لقاء في "بيرزيت" يناقش العلاقة بين "الجنائية الدولية" وفلسطين

نظم معهد الحقوق في جامعة بيرزيت، بالتعاون مع مؤسسة «كونراد اديناور»، يوم الخميس 26 شباط 2015، لقاءً قانونياً تحت عنوان «المحكمة الجنائية الدولية وفلسطين: مسؤولية القادة في القانون الجنائي الدولي»، تحدثت فيه أستاذة القانون الجنائي الدولي في جامعة ميلانو بايطاليا، شانتال ميلوني، بمشاركة نخبة من القانونيين والأكاديميين، وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية، بحضور عدد من طلبة الجامعة.
وأشارت ميلوني إلى أن العلاقة بين المحكمة الجنائية الدولية وفلسطين والتحديات التي تواجهه تلك العلاقة؛ من الموضوعات الهامة التي تأتي في سياق الحراك الدولي للفلسطينيين، وآخرها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وقدمت نبذة حول القانون الجنائي الدولي، مبينة أن فكرة استخدام هذا القانون في فلسطين ظلت لفترة طويلة فكرة نظرية يصعب تحقيقها، والأخذ بها على أرض الواقع، نظراً للحالة الفلسطينية، وكون فلسطين لم تكن دولة لفترة ليست بالبعيدة، وبالتالي لم يكن بمقدورها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتنفيذ ما يترتب عليها من الالتزامات نتيجة لهذا الانضمام.
وقالت: شهدت السنوات الأخيرة العديد من الحقائق التي أدت إلى إحداث تغيير كبير في موقف فلسطين من القانون الجنائي الدولي، والرجوع إلى القانون الدولي فيما يخص القضية الفلسطينية، تمت الإشارة إليه بطريقة سيئة، حيث كان ينظر إلى ذلك على أن من شأنه تعميق النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، بل إن بعض الدول ربطت استمرارية تقديم الدعم المادي للسلطة بالتعهد بعدم اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ولفتت ميلوني إلى أنه في العام 2009، وبعد عملية «الرصاص المسكوب» في قطاع غزة، تقدمت فلسطين بموجب المادة (12/3) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بإعلان إلى المحكمة، وكان رد المدعي العام على ذلك الإعلان، أن على المحكمة تحليل مدى إمكانية تقديم هذا الإعلان بسبب عدم وضوح الوضع الفلسطيني دولياً، وتم فتح تحقيق أولي، استمر ثلاثة أعوام، وفي نهاية المدة صدر قرار من المحكمة على صفحتين، وتضمن أن المدعي العام لم يكن بإمكانه أن يقرر فيما إذا كانت فلسطين دولة أم لا، وبالتالي تم رد الطلب.
وأضافت: إلا أن هذا القرار كان منتقداً من العديد من الجهات الدولية، ومن بينها منظمة العفو الدولية، وفي هذا الصدد، واعتبرت ميلوني أن قرار المحكمة لم يكن قراراً صائباً، لا سيما أن فلسطين في ذلك الوقت، كانت عضواً في منظمة اليونيسكو، وهي إحدى الهيئات التابعة للأمم المتحدة.
وأوضحت أنه في العام 2012، حصلت فلسطين على قرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة بترقية وضع فلسطين في الأمم المتحدة، والاعتراف بها كدولة غير عضو مراقب، وهذا يعني من منظور المؤسسات الدولية، خاصة المحكمة الجنائية الدولية، أن اعتماد فلسطين كدولة غير عضو مراقب في الأمم المتحدة سيعطيها الصلاحية للانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، ومحاكمة قادة إسرائيل على جرائمها.
وقالت: نتيجةً لذلك، قام الرئيس محمود عباس في 2015 بالمصادقة على نظام روما، على أن يبدأ نفاذ هذا النظام بالأول من نيسان المقبل، واستكمالاً لذلك، قررت الحكومة ممثلةً بالرئيس عباس تقديم اعلان جديد للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بالإستناد إلى المادة (12/3) من نظام المحكمة، حيث تضمن هذا الإعلان الطلب من المدعي العام، قبول ولاية المحكمة بأثر رجعي، وذلك من 13/6/2014، بحيث تشمل ولاية المحكمة عملية الجرف الصامد في قطاع غزة.
وقالت: بالفعل تم تقديم الإعلان، وعلى أثر ذلك، قرر المدعي العام فتح تحقيق أولي، وفي هذا الشأن، مشيرة إلى أن هذا التحقيق ليس تحقيقاً بالمعنى الحرفي، وإنما هو نوع من التحليل يقوم به المدعي العام من خلال قسم مختص بالتحليل الأولي، ويتناول دراسة مدى كفاية الإدعاءات حول الانتهاكات الإسرائيلية، وأسس انطباق ولاية المحكمة.
وأكدت أن نظام المحكمة الجنائية الدولية يقوم على مبدأ التكاملية، ما يعني أن ولاية المحكمة ليست بديلاً عن المحاكم الوطنية، وبالتالي، فهي لن تبدأ بالتحقيق أو المحاكمة ما دام بالإمكان محاكمة المتهمين لدى محاكمهم الوطنية، وذلك يتطلب تعديل التشريعات الوطنية بما ينسجم مع نظام روما الأساسي.
ولفتت إلى أن محاكمة اسرائيل عن جرائمها، يجب ألا يقتصر على جرائم الحرب التي ارتكبتها في غزة، بل بجب أن يشتمل أيضاً مساءلتها عن جرائم ضد الانسانية، كإغلاق قطاع غزة وفرض حصار عليها، وجدار الفصل العنصري، والمستوطنات، والتمييز العنصري، وغيرها، والسبب في ذلك يرجع إلى أن محاسبة اسرائيل عن جرائم الحرب قد يواجه ببعض الصعوبات، لا سيما أن اسرائيل تدعي في نهاية كل حرب، أنها تقوم بتشكيل لجان تحقيق داخلية، للتحقيق في الانتهاكات التي ارتكبت أثناء الحرب، وبالتالي سيكون من السهل افلات قادة اسرائيل من المساءلة عن هذه الجرائم. 
وشددت على أهمية ربط الجرائم بالأفراد، «فالمحكمة الجنائية لا يمكن لها فرض عقوبات على دول أو مؤسسات، وإنما يمكن لها محاسبة الأفراد، لذلك، لا بد من ربط الجرائم بالقادة، وفي هذا الشأن، لا بد من الرجوع إلى بندين هامين في نظام روما، وهما البند (25/3/أ) والذي يتناول مسؤولية القادة عن الأوامر التي يصدرونها، والبند (28)، ويتناول هذا البند مسؤولية القادة عن فشلهم في القيام بأمر ما كان عليهم القيام به لمنع الجرائم، فالقائد سواء كان عسكرياً أو مدنياً، يكون مسؤولاً في حال علم أو كان بمقدوره العلم أن من هم تحت مسؤوليته قد ارتكبوا جرائم، كذلك يسأل في حال أهمل أو قصر في اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع وقوع الجرائم أو فرض العقوبات على مرتكبيها».
واختتم اللقاء بمداخلات من الحضور، حول مدى إمكانية ملاحقة المحكمة الجنائية لمرتكبي الجرائم من تلقاء نفسها، والقدرة الفلسطينية على إجراء محاكمات داخلية حول الأفعال المرتكبة من فلسطينيين في ظل الانقسام، والفائدة المرجوة من اعتماد ولاية المحكمة بأثر رجعي.