إلى الفلسطيني الملهم الراحل بوداعة: د.عودة عودة
"عبثا يحاولون التطهر بتلطيخ نفوسهم بالدم، شان من يريد بعد التمرغ في الوحل، ان ينظف نفسه بالوحل. يا لحماقة من يقوم بمثل هذه الاعمال في عين من يراه! ان حال من يرفع صلواته الى مثل هذه التصاوير الالهية، هي كحال من يكلم الجدران، من دون ان يسعى الى معرفة طبيعة الالهة والابطال"
في علامية – سيمائية – الاسطورة والتراجيديا وتناوبهما، يصور " الشاعر الباكي " هيراقليطس، التداخل والتمازج بين دموية الطقوس بين الجريمة والفداء وذلك البعد الارتعاشي الاحتدامي للذبائح، في تناوب كوميدي- تراجيدي بين الابطال والالهة وفي استشراف لطبيعتهما غير القابلة للتعريف والابهام ايضا. وكان المعري" العربي قد اكد اللاجدوى بينهما..."
الحضارة: من الانعزالية المكانية الى الانتشار التخييلي!
لم تكن المفردات التي تكررت على لسان " نتياهو" -عطية الله – حول تحالف العالم المتحضر صدفة او اعتذارا اخلاقيا في مواجهة الفلسطينين، بل هي بعكس ذلك، تؤكد انتماءها لذاتها دون اي تاويل، في انتاج كوميدي لتناوب الاسطوري السحري الهلوسي، مع العقلي والعملي والتقني، بتعبيرصاحب الفكر المركب" ميثوس – لوغوس؛ اسطوري- عقلي.
لم تكن اشتقاقات التحضر فضيلة في ذاتها كموضوع، بقدر ما كانت تفوقا للذوات التي صاغتها، بصفتهم اسطورييين وعقلانيين في اللحظة نفسها، فقد تحملت خاصيتا الانعزالية والانتشار، المكان واللغة بهذه التصورات على شكل ارتشاف طبيعي وثقافي للتاريخ الاوروبي المناظر للاسطورة الاوربية، كانت المدينة – اثينا- المحاطة بانعزالية الاسوار مكانا متحضرا وجغرافيا نقية متعالية – سيحلل سعيد ذلك لاحقا- ولان السور علامة فصل يحد اتجاهين جغرافيين، كان من هم خارج السورهمجيين، في حين كان التحضر سمة الانعزالية والطبيعية والعرقية في ان معا، لم تكن فكرة السور الواقي ولا الجدار الفاصل بعيدة عن هذه التفسيرات! السور الواقي لسحق الفلسطينن والجدار الفاصل لتاكيد صفة التفوق!
على سبيل انظمة التمثيل وبناء الاستعارات الاسطورية الاولى، كان هوميرس يؤسس تاريخيته الطبيعية باستعارات الابطال والالهة ؛ فهمجي كل من يتكلم البربرية، او بالاحرى لا يتكلم اليوناية، وهوتعالي مزدوج تعالي باللغة وفي اللغة. في تاسيس؛ سيكون فيما بعد بثنائية اللغة – الدين.
في الحروب الفارسية اليونانية تاكدت الثنائية واعطت مظهرا متحضرا لكل ما هو يوناني ومظهر همجيا لكل ما هو فارسي، بداية من الجغرافيا وليس انتهاء بالالهة والابطال.
من انعزالية الحدود الى رحابة الالكتشافات!
لم تكن العلوم الاجتماعية كتمثيل رمزي لعقل المتحضر طفرة، فامام الانعزال المتحضر هناك الانتشار الاكثر تحضرا، هذا الانتشار الاختراقي لاكتشاف جغرافيات جديدة؛ كولومبوس لجزر الهاييتي وليس بعيدا عن اكتشاف امريكا، لقد اعاد التنوير مرة اخرى التناسخ بين الهمجي والمتحضر، وفق صيغة جديدة كونه افقا للاختراق والاكتشاف، فالموحش الطبيعي هو المتوحش الثقافي، وبالتالي :الحضارة هي القدرة على امتلاك عقل الاكتشاف ومن ثم ادواته واختراعاته.
