ندوة حول "العمل الوطني كحاضنة إدماجية للأسرى الفلسطينيين المحررين"

استضافت دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية في جامعة بيرزيت مؤخرًا، عائلتين من الأسرى المحررين، وهما: المحاضرة في جامعة بيرزيت رلى أبو دحّو وزوجها المحاضر في جامعة بيت لحم (بيرزيت سابقًا) وسام رفيدي، وعطاف عليان وزوجها وليد الهودلي، في ندوة ضمن سلسلة ندوات الحرية العامّة التي ينظمها مساق دفاتر السجن في الجامعة "دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة"، بعنوان "العمل الوطني كحاضنة إدماجية للأسرى الفلسطينيين المحررين".

في بداية الندوة، أوضح د. عبد الرحيم الشيخ؛ أستاذ المساق والمشرف على إقراره ضمن مساقات الجامعة الخاصّة كمساق مشترك بين طلاب درجتي البكالوريوس والماجستير من مختلف التخصصات، أن المحاضرة تهدف إلى نقد مفهوم إعادة إدماج الأسرى المنتشر في المجتمع وفي المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، ذلك أن الأسرى لا يحتاجون الى إصلاحية وإعادة تأهيل، بل هم مناضلون وعاملون في السياق الوطني بمعناه الفلسطيني من أجل القضية التحررية.

وأضاف الشيخ أن ضيوف الندوة استطاعوا عبر العمل الوطني أن يعيدوا إثبات حضورهم ووجودهم  الغني بعد تجربة السجن في الزمن الذي يكاد يوصف بأنه زمن ميت. وأكدّ أنّ ما يقود عملية الإدماج في المجتمع هو العمل الوطني أولًا والانخراط في السياق الاجتماعي ثانيًا. وقد اتفق مع ذلك كل المتحدثين في الندوة.

من جهتها، تحدثت رلى أبو دحو عن تجربتها في السجن وما بعد السجن، وعن الكيفية التي أعادت فيها الالتحاق بالمجتمع عن طريق التعليم والعمل الوطني بعد تسع سنوات من السجن، الذي لم يكن نتيجة نزوة عابرة، وإنما نتيجة قناعات جذرية أيديولوجية حول تحرير فلسطين، والهدف الواجب على الجميع الذي لا يتحقق إلا بالنضال وعبر أرقى أشكال الكفاح المسلح، كما أن السجن هو