جميل وأجمل عن الترجمة من العبرية

جميل ان نترجم عن اللغة العبرية، والأجمل ان لا يزيد عدد المقالات المترجمة عن عدد المقالات الفلسطينية.

جميل ان نترجم اشياء كثيرة تتعلق بنا، والأجمل ان نترجم عن الشخصيات المهمة ومن المصادر الموثوقة اولا.

جميل ان يكون المترجم دقيقا جدا، والأجمل ان يكون مفسرا ايضا فيضيف خارج التنصيص ما يراه مساعدا للفهم.

جميل ان ينقل من لا يعرف العبرية عن مترجم موثوق، والأجمل ان لا يسرق جهده او يتعامل مع ترجمته بتصرف.

جميل ان نزود الجمهور بشتى الاخبار، والأجمل ان نتق الله في هذا الجمهور المسكين.

اللوحة للفنان الفلسطيني نواف سليمان

المشكلة ان الجمهور غير محصن ازاء الرواية الاسرائيلية، او فلنقل نسبة من الجمهور، حتى لا يغضب البعض، وان افراد هذه النسبة يأخذ بهذه الرواية، وان بعضهم يحاجج بها جَهارا نهارا، وان البعض الآخر ومن دون ان يدرك، يستخدمها في تحليل ومحاولة فهم ما يدور من احداث، وبالتالي فان السيناريوهات التي يرسمها خياله تكون من صنع اسرائيلي.

وكذلك الامر فان بعض المصطلحات التي سيستخدمها هذا الجمهور ستكون من نحت اسرائيلي، نحت مستمد من اللغة والتاريخ والدين والقانون، وسريعا ما يتجسد هذا النحت في الاذهان ثم على الالسن فعلى الارض لاحقا

هذا عرض حال وتشخيص سريع، اعرف ان كثيرين قد لا يرغبون الاقرار به، غير انه مسنود بأمثلة كثيرة، وان ما يخالفه من امثلة قليل ومتقطع.

تشخيص سريع يوجب على من يترجمون من العبرية ان يجتمعوا بخبراء من حقول الاعلام والسياسة والأمن وعلم الاجتماع والتاريخ والدين واللغة، لتدارس عدة أمور.

طبعا ليس من بين هذه الأمور دقة الترجمة وإنما المردود والتأثير وكيف يمكن ترشيده، مثلا وضع سياقات علمية لا تعتدي على النص ولكنها تضعه في صورة أفضل خاصة وانه يوجه لعموم الجمهور على اختلاف قدراته.

عدد من يترجمون كبير جدا، والمسألة ليست دقة المواد المترجمة وإنما هدفها المخفي وعن اَي جهة هي صادرة وما شابه،،،،  فالترجمة حسب فهمي المتواضع ليست نقلا من اللغات ولكنها تفسير الى اللغات.

مقدار الافتتان وأحيانا التبني والتصديق الذي تلاقيه المقالات العبرية يبدو انه كبير.

لماذا يفعل الجمهور ذلك وهو يعلم ان هذه هي رواية العدو؟

لماذا يفعل ذلك وهو يدعي عمق المعرفة وطول التجربة؟

لماذا لم تهتز قناعة هذه النسبة من الجمهور طول هذه الفترة بالرواية الاسرائيلية؟

بعيدا عن عقدة (الخواجا)، وشعور المُحتَل بالضعف والانبهار ازاء محتله، هناك قائمة طويلة من الاسباب ويقف في مركزها غياب وسيلة اعلام وطني صادقة على الدوام، وذكية وسريعة، طبعا الصدق لدى الاعلام الاسرائيلي صدق ظاهري، بعيد عن العمق والشمول، وتحتشد بين ثناياه جرعات السم بشكل ذكي ومدروس.

حتى اولئك الذين يكتشفون جرعات السم، قد يستخدمونها للأسف، ان وافقت هواهم السياسي والتحليلي، واسهمت في توجيه طعنة لخصومهم، هؤلاء من السذاجة او الغباء الى منزلة انهم سيُكذبون ذات المصدر حين يستهدفهم.

المزعج حقيقة ان الاحتلال يحصل على المعلومة صافية وبشكل أسرع وينشرها مبكرا محققا بذلك سبق الرواية الاولى التي ترسخ في الاذهان، والتي يحتاج نفيها او توضيحها الى مجهودات خارقة ظلت قاصرة عن نفيها تماما، حرب الفعل ورد الفعل هذه، حرب الخبر المحبوك بعناية والنفي المتأخر، زعزعت المتلقي وخلقت عنده ارباكا وفقدانا للثقة.

اتفهم ان يحصل الاحتلال على اخبارنا الخاصة حين يكون هو  مصدرها، كالقصف والاستهداف والسماح بدخول وفود وغير ذلك، اما حين يكون مصدر خبرنا من داخل مقرات قيادتنا فهذا معيب ومخجل الى ابعد الحدود، كثيرة هي الاحتجاجات التي قام بها الصحفيون الفلسطينيون على قيام المسؤولين الفلسطينيين بإعطاء تصريحات مهمة للصحافة الاسرائيلية والاجنبية قبل وسائل الاعلام الوطنية، وعلى السماح للصحفيين الاسرائيليين بحرية التجول داخل اراضينا، واذكر ان احتجاجا كبيرا جرى اواخر التسعينيات على الامرين، وقامت الدكتورة حنان عشراوي وقتها مشكورة بنقلة الى داخل جلسات المجلس التشريعي.

ما الذي يمكن لرؤساء التحرير وللمترجمين عمله؟ بالتأكيد ليس التوقف عن نشر الترجمات، ولا الاعتداء على مضمونها والاخلال بمصداقية المترجم، ونحن نتحدث هنا عن الخبر والتقرير أكثر مما نتحدث عن مقالات الرأي، هذه نقاط اولية تحتاج الى نقاش ارجو ان يتواصل:

حسن الاختيار، على ان يشمل المادة والمصدر، وان يستند لمعيار الاهمية ومعيار مدى موثوقية المصدر.

التقديم للمادة بشكل يضمن وضعها في سياقها وجوها الصحيح دون اعتداء على جسمها، فمن حق الجمهور علينا ان يعرف طبيعة هذا المصدر، او توجهات هذه الصحيفة او ذلك الكاتب.  هذا التقديم قد يكون جانبيا في مربع خاص ومميز.

السعي قدر الامكان الى الحصول على تعقيب فلسطيني حين يحتاج الامر، وذكر سبب غياب هذا التعقيب حين لا نحصل عليه، سواء كان لامتناع او رفض الجهة الفلسطينية للتعقيب او لأي سبب آخر، نحن بذلك نضرب عدة عصافير بحجر واحد، منها اننا ننبه القارئ الى غياب هذا الرد، ومنها اننا نبرئ أنفسنا من تهمة التضليل، ومنها اننا نضغط على الجهة الفلسطينية وقد ندفعها الى التعقيب مبكرا في المرات القادمة. كلما كان التعقيب او مبرر غيابه واضحا كان ذلك مدعاة للاحترام.

ان يجري ذكر المصدر العبري بمنتهى الوضوح في عنوان المادة المترجمة، وليس في الفقرة الاولى منها، هذا ضروري جدا حتى لو تسبب بضياع جزء من عناصر الجذب والتشويق الصحفي.

الاتفاق على اجراء تحريري معلن للجمهور بما يكفل عدم الترويج للمصطلح الاسرائيلي، كأن يجري وضعه مثلا بين قوسين ويتم اتباعه بالمصطلح الوطني.

اثارة نقاش دائم حول الهدف النهائي الذي يرمي اليه الاعلام الاسرائيلي، وضرب الامثلة باستمرار على لا مهنية الاعلام العبري حين يتعلق الامر بنا نحن الفلسطينيون او العرب

محاولات حثيثة جرت لصياغة بدائل للمصطلحات الاسرائيلية وأثمر بعضها عن كتب وادلة، بينها كتاب (المفتاح) من إصدار مركز تطوير الاعلام في جامعة بيرزيت، وجهود عديدة تبذل لمزيد من تثقيف الجمهور تثقيفا اعلاميا يجعله قادرا على قراءة ما بين السطور، ليس في الاعلام العبري فقط وانما في الاعلام عموما

هذا على صعيد ما هو مكتوب، اما على صعيد ما هو منطوق او مصور، فالمسالة اعقد والمتحايلون أبرع، وهذا نحتاج الى جهد كبير لفضحه.

ودوما نحتاج لإرجاع القضية الى الاصل، وهو الاحتلال، اما قضايا الجدار، والحواجز والاستيطان وإغلاق معبر على أهميتها فما هي الا توابع لقصة أساسية اسمها الاحتلال. وللأسف باتت القصة الأصلية تضيع لصالح التفاصيل، بسعي حثيث مِن الاحتلال وبحسن نية من طرفنا.

ويلزمنا أيضا اتاحة اوسع مجال امام الكتاب الفلسطينيين للنشر، كتاب جدد غير أولئك النمطين الذين نعرف سلفا ماذا سيكتبون الأسبوع القادم، في مواجهة العدد الكبير الذي يخصص للمقالات الاسرائيلية المترجمة.

الآراء الواردة في المدونة تعبر عن رأي كتابها، وليس بالضرورة عن رأي الجامعة.