لم يكن كتاب" صديق الانسان" للكاتب " زيكوتي" المنظر للثورة الفرنسية التناسخ الوحيد لانتاج حضارة وتحضر هوميروس، وفق انتشار جديد يعيد استنساخ الديني في مقابل اللغوي فقد كانت المسيحية هنا تحضرا في مواجهة انانية الانسان وترفه، ولا يعدم هذا التعالي الديني افتراضا يحضر المتوحش هنا على شكل دين، مزيف، خارج السوراو كشي غير غربي، وهو الاسلام هنا بعد سقوط القسطنينية عام 1453.
في مقابل السور كعلامة انعزال يضمن النقاء والاستغراق في التحضر، كانت السفينة كاختراع يحاصر البحر ويكتشف اسواره وصولا الى عوالم جديدة تنتظر التفتح والانكشاف بعقل متحضر، كانت السفينة هنا " دينا" جديدا يشبه معجزة القيامة التي ينتظرها الهمجيون لتعيد تعريفهم فكانت اوروبا هي ايضا" سفينة الرب المختارة" لم يكن" سيف الله المسلول" اختراعا اسلاميا!!
كان الرحالة الهة جدد، وكانت الاكتشافات معجزة اوروبا المتحضرة التي تعيد انتاج الطبيعة واللغة، وكان اكتشاف السلاح واختراعه تفجر الحضارة الاكبرباعتباره معجزة والها ارضيا، لا يقل خطورة عن تاسيس المعرفة الاجتماعية التنويرية التي لا تعرف نفسها الا باستحضار الظلام، فتفوق انظمة التحليل والتجريد والتمثيل الاوروبية – والامريكية فيما بعد . لا يقل اهمية عن تفوق الاسلحة الفتاكة والالة البخارية لاحقا.
تعاد انظمة التمثيل الان الى تناسخ جديد، فالمتحضر هو المكتشف والهمجي البربري هو المكتشف، وكان الرحالة هنا، انبياء السلاح المؤجل الذين يرحلون ليبحثوا عما في عقولهم في الامكنة، حيث يصادر التخييلي الطبيعي والتاويل الاصلي، لم تكن رحلة الشاعر الفرنسي شاتوبريان الى فلسطين والقدس في القرن التاسع عشر حيث البحث عن العرق البدائي، رغم كل صور اللطف والحضارة التي ساقها،كانت في النهاية الرحالة المتحضر في اللغة والدين والسلاح في مقابل الهمجيين في كل ذلك حتى "الاسنان"!
لقد تم حشد كل الاساطير التي تؤكد تفرد اوروبا " المجموعة الداخلة" في مواجهة "المجموعة الخارجة " في علاقتين لا ثالث لهما، هما: الغزو او الحصار!
لقد استدعى الاسطوري التقني بشكل جديد، تم استبدال كل ذلك معا، من اسطورة بابل الى صموئيل والتيه والعجل بشكل تراجيدي، كيف سيحدث ذلك اوروبيا ويهوديا، وكيف يصبح اكتشاف السلاح حضارة او تناسخا جديدا للتحضر، هكذا سيصبح الاستعمار ايدولوجية حضارية، من القدرة على الاكتشافات الى ضرورة القتل للدفاع الحضارة!!
تصميم الاخر: السلاح نبيا وتاويلا.
ستعود اوروبا المليئة بالانظمة المعرفية والثورات الفكرية وتحييد الفكر عن الطبيعة والالوهة، لانتاج نفسها كضرورة حضارية استعمارية لا ينكشف وضوحها ودورها الا بتصميم نقيضها الجغرافي والديني واللغوي وحتى العرقي، الان؛ الجنس المخترع يخترع نفسه واخره ايضا، تحدث الردة ويعود العرق كنظير للطبيعة في اثينا، هنا يصبح العرق الابيض وصيا طبيعيا ودينيا وحضاريا و"سلاحا "فوق العالم، لانه لا يمكن لاحد العيش بدونه.
ستعيد اوروبا انتاج " الاله" – هيرمس- كاله اسطوري وعقلي، يفهم الاسطورة وهو الاقدر على ترجمتها عقليا، فهو المؤول الاول للحكمة والمعرفة والغيب، يعرف كنهه ويستجلي كنه الاخرين، فهو الميثوس واللوغوس في ان معا، ستصبح اوروبا هيرمسا جديدا يفهم الاخر ويحلله تاويلا يصل حد الالغاء؛ لاغريب هنا اذا كان اختراع السلاح تفوقا تاويليا في القتل لانه المعجزة المتفوقة لازالة العراقيل الهمجية من امام الحضارة والصفاء وحتى من امام الله كما حدث مع الهنود الحمر! ان الحضارة تعني في النهاية؛ ان تقتل وتمتلك القدرة على القتل ..
في تلك المرحلة اعتبر اليهودي "ابيض" بطبيعة الحال، قبل التعامل التراجيدي مع السامية ونقيضها كخطيئة وتكفير، ستصل الى مجموعة من المذابح بحقهم ليس افظعها " المحرقة"
اوروبا البربرية اوروبا المتحضرة !
لم يكن" اريس" كميثوس لمعجزة الحرب والدموية حالة منتهية في التفكير الغربي، فانه ما ان يغيب حتي يحضره العقل" لوغوس" ويحضر رمحه الذي لايقهر وعلى جانبيه ظل الالهة؛ الرعب والخوف! والاسم هنا " اريس" ليس الا مدلول الانتقام والدمار اللذين سيحولهما العقل الى حالة تطهرية وضرورة تاريخية..لذلك تصبح الحرب ساحة للعلامات والتجريدات الفكرية وليست ساحة للرماح والاجساد. الحرب ستعود بين متحضر وهمجي ! الحرب رهان القوة التي ستلغي كل الرهانات، انها حضور الحياة الفائر في القتل والموت. وربما تصبح الفن الارقى لجماليات المكر والذبح .
ولان الاسطورة وحدها القادرة على تشخيص امراض العقل، كان العقل وحده ايضا القادر على تاسس منطقية " الالهة" ويصبح العقل هنا مطية وغاية من غايات توحش الاسطورة تاريخيا، وتحويل الحرب الى وسيلة وغاية معا.
لم يكن تاكيد والتر بنيامين على ارتباط تصورات الحضارة وافعالها الا مناظرا للفعل البربري، وستظل مظاهر الحضارة والبربرية متاصلة لا تنتهي في ظل التحالف المزمن بين قوى الحضارة وبين الله كحسن سلوك مسبق تملكه اوروبا وحلفاؤها، وبينها طبعا الدولة- النبي- اسرائيل. ولعل اقسى مظاهر البريرية خلق تصور وفرض تسمية على كل من يعارضها على انه" بربري"
كانت القضية اليهودية قضية اوروبية وقعت بين فك الحضارة والمعرفة والاسطورة في ان معا، عندما كتب " شامبرلان" كتابة في نهاية القرن التاسع ومطلع القرن العشرن 1899، كتابه "اسس القرن التاسع عشر" وفيه تاكيد وبرهنة علمية على تفوق" العرق الاري" بدا التوتر يحيط اليهودي عرقيا، كونه صاحب دم مختلط، ستتعمق الازمة اكثر مع تفجر صراع الحربين العالميتين، وتتكون الخطيئة العلمية والاسطورية معا في تسمية " السامية".
قبل شامبرلان، يؤرخ ادغار موران، وهو من الاخلاقيين الانسانيين في الدفاع عن تاريخية القضية الفلسطينية وسياسيتها، يؤرخ لمؤلف ادواردو درومون، عام 1866 "فرنسا اليهودية" وفيه اعتبر اليهود "كعملاء للشر" وهكذا كانت المحاورالاوروبية تنشب مخالبها تمهيدا لبناء مسرح التطهير الاسطوري لليهود فيما عرف بالمحرقة، بين فوبيا عرقية وخوف سياسي اجتماعي مهد الحرب للاله " اريس" ليعمل رمحه تطهيرا وتحضرا وقداسة في مواجه الشر، مقولة هتلر المزمنة. بعد سيطرة النازية،
كان هرتزل، الردة الاولى الفعلية عن امكانية الاندماج، لذلك كان على اليهود البحث عن دولتهم الخاصة، من هنا كانت المؤامرة التكفيرية بحذافيرها، كان اليهود ينتجون اسطورتهم بتحالف اكثر وقاحة مع الله، وعلى الفلسطيني ان يدفع ثمن الاسطورة بقرار من العقلانية الغربية كلها: متدينها وملحدها وعلمانيها وحتى شواذها.
لم يكن الهنود الحمر قبل ذلك، الا ضحايا مقدسون للسلاح الجديد، فهم بشر ناقصو الاهلية لان المسيح لم يذهب الى تلك الارض والموريسكيون مرتدون ملوثون، دمهم وحده الكفيل بتطهيرهم من خطورة الردة والتمثل والتمثيل.
لم يكن استرقاق العبيد من قبل فرنسا في الكونغو الا علامة بربرية للحضارة التي بنت سكة الحديد الرابعة بين الكونغو والمحيط ، هنا يقدم اندريه جيد اعتذارا ثقافيا لشهادته التي اعتذرت عن شهادة شاتوبريان، وفي الجزائر لم تكن اجساد الجزائريين في اختبار السلاح النووي الا استجابة للرعب والخوف وقداسة السلاح الاثيري الجديد وليس اكثر منها بربرية مجزرة صطيف عام 1954 في الايام الاخيرة للحرب الا امعانا بنرجسية الطبيعي والعرقي واللغوي والاختراعي في احتفالية التفوق بالقدرة على القتل.
هابرماس: لعنة البنية ثانية!
لم يتسن الاطلاع على المواقف الدقيقة لهبرماس ، لكن ما جاء في مجمله يشي بعودة لعنة البنية ثانية، فهابرماس الذي امضى حياته في التكفير عن خطيئة النازية، وتبعا لذلك حدد مساره الفلسفي بمقاومة قسريات السلطة وتشوهات الايدولوجيا، يقع ثانية في ردة البنية فريسة لكليهما فالقرابين لم تعد مقدسة، ولا هجاء للقتل، بل مديح للقاتل ثانية... انها حفلة الولاء للاسطورة المتجددة.. العرق الاسمى، رخصة، يمنحها العرق المتفوق.. لضحيته . ردة لا تليق في نهاية العمر!!!
صموئيل والسلاح: الضحية تتبارك من قاتلها!!
لم يكن استحضار " صموئيل " في خطاب قادة دولة الاحتلال بعيدا عن هيرمس الحكيم او اريس القاتل، فهو اسم الله المسموع من الله "لاني من الرب سالته" مقولة الوالدة، فسمع الله واستجاب، فهو المعجزة الاسطورية التي ستخلق المعجزة التقنية، بعد ان منحت اروربا الكفارة لذبيحتها اليهودية حق المحاكاة في اختراع ذبائحها الفلسطيننين، في استنساخ لا جغرافي ولا تاريخي لاسطورة اقل من تخييل واكبر من خرافة، فقد حضر صموئيل لملاقاة الفلسطينيين بالقرب من المكان الذي اخذ من التابوت، " فارعد الرب بصوت عظيم " فانكسر الفلسطينون امام بني اسرئيل، هنا لابد من اعادة الاسطورة بتقمص حضاري بربري، فاستدعاء العالم المتحضر هنا ليس ادعاء قيميا كما يتم التوهم فيه، انه تعبير عن استنساخ الضحية للقاتل بشكل اكثر دموية في درس بلاغة السلاح الذي دفع للانتصار، فلا قرابين بديلة الا من قيل عنهم باسم الرب_ الصامت_ اعداء صموئيل، لا عقلانية غير عقلانية السلاح ولا اسطورة حول قداسة القتل اودناسته، القداسة تكمن في القاتل النبي والدناسة في الذبيحة الملعونة لو كانت طفلا واو امراة اوشيخا.
ليعد سيف صموئيل ويوشع ولتنفذ الوصايا بقتل الاجساد التي يمكن ان تحوي عقلا يخترع الموت في مواجهة القاتل، فاجساد الفلسطينين وارواحهم تهديد مؤجل، فطالنا نملك الة القطع، دعونا نملك المستقبل والاحتمال؛ بسحق الجسد عدو السلاح، في حفلة الموت التي يصفق لها "الله..".,
فالفلسطينيون " همجا" لا يعرفون الامومة ولا يقتنون الحيوانات المنزلية ولا يتقنون حفلات الميلاد، في غزة موت اخرس بلا عزاء وبلا اطلال وبلا غرف نوم للاطفال وبلا جنائز، وعلى الفلسطيننين ان يسحقوا بتلذذ القاتل المنتقم لانهم لم " يحبوا اعداءهم كالجبناء، ولم يكرهوا محبيهم كالجاحدين ... ماتوا لانهم لم يظلموا الظالمين .." باستعارة من جبران .
طالما اننا نملك الله والسلاح والتصفيق والمباركة من عيون من يمتلك الحق بتحويل الاسطورة الى عرق في الامم المتحدة، فلنتقل اذا ولنستغرق بايماننا، وعلى الفلسطيني ان يتذكر انه منسي، وان حاول امتلاك الة القطع، سيتحول الكون حوله الى جحيم وتصبح الامم المتحدة سيف اريس وصموئيل معا..
الشواهد تعود والعربي فلسطينيا !
لا ادري ان كان للروائي ان يؤسس تناصا مع نبوءته، فقد حملت هذه المواجهة النبوءة في وارث الشواهد ، بتحول الاسطورة الى عرق في الامم المتحدة وحدث الاستبدال بين المختبر والهلوسة وبين الفكر والعرق، وسقطت الديموقراطية الا كونها مشورة حول شكل المذبح، في ليتني كنت اعمى، ارتشفنا حلاوة التصاور في الاجترار والاستمناء في الحصول على متعة السلام في ظل الاحتفاظ بجثث الشهداء، وعاد المصور للحياة بعد ان فقد عينيه لان بات يصور المعركة في جنين ونابلس، وكان الحصان المعدني ، الاسم الاول المقترح للرواية ، يقف مشرفا على حيفا يعيد انتاج السلاح صامتاعلى اجساد الشهداء ويذكر الفلسطيني الجدد باجداداهم فاشتعلت ثانية وثالثة، لكن المحتلون فطنوا الى خطورة تحول الاطلال الى شواهد ، فقاموا بسحقه ، ومازال ورثة المعركة الاولى اجسادا في الحياة والموت...لقد هدموا الحصان المعدني خوفا من الاغنيات والذكريات.
في ارجوحة من عظام كان السؤال المزمن: لما نركض بارجلنا المبتورة وترسم خيط الدم خلفنا ولماذا لم نعد نبحث عن العلاج، فالموت يعيد تعريف الحياة في لحظة لتصبح جزءا من تفاصيله، لا يمكن الانتصار في معركة، تتخذ قوة السلاح سبيلا، لانه في كنيسة الرب وديره ومحاولة ترهيب الرب ثانية لن تفلح، لانه لا يبطل القدرة على القتل الا القدرة على الموت.. درس التاريخ الي لم يفهمه العدو، فاذا كالنت الحرب تعيد كل اسرائيلي الى اصله غير اليهودي، فان الحرب تعيد الفلسطيني الا اصله العربي، فالتاريخ الماكر سيعيد العرب كلهم كفلسطينيين وهذا وراد جدا، كان الانتحار القغلاني الفلسطيني باوسلو مكرا تاريخيا، لم يلتقطه الاحتلال وارتكن الى الى رهان السلاح، فكيف ان عاد مئات ملايين العرب الى اصلهم الفلسطيني يحملون السلاح، لم يكن السلام حاجة فلسطينينة فقط، بل ربما يتحول الى مطلب احتلالي في القادم... وربما بعد فوات الاوان..
كياسة القيادة والكرم الفادح: الخسارة مرتين !
في مشهد تفسخ الواح حصان طروادة الاممي الذي اسس تجريديا لشي اسمه القانون الدولي والامم المتحدة، حيث تدوس النهاية المفضوحة للتمثيلية وتنشب خطيئة الشرعية الدولية مخالبها في عيون اطفال فلسطين وغزة، وفي الوقت الذي يزود مستوطن وزير مستوطنيه في ارض محتلة بالسلاح، وفي اللقطة الكبيرة لرئيس وزراء الاحتلال عطية الله مع وحدات القوات الخاصة التي تقتل الفلسطينين في بيوتهم وامام اطفالهم في الضفة وغزة وفي ارض محتلة وفق الشرعية الدولية، تصبح الشرعية الدولية خدعة اكبر من حصان ومفارقة اصغر من شعر ميدوسا الخائنة، مازالت القيادة الفلسطينية تمارس كياسة تصل حد اصنام عرض الملابس في تكرار الحكمة والتفوق والترفع عن السقوط في دوامة "العنف"التي تجرح شعورالشرعية الدولية، لست انا بلعان او طعان ولا مؤمن بالاساطير رغم قناعتي بسحرها، لكن ضجيج الدم وصراخ الارامل ودموع المقاتلين الذين يقتلون غيلة في عطش الوحدة تدفع الى كسر وضعية الكرم الفادح في عرض بضاعة فاسدة داست خيول الاحتلال رقبتها وبالت على اوشحتها.
سيكون من العقلانية البليدة القول بان التاريخ لم يعد يستوعب الكفاح العنيف، ولكن سيكون من الكرم الفادح القول ان التسيق الامني مقدس، سيكون من الاناقة القول بان حقن دم اطفالنا واجب على القيادة، لكن سيكون من الكرم الفادح القول باننا نفتش حقائب طلبة مدارسنا.
ستكون عقلانية جارحة القول ان ميزان القوى لصالح العدو، وان ضعف الامكانات "وتركنا وحدنا" يفرض كياسة السياسة من باب فن الممكن، سيكون كرما جارحا وفادحا القول باننا نعيش تحت بساطير الاحتلال في شعب تعرف القيادة ان المقاتلين من شعبها ومن حركتها حولوا بساطيرهم الى ينابيع دم ووقفوا يتلقون الرصاص بعيونهم. واكدوا الثورة المستحيلة.
سيكون مدعاة فخر للواجب؛ القول: ان حقوق الشهداء والجرحى مقدسة وان كل قرش هو من حقهم، سيكون من الكرم المؤلم في دم الاخ من اجل الغريب سؤال مقاتل اصيب بجروح الاشتباك دفاعا عن بيته الواقع في ارض محتلة وفق الشرعية الدولية ان كان استجاب للاوامر القيادية، هل يستشار شهيد مؤجل امام قاتله!.
القيادة الفلسطينية وهي تحمل في معظمها شهادات في العلوم السياسية تمارس كرما باذخا عندما تتحدث عن الشرعية باسم منظمة التحرير التي بنت شرعيتها على الثورة والانتخاب‘ في حين تدوس القيادة رقبة الثورة وتخنق شرعيتها الانتخابية عندما تتحول عباراتها "الكاريكاتوية"عن الحماية الدولية الى نكت لطلبة المدارس وتقول لاية كتلة في الراي: من منكم الجريء ليدافع عن الاستجداء في مقابل الفداء الذي حضر في ازقة نابلس وجنين وطولكرم والخليل ورام الله واريحا وبيت لحم وغزة، مئات الشهداء سقطوا امام مغتاليهم في بيوتهم وامام اطفالهم، لكن كرم القيادة وكياستها لم يكن بالجراة ليدافع عن شرعية دمهم، بل كان يسائلهم حول الانضباط العسكري ؛ لذلك فالقيادة تدوس شرعيتها بخطابها الذي بدل فعله، من رفع وتاطير قوة الروح العامة، بعد تدمير الجسد تبادر الى سحق روحها وتدمير ليس واقعها بل ارثها الذي لا تمتلك حق التصرف فيه فهو ليس املاك خاصة.
ان حركة التحرر الوطني بتنظيماتها هي التي اعطت للفلسطيين الاغنية والثورة والهوية عبر الاف الشهداء والعذابات؛ لذلك فهي ليست بيدقا باذخا في نرجسية الشرعية، فالقيادة فناء في المجموع وليست تعاليا عليه.
سيكون من عقلانية السياسة الحديث عن بناء الذات وتحويل الجهد الى المدارس والجامعات والتنمية البشرية ، لكن ذلك لم يحدث فقد تم تحييد الكثير من الملهمين والمناضلين لانهم لم يقسموا الولاء وخرجوا عن الاجماع ، ورينا الحركة الوطنية تتحول الى كيان يشبه الى حد ما "جمعية اصدقاء الرئيس".
لن يكون من زائد القول هنا، اننا وعدنا من قبل قياداتاتنا بالماسسة بديلا عن الفردية، لكن الذي حدث ان الفرد تحول الى مؤسسة، وباتت القيادة تستنسخ نفسها بقادة جدد، لا يملكون حتى الاقدمية الزمنية ولا فرادة الاداء، بل اكتفوا بسباق الولاء، فراينا قادة في السياسة والامن والاعلام بمهام ثنائية وثلاثية ورباعية وسباعية، حتى تبدلت الوجوه المضيئة بوجوه شوهاء لا تسترها حتى الاقنعة...!
التكفير الوحيد للقادة الفلسطينيين سلطة وسلطة ومن يعارضهما، بعد هذا الخراب الذي وسم حياتنا؛ هو محاولة النظر الى المستقبل، ليتوقف سباق النقائض الايدولوجية والفقهية الفلسطيني، وعلى القادة ان سمعوا صراخ الارامل وانات اليتامي ان يتفقوا على مرجعيات لتعريف انفسهم وتحديد اهدافهم ومصادر شرعيتهم، والا فامهم خيارات ثلاثة: اما ان يخرجوا منا واما ان نخرج منهم واما ان نخرج عليهم.....
قال الرئيس في احدى مقابلاته: اذا خرجت مظاهرة ضدي، ساستقيل، الان في اخر استطلاع يطالب نحو 90 من الفلسطنيين القيادة بالاستقالة، وتطالب دول الحضارة باعادة هيكلة السلطة، فليكن" بيدي لا بيد عمرو"! وليوكل الامر الى قيادة السجون ولتتشكل قيادة طوارىء وطنية من الجميع، ولتكن وصية القيادة الاخيرة اغلاق الباب في وجه العالم ! حتى لاتخسر القيادة مرتين للمرة الاخيرة.
الفلسطينيون: من تحرير"الوطن" الى تحرير السلطة!!
لم يكن الاداء الخطابي والسياسي للقيادة الفلسطينية الا مدرسة لتعليم الخسارة المزدوجة، كما تقول هي نفسها، صمدت في وجه الضغوط وقالت عن نفسها " بلا حيلة" وقدم شعبها الشهداء وقدمت حركتها الوطنية القسم الاكبر منهم، لكنها خسرت شرف دمهم في الندية امام العدو، واصبح دمهم معيارا في الشرعية امام الخصم، قدمت كما تقول هي ، المتون، لكنها خسرت نفسها العناوين.
ما تشهده الحالة الفلسطينية من ردة في العلاقات التي كان الانقسام الفلسطيني ثمنا تطهريا لها، قدمت خلاله القرابين والضحايا، وكاتب هذا المقال ليس داعيا ولا قاضيا انما يدون المكشوف الذي حاول الاعلام اخفاءه مرة واظهاره مرات، كما القيادة، عمدت قيادة " الرفض " الفلسطينية الى وسم الانقسام الفلسطيني " الانتحاري" بالحسم امام الفئة الدموية والقاتلة الاستئصالية، هذا تدوين وليس ادعاء او دفاع، الحراك الذي نراه سافرا اليوم يعيد تعريف العلاقات من التضاد الى التحالف، دون اية امكانية لاسترداد الدم والشرف باثر رجعي، اللهم من الديات، هذا الحراك في عواصم لا تعصم من القواصم يدفع لتشاؤم عقلاني، مفاده ان الفلسطنيين- او قسم منهم -استبدلوا تحرير الوطن والارض بتحرير السلطة، ربما اولا، في سبيل ثان، ربما لن ياتي ابدا.
الكرامة كتأويل !!
لن اشعر بالفخر كفلسطيني ولن تسعفني الحتميات لقبول صراخ نسائنا واطفالنا بعد كل هذه الماسي طلبا للطحين ولا الاستجداء طلبا للماء، كل البلاغة لن تسعف اطفال غزة المرتجفين، ولا الاطفال العائدين فارغي الصحون من طوابير الانتظار لقدر الحساء، في درس التاريخ تخرج الماسي الابطال الذين يصنعون كرامة شعوبهم، منذ اكثر من 75 عاما ونحن نقف طلبا للطحين في طوابير الخراب، لن تجدي الاستعارة هنا في تاويل طلب الكرامة من المعتصم، المعتصم استعارة هلامية، لنا هنا وزراء وخلفاء، الاجدر ان تصل مسامعهم. ان تقشف كرامتنا في السؤال لا يتماشي مع بذخ الالقاب والمسميات من وزير الى لواء، وتصميم الفلسطينيين حتى الان في رفعها وتثبيتها" في الوطن كله"، ينذر ببروز نرجسية من طورغريب!! لا يحتج احد بوحشية العدو!هل هناك من يخوض حربا، ويركن فيها الى اخلاق عدوه! كيف وهو الذي نعرفه جيدا
هل ننتظر خمسين عاما ليصل الفلسطينيون الى مرجعية واضحة لتعريف الشرعية، ام سننتظر خمسين عاما اخرى لنراهم يقاتلون سوية ويحاربون جماعة! على من يقودون هذا الشعب ،الذي كان سابقا لقيادته، ان يقرروا : متي تستعبدهم النصوص ومتى تقودهم متطلبات الواقع!
الفضائيات العربية: الشاعر والفقية والمفكر والعسكري مخرجون!
على الجمهور ان يصطف مساء ليرى ما يريد لا ما يحدث، سيرى الراثي اهم من الشهيد، والمحلل اهم من القبر، سيرى كيف تمنح زيارة ممثل الامن والاغتيال في دولة الاحتلال العار لعاصمة ان نزلها ، في حين تمنح عاصمة اخرى له الشرف ان استضافته، سيرى الشعراء عسكريين والمفكرين يوزعون صكوك الفغران، يتحالفون على فتاوى، مفادها: متى يجب على على الناس ان تموت من اجل المقاتل، ومتى على على القاتل ان يموت من اجل الناس، ومتى على السلطة ان تحمي رعاياها، ومتى على الرعايا ان يحموها، سيتسلل المحللون والناطقون والمفكرون خلسة ليروا ما علقت الجميلات على بطولاتهم، وسيراقبون جدول المنح والترقيات وبرنامج الزيارات الفكرية التحررية وسيشرحون او بعضهم، عن الديالكتيك ومفهوم الطغاة وهم لا يعرفون الفرق بين تجارة التاويل وتجارة الجثث، سيشرحون كل ذلك وسيقنعوك ان المستعمرات تصبح ثورية ان امتلكت صورا ثورية، وان الصراخ امام الطغاة افضل من الصراخ تحتهم، سيكون لكرم القيادة فائدة واحدة ،وهي ان كشف الترقيات والمكافات سيزداد امام مفكري الدفع المسبق بالقطعة، فقد اثبتوا الولاء بشتم القادة امام الامراء!.
لقد تحولت بورصات الاعجاب وهدايا المذيعات الانيقة من غرف الملابس الى قضية وجودية... ترى التعليقات على صور الجثث والدمار.. انتفضي ايتها السماء.
في الليل نفسه ستبرد قبور اهل غزة وجروحهم، والحلم يبقى بزيارة قبور الاطفال صباحا لفك الوحدة. هذه الوحدة التي ستطول فالجروح بلا مراهم والاجنة يصارعون الطبيعة لخروج لا ترغبه الامهات،،، ولا نظرة اخيرة فالعيون ملاها الطين، وويل لك ان صرخت على اناقة الاستديو بالقول: ما لك انت ان تموت.....
استعير من الضرير الشاعر عبد الله البردوني
من ذا هنا.. غير الاسامي الصفر تصرخ في خفوت
غير انهيار الادمية وارتفاع " البنكنوت"
وحدي الوك صدى الريح وارتدي عري الخبوت.