معاذ النتشة.. من البكالوريوس في بيرزيت إلى الدكتوراة مباشرة

أنهى الطالب معاذ النتشة (22 عاماً) من مدينة الخليل دراسته الجامعية في حزيران 2015، ولكن نهاية دراسته كانت بدايةً لقصةٍ جديدة، واستكمالاً لحلقة طويلة من تحدي الصعاب والمثبطين، الذين واجههم النتشة خلال حياته.

أنهى معاذ دراسته الجامعية في تخصص الفيزياء في جامعة بيرزيت في ظرف ثلاث سنوات، أي أقل بسنة واحدة عن السنوات المخصصة لتخصص الفيزياء، وقد ودع الجامعة باسم على رأس لوحة الشرف، بعد أن كان اسمه على نفس اللوحة لكافة فصوله الدراسية، باستثناء فصل واحد فقط، ما أهله لإلقاء كلمة الخريجين في حفل الخريجين السنوي، كونه الأول على جامعة بيرزيت.
ويقول النتشة: "تخرجت الأول على جامعة بيرزيت، بتراكمي بلغ 95.3 في المئة، ومن ضمن ما تضمنته شهادته الجامعية تحصيل 99% في 11 مساقا دراسيا مختلفا، والسر في ذلك هو إيماني بما أفعله وحبي له، رغم ما أسمعه من الناس، الذين كانوا يقولون لي: في نهاية المطاف سوف تصبح معلماً في إحدى المدارس، إن حالفك الكثير من الحظ، ولكن لم أكن أهتم".

بداية جديدة
ويضيف: "بعد تخرجي من الجامعة، قدمت امتحان "جي آر إي فيزياء" في أميركا، الذي يؤهلني لدراسة الدكتوراة بدون ماجستير، وقد حققت فيه علامةً كاملة 990 بفضل الله، وكان ذلك بعد فترة استعداد مدتها شهر، قرأت فيها كل مواضيع الفيزياء، سواء تلك التي درستها في الجامعة أو التي لم أدرسها، حيث كانت هذه الفترة هي الأصعب علي، لأنه كان علي أن أقرأ عن مواضيع كثيرة في الفيزياء لم يسبق لي أن سمعت عنها، ولكن ذلك تم بحمد الله، وقد بدأت بدراسة الدكتوراة في جامعة نيويورك بمنحة كاملة.. وطموحي في المستقبل، هو أن أتجاوز الدكتوراة لأحصل على شهادات أعلى، فهدفي هو اكتساب المحتوى العلمي العميق، وأطمح لتحقيق إنجازات على المستوى المحلي، فأنا أرغب بتقديم شيء لبلدي.. لفلسطين".

النظام التعليمي
ويعلق النتشة على النظام التعليمي في فلسطين، قائلاً إنه لا يراعي ما يرغب الطلبة بتعلمه، لافتاً إلى أن معدله في سنوات المدرسة لم يكن يتجاوز الـ 80 بالمئة، ولا ينسى النتشة حين قال له أحد أساتذته: "إنت يلي زيك شو بيجوا يسووا عالمدرسة، روح شوفلك شغلة إشتغلها أحسنلك".
ويضيف: "كنت أشعر برغبة كبيرة في التعلم في سنوات المدرسة، ولكني لم أكن أجد من يفهمني. قد كنت مولعاً في سنوات الأساسية بمادة الجغرافيا، فحفظت خريطة العالم بأكمله عن ظهر قلب وكان باستطاعتي رسمها وتحديد كل دول العالم عليها، رغم أنني لم أكن قد تجاوزت الصف السادس، وفي سنوات الإعدادية اهتممت بدراسة التاريخ، وقد قرأت تاريخ الإمبراطوريات والممالك القديمة وتفاصيل الحروب التي جرت في القرن العشرين بأكملها، وفي سنوات الثانوية، كنت متميزاً في المواد العلمية، حتى أطلق علي زملائي في الصف لقب عبقري الرياضيات".
ويتابع حديثه قائلاً: "أذكر أن مدير المدرسة أخبرنا ونحن في الصف العاشر عن مسابقة بحث علمي، فشعرت بأنها الفرصة لإيصال صوتي لمن هو مهتم، فكتبت موضوعاً من 50 صفحة خلال شهرين، باستخدام قلم حبر ومخيلتي لا أكثر، توجهت إلى المدير وكان وقت دخول المسابقة قد انتهى، قلت له أريد إيصاله لأي أحد معني، فهذا نتيجة تفكير وتعب كبيرين، فطلب مني وضعه في مكتبه، وأظنه ما زال في مكتبه حتى اليوم إن لم تكن سلة مهملات قد احتضنته، لاحقاً أوصلت التقرير العلمي لعدة أساتذة برتبة دكتور في الجامعات، ولم أحصل على أي شيء عملي منهم. كلهم مستغربون! أحدهم يسألني عن المراجع!! حاولت أن أفهمه فكرة أن كل ما كتب في البحث هو تأليف شخصي ولم ارجع فيه إلى أي مرجع ولكن دون فائدة، في الوقت الذي قال لي فيه آخر إن لغة النص لغة غير علمية، أقول له أنا بعمر الخامسة عشرة، فكيف تتوقع مني لغة أبحاث علمية".

رسالة إلى الشباب 
يوجه النتشة كلامه إلى الشباب الفلسطيني وعموم الشعب قائلاً: "العبرة أن الأصل في أي حضارة متقدمة أو غير متقدمة هو أفراد المجتمع وسلوكهم وكيفية معالجتهم للأمور التي تحدد نوعية ومقدار التطور المادي. لذلك، من أجل التغيير، ابدأ بنفسك كفرد من أفراد المجتمع وحاول أن تغير من هم حولك لنصبح أفرادًا منتجين ونقوم بدورنا كما يجب".
ويضيف: "سر النجاح ببساطة هو الحب، أن تحب ما تعمل لتعمل ما تحب، الرغبة بالحصول على نتيجة ليست أمراً كافياً للوصول إليها، إذ يجب أن تحب الطريق المؤدية لذلك الهدف أيضاً، أعني أن من المؤكد أن تخرجك من الجامعة بعد أربع سنين من تعب الدراسة شيء رائع، لكن يجب أن تشعر بالرضى والسعادة خلال هذه الفترة، كإحساس داخلي، لهذا اختر تخصصاً تحبه، ولا تختر تخصصاً فقط لأنه مطلوبٌ في سوق العمل، من السيئ جداً أن تدرس وأن تعمل في مجال لا تحبه، فقط من أجل الحصول على راتب أكبر".