند هذه النقطة يبدأ سمرين باستعادة الزمن القاسي مرة أخرى بالحديث عن ظروف الحركة الأسيرة داخل السجون الصهيونية وعن مدى التنظيم داخل هذه الحركة التي تنتمي الى أحزاب وتوجهات سياسية وفكرية مختلفة؛ وعن الرضّة التي حدثت في هيكلة الحركة الفلسطينية الأسيرة بعد أوسلو، وعن أساليب العدو ومحاولاته المستمرة في اختراق الثغرات في بنيان الحركة الفلسطينية الأسيرة وإحداثها إن لم توجد.