واصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، لعبة "شد الخيوط" أي اللعب بدُمى الإدارة الأميركية، التي "فصّلت" خصيصاً، لمقاييس أصابعه، فأعلن الأميركيون تأجيل أي مبادرة سلمية لما بعد الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية.
فيما يواصل الفلسطينيون، سياسة (الإدارة بالقطعة)، ويتساوى في هذا حركتي "فتح" و"حماس"، وآخر تجليات الإدارة بالقطعة، إعلان وقف قبول المساعدات المالية الأمنية من الأميركيين في الضفة الغربية (دون إعلان قطع العلاقات الأمنية مع الإسرائيليين). والإعلان في غزة طريقة جديدة لقبول المساعدات القطرية، المنّسقة مع الإسرائيليين والأميركيين، وفي الحالتين لا يوجد خطة عمل واضحة.
الناظر إلى مؤتمر دافوس الاقتصادي السنوي، هذا العام 2019، خصوصاً من الزاوية الإسرائيلية، يشاهد مسرحية، تخلو من حبكة وقصة، وتعتمد على أداء باهت من الممثلين، الذين يحاولون ارتجال قصة.
هذا العام غاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن القمة، وغاب وزير خارجيته، مايك بومبيو، الذين تحدث للمجتمعين عبر الإنترنت، ومدح كثيراً، فريق ترامب لشؤون "العملية السلمية" في الشرق الأوسط جيسون غرينبلات، وجاريد كوشنير. وهو هنا يحفظ ماء وجهه، كوزير خارجية ممنوع من التعامل مع الملف الإسرائيلي- الفلسطيني. أما غرينبلات، فيكفي مشاهدته ورؤية لغة الجسد هو يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على هامش المؤتمر، فنتنياهو يبدو كالأستاذ الذي يمتدح التلميذ الماثل أمامه، وربما الأدق بدا نتنياهو كمن يحرك دمية اسمها غرينبلات. فها هو قد ساعده لمدة عامين الآن على إشغال العالم بخطة سلام يقول غرينبلات نفسه أنّ قلة "في الكون" يعرفون عنها شيء.
غريبنلات يمارس إرضاء رؤسائه في إسرائيل والولايات المتحدة، ليس بالمواقف السياسية فقط، بل وبطريقة التعبير؛ فهو اقتفى خطوات رئيسه الأميركي، في استخدام "تويتر"، فدخل في سجال مع المسؤولين الفلسطينين، صائب عريقات، وحنان عشراوي، ونبيل أبو ردينة. ولعل أحد أطرف ردوده، وأكثرها عُمقاً، في آن واحد، أنّه ردّ على قول (تغريدة)، عضو تنفيذية منظمة التحرير الفلسطينية، حنان عشراوي، إنّ مصداقية هذه الإدارة الأميركية هي "صفر"، أنّ هذا غير صحيح، بدليل أن ألإدارة وعدت بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها لها، وفعلت هذا. ولعله يزيد عن هذا، بأن يقول: ووعدنا بقطع المساعدات عنكم وفعلنا (هدد ترامب بذلك في مؤتمر دافوس 2018).
سيسجل للقيادة الفلسطينية رفضها التفاوض والحديث مع هذه الإدارة الأميركية، ولكن الجانب الأميركي تكيف مع هذا الموضوع، وسيفتخر غرينبلات وترامب يوماً أنّهم أوقفوا الأموال عن الفلسطينيين ولكن "التنسيق الأمني" استمر، بل سيفتخرون، ربما في مذكراتهم، أنّهم "جرّوا" حركة "حماس" لذات المربع، فعبر أموال يدفعها عرب (قطر) توقفت مسيرات العودة وتوقف التوتر على الحدود الإسرائيلية مع قطاع غزة، فيما استمر الانقسام والحصار والضعف والموت في غزة. وسيفتخرون أنّهم أشغلوا العالم بصفقة سلام، قد يعلنوها في وقت يكون العالم والفلسطينيين فيها مستعدون، لتكرار ذات اللعبة السخيفة، وهي انتظار انتخابات الرئاسة الأميركية، التي ستبدأ حملاتها العام المقبل. بل وسيكتب فريق الدمى الأميركي، في مذكراتهم، أنّهم واصلوا المفاوضات مع الفلسطينيين، عبر لقاء "مئات" الفلسطينيين، في مؤتمرات ولقاءات شبه سرية، وعبر "تويتر" مع المسؤولين الفلسطينيين.
سيسجل على القيادة والفصائل الفلسطينية، أنّها لم تطور استراتيجية واضحة، وشاملة تعبّئ الشارع، لمواجهة الوضع الراهن.
وحتى الفصائل "الصغيرة" بحجمها ودورها حالياً، الكبيرة تاريخياً، الجبهتان الشعبية والديمقراطية لتحرير فلسطين، تمارسان ذات اللعبة، وهي: موقف هنا وموقف هناك، ورفض المشاركة في مجالس وحكومات، دون أن تطرح أو تقدر على طرح تصور شامل للحل تقنع جزء من الشارع ليؤيدها فيه.
يحتاج الفلسطينيون لإنهاء لعبة التقطيع هذه، التي حوّلت الشأن الفلسطيني، إلى تغريدات تويتر وفسبوك، واجتماع هنا، واجتماع هناك، ونصف خطوة هنا، ونصف قرار هناك، لصالح استراتيجية جديدة. وهذه الاسترايتجية يصنعها البرلمان الفلسطيني الأعلى، أي المجلس الوطني الفلسطيني، الذي يجب إعادة تشكيله بحكمة وفاعلية، ليكون مجلس سياساتي. يُضاف لها برلمان تنفيذي، هو المجلِس التشريعي لإقرار السياسات التنفيذية. ثم بعد الخطة الاستراتيجية تأتي الخطة التنفيذية التي يطبقها عدا اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيسها، برلمان السلطة\ الدولة الفلسطينية، أي مجلس تشريعي جديد، مع انتخاب رئيس جديد، قد يتضمن إعاددة انتخاب ذات الأشخاص، أو وجوه جديدة.