إطلاق مبادرة"عَ-وين" – التعليم مسؤولية الجميع

 

إطلاق مبادرة عَ-وين – التعليم مسؤولية الجميع

ندوة بعنوان: التعليم في فلسطين -نعتذر عن قساوة المشهد

بمناسبة إطلاق مبادرة عَ-وين-التعليم مسؤولية الجميع، والتي تضم مجموعة من المؤسسات الوطنية الفاعلة بالقطاع التربوي والشبابي، وتهدف إلى تسليط الضوء على أهم تحديات المنظومة التربوية بفلسطين، ورفع الوعي المجتمعي حول أثر ضعف النظام التعليم الحالي على مستقبل الفرد والمجتمع الفلسطيني ككل، عقدت المبادرة اليوم الإثنين 6 أيلول 2021، ندوة في مؤسسة عبد المحسن القطان برام الله، بعنوان: التعليم في فلسطين: نعتذر عن قساوة المشهد.

تحدث في الندوة كل من: مدير مركز التعليم المستمر في جامعة بيرزيت أ. مروان ترزي، ومدير مركز الأبحاث الاستراتيجية ماس د.  رجا الخالدي، ومدير مؤسسة الحق د. شعوان جبارين، وشذى ريحان، وانوار ملصة من منتدى شارك الشبابي، فيما يسر الندوة مدير شركةBusiness Alliance عمر الساحلي.

تناولت الندوة عدداً من المحاور الهامة التي تعرض أهم التحديات التي سوف تواجه الشباب خلال العقدين القادمين من منظور شبابي، بالإضافة إلى عرض مجموعة من المؤشرات حول واقع التعليم بفلسطين وتأثيره على سبل بناء الاقتصاد الوطني، مع الإشارة لحق الشباب بالحصول على جودة تعليم ترتقي لطموحاتهم وتطلعاتهم وتعزز فرص نجاحهم ببناء المستقبل المنشود.

افتتحت الندوة كل من شذى ريحان، وأنوار ملصة عن التحديات الاقتصادية، والبيئية، والسياسية، والاجتماعية الخطيرة المتوقعة خلال العقدين القادمين وطالبن بحقهن وحق جيلهن في تعلم أفضل يؤهلهم لمستقبل متغير وخطير، كما طالبن الجميع بتحمل مسؤولية التعليم لأن مستقبلهن ومستقبل الوطن ككل يعتمد على نوعية التعليم.

ثم تحدث ترزي عن المبادرة التي تأتي تجسيداً وايماناً بأن التعليم هو أهم ركن من أركان بناء الغد وله المساهمة العليا وتأهيل وتجهيز الشباب لاستلام أدوارهم المستقبلية، من خلال خلق حراك مجتمعي من أجل تعزيز ثقافة تقوم على أن التعليم هو مسؤولية جماعية وأن المتعلمين والمتعلمات ينبغي أن يكونوا شركاء في تعلمهم، ودعا ترزي كافة قطاعات المجتمع من مؤسّسات تعليمية، وحكومية وخاصّة والمجتمع المدني، وأولياء الأمور والأهمّ من ذلك كلّه هم الطلّبة أنفسهم بالتحرك لتحمل المسؤولية والعمل على تحسين وتغيير المنظومة التعليمية بما يتماشى مع متطلبات العصر والمجتمع الحالية والمستقبلية.

وقدم ترزي معلومات مقلقة عن واقع التعليم بفلسطين، ومبيناً أن الدراسات والأبحاث النوعية والكمية - الدولية منها أو المحلية، أو حتى دراسات وزارة التربية والتعليم نفسها - حيث أنه ومنذ عام 2008 لم يتعدى متوسط تحصيل الطلبة بمادة الرياضيات على سبيل المثال الـ٣٠٪ فقط للصفوف العاشر،  بالإضافة لاحتلال فلسطين أدنى المراتب بين الدول في امتحانات الـ TIMSS العالمية، وأضاف ترزي أنه من الصعب تفسير تناقض نتائج الثانوية العامة مقارنةً بالمراحل السابقة بين عشية وضحاها، إلى مستويات تفوق كل التوقعات، كما يحصل في النتائج المبهرة لناجحي الثانوية العامة، دون "هندسة" معينة تنشر الفرح المزيف بين أوساط الطلبة وأهاليهم.

أعرب ترزي عن دهشته واستياءه من الجهل الكلي عند المجتمع عن هذه النتائج الصادمة مع أن هذه النتائج متوفرة على الملأ ويتم نشرها سنة تلو الأخرى على مواقع وزارة التربية والتعليم، وتساءل أين الإعلام من كل ما يحصل ولماذا لم ولا يتم تغطية هذا المشهد التربوي والأكاديمي القاسي والذي يطول كل فئات المجتمع ومستقبلنا جميعا.

وأضاف ترزي انه وفي ظلّ الأزمات المالية الخانقة التي تواجهها هذه المؤسسات نظرا لشحّ التمويل، وتزعزع الأوضاع الاقتصاديّة والسياسيّة، وعدم وفاء الحكومة الفلسطينية بالتزاماتها المالية تجاه الجامعات؛ والزيادة غير الطبيعية في عدد الجامعات، وفي الوقت ذاته عدم قدرة الجامعات على رفع أقساط الطلاب بسبب ضغوطات الاتّحادات الطلّابية، ولا على تقليل التكاليف بسبب قوّة نقابات الأساتذة والعاملين، لا يبقى أمام الجامعات من الخيارات الماليّة سوى التعامل مع التعليم العالي بسياسة اقتصاد السوق الحر: زيادة عدد الطلاب في الصفوف بنسبٍ مرتفعة جدا لتغطية التكاليف، في حين تكافح معظم هذه المؤسّسات ماليًا من أجل البقاء، أو تعاني من ضغط مستثمريها في سبيل تحقيق الرّبح في حال الجامعات الربحية، وهذا ما حوّل التعليم العالي في فلسطين إلى سلعة زُجَّ بها في اقتصاد سوق حرّة غير منظّم، دون تطبيق معايير جودة حقيقة او المطالبة بها من قبل الحكومة، أو قيادات المؤسسات التعليميّة، أو أولياء الأمور، أو قطاعات المجتمع في نطاقه الواسع، أو حتّى الطلّاب أنفسهم!

وثم قدم السيد رجا الخالدي نبذه عن الاقتصاد الفلسطيني وعن مستوى البطالة الذي وصل الى مستويات صادمة، واوضح ان 65% من الاقتصاد الفلسطيني هو اقتصاد خدمي لخدمات وسيطة ليست مرتفعة الجودة، وان النواة الصلبة للاقتصاد الفلسطيني - الانتاجي يكاد لا يتعدى 35%، وهذا يعني ان هناك تشوه هيكلي في الاقتصاد الفلسطيني سببه غياب كامل لرؤية اقتصادية تنموية بنائية وطنية، وقال أنه في ظل غياب رؤية اقتصادية لا يمكننا استحداث رؤية تربوية تدعم التطور الاقتصادي الوطني، وتحدث الخالدي عن اثر التناقضات التي نعيش بها في فلسطين ما بين الليبرالية الجديدة من حيث نهج حياة، وسياسة، وقيم من جهة - والتحرر الوطني من جهة اخرى وكيف ان هناك علاقة عكسية بينهما وان هذا التناقض له اثر على الفجوة الكبيرة بين الفقر المدقعة والغناء الفاحش في فلسطين.

وتكلم السيد شعوان جبارين عن الموضوع الحقوقي فقال ان أساس المطالبة بالحقوق يتم نحو الجانب الرسمي، فهو الموكل في العمل وهو من وضعت بين يديه موارد ومقدرات ومسؤوليات كبيرة، وهو لا يستطيع ان يتهرب من مسؤوليته واوضح ان مبدا المسائلة والمشاركة في قرار قانون التعليم لسنة 2017 واضح وجميل جدا على مستوى النصوص والعبارات، ولكن من الواضح اننا نعيش حالة انفصام شنيعة بين الجملة المكتوبة والممارسة، أذ اننا أصبحنا كالببغاوات نعيد تكرار جمل وعبارات جميلة دون الاهتمام الى التطبيق. وقال جبارين انه عندما تكون هناك حاجة للتغيير مثل الحالة التي يعيشها التعليم اليوم، تقع على عاتق الفرد مسؤولية تبدأ بتعليق الجرس وثم المطالبة بمشاركة الجانب الرسمي في ايجاد حلول، فالمشاركة عنصر اساسي في الموضوع فهي تحقق مسائلة تلقائيا، وتحقق افكار وتوظف قدرات واسعة جدا تضعها في اتجاه ايجاد الحلول والمخارج لمشاكل وتحديات... ولكن المشاركة بحاجة الى الارادة وهذه الارادة غائبة عند الجانب الرسمي الفلسطيني-وان تمت المشاركة تتم بشكل شكلي.  وتابع جبارين قائلا في حال رفض الجانب الرسمي ان يكون مسائل، على الفرد ان يتنحى جانبا ويحمل الجانب الرسمي المسؤولية المباشرة على إخفاقات نظام التعليم، وهنا تتحول مسؤولية المطالبة بالمساءلة والمشاركة من مسؤولية فردية الى مسؤولية جماعية تقع على عاتق المجتمع ككل من مؤسسات مجتمع مدني، الى جامعات، واهالي، وطلاب. وأنهى كلمته بالتأكيد ان الحق بالتعليم هو حق بتعليم نوعي وتعليم شامل مترابط بجميع نواحي الحياة وبالمتغيرات السريعة جدا التي يشهدها العالم اليوم -وليس فقط الحق بأي تعليم.

ومع نهاية الندوة، شكر ترزي كل من ساهم بإطلاق هذه المبادرة من أفراد ومؤسسات، مشيراُ للجنة التأسيسية لمبادرة ع-وين والمتمثلة بـ Jerusalem High-tech Foundry مؤسسة عبد المحسن القطان، مؤسسة افكار، مؤسسة بيالارا، ومؤسسة فيصل حسيني، وملتقى الشراكة الشبابي، ومنتدى شارك الشبابي، ومركز المصادر للطفولة المبكرة، إضافة إلى مركز التعليم المستمر في جامعة بيرزيت، وقد ثمن ترزي دورهم الفاعل بإطلاق المبادرة داعياً سائر المؤسسات والجهات الفاعلة بالانضمام لركب هذه المبادرة.  

وتسعى مبادرة عَ-وين إلى بث وعي مجتمعي حول واقع التعليم الحالي، ونقاط ضعفه وقصص نجاحه، وأثر الضعف على مستقبل الفرد والمجتمع الفلسطيني، وأثر النجاحات في أن تكون ملهمة، والمطالبة والمساهمة في إنجاز تغييرات جذرية للمنظومة التعليمية كيفا وكما، لأن التعلم النوعي هو حق أساسي من حقوق الإنسان وشرط جوهري لخلق مجتمع واعد.