نظرتنا إلى العملية التعليمية/التعلمية

نظرتنا الى العملية التعليمية/التعلمية

ننظر إلى التعلم كعملية نشطة، فالطالب ليس متلقياً سلبياً للمعرفة، وعقله ليس بنكاً لإيداع معلومات يستحضرها المعلم متى يشاء من خلال  امتحان، انما كائن نشط يعيد انتاج المعرفة بالعلاقة مع رغباته واهتماماته، وعنصر فعّال في اكتساب المعارف والمهارات وبناء قدراته الشخصية، فهو يحاور، يسأل، يناقش، يجرب، يكتب، يتـامل، يفاوض، يتعاون مع زملائه،..الخ. وبالتالي فدور المعلم ليس وسيطا أو ناقلا للمعرفة، وليس مهمته أن ينظم المعرفة ليودعها في عقول طلابه، انما مهمته تحفيزهم لاثارة أسئلة حول المعرفة ومحاورتها وليس مجرد اكتسابهاـ ومهمته ايضا تهيئة بيئة تعليمية محفزة وتوفير سياقات تتيح الفرصة للطلبة في الانخراط بمهام حقيقية لها صلة بالواقع ، ما يقتضي توظيف طرق تعليم متنوعة من قبيل التعليم المرتكز على المشكلات learning  Problem based  ،التعليم من خلال المجموعات، التعليم باستخدام الحالات، التعلم من خلال المشاريع،...الخ.

 

في القرن الواحد والعشرين، وفي ظل مجتمع المعرفة بكل أبعاده وتعقيداته الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتربوية، أصبح من الضروري امتلاك الفرد لمهارات تمكنه من الحياة والعمل في مجتمع عصر المعرفة، كالتفكير الناقد والتفكير الابداعي، والتواصل وحل المشكلات والادارة الذاتية والتعامل مع الازمات والتكيّف واستخدام التكنولوجيا الرقمية وأدوات الاتصال والشبكات وصولا إلى المعلومات وإدارتها وتقويمها وإنتاجها، وعليه فالتعليم الجامعي مطالب بتأكيد المهارات والقدرات الضرورية للحياة والعمل.

لم يعد مجدياً توجيه التعلم لاكساب الفرد معارف نظرية مجردة خالية من المعنى وبلا أي قيمة اجتماعية أو معرفية، أو حشوه بالمعارف الضخمة قليلة الارتباط بالحياة والواقع ليخزنها المتعلم ويحفظها عن ظهر قلب دون أن يكون لها اثر كبير في تنمية طاقاته الفكرية وقدراته العقلية واحكامه النقدية وقدرته على حل مشكلاته الشخصية والاجتماعية. كما لم يعد مجديا إحتكار عملية التعليم من قبل أحد أطراف العملية في زمن تعددت فيه مصادر المعرفة وممكنات التعلم.

في ظل مجتمعات المعرفة، تكون المعلومات جديدة ، متجددة , ومتدفقة، وتمثل التكنولوجيا تحدياً كبيرا للمنهاج او المقرر التدريسي في ظل نظام التعليم التقليدي، إذ لم يعد مقبولا أن يتعلم المتعلم في كتاب مطبوع أو من خلال دوسية تشتمل على عدد من المقالات أو الدراسات  تتضمن في معظمها حقائق ومعلومات وقد أعدت سلفاً، وأمامنا هذا السيل الجارف من المعرفة في شتى المجالات والتخصصات والتي يسهل الوصول اليها من مصادر هائلة التنوع.

في معظم الحالات تقيس الجامعات مقدار ما تعلمه الطلاب من خلال الامتحانات والاختبارات و/ أو من خلال الابحاث، فبالنسبة للامتحانات يتوقع من الطالب استدعاء حشد هائل من المعلومات لإجابة الأسئلة في عزلة تامة بعيدا عن أي مصدر سوى عقله من دون طلب مساعدة من الآخرين.

يعاكس هذا السيناريو ما يتوقع من الطلبة خوضه في العالم الحقيقي، فعندما نواجه مشكلة ما نادرا ما نحلها دون مساعدة أحد أو دون الاستعانة بمصدر خارجي، وعليه ما يعتبر غشا في الجامعة يصبح في العالم الخارجي قدرة تحظى باحترام إذا ما تم استخدام المصادر بفعالية.

لا يحظى الطلبة غالبا بفرص جيدة كي يوظفوا المصادر بفعالية كي يحلوا مشكلات حقيقية. على المستوى النظري إذا كان ولا بد من امتحانات فلا بد من تعزيز نسبة الأسئلة التي تقيس عمليات تفكير عليا مثل الاستنتاج والتركيب ومهارات التفكير الناقد ومهارات التفكير الجانبي وليس درجة حفظ المعلومات. أما بالنسبة للأبحاث وهو الجانب الآخر من أدوات التقييم، فغالبا ما يكتب الطلبة صفحات كثيرة (إن لم نقل نسخ معلومات) تتواطيء مع رغبات المدرس وميوله وتثير أسئلة حول إمكانية كتابة ثلاثة الى أربعة أبحاث في الفصل تتطلب عمليات مضنية في قراءات وتأطير نظري وإعداد بيانات وتحليل ونقد وصياغة.

لا بد من وسائل فعالة لتقييم القدرات الأوسع والتي لها قيمة أكبر في الحياة، مثل الحكم على الأمور، الصدق، المبادرة، الفضول الفكري، التواصل...لا بد من استحداث أدوات تقييم أصيل وربما واحدة من هذه الأدوات هو التأمل، حيث يستحضر الانسان عند التأمل جبهة كاملة من المكونات العاطفية والجمالية والفكرية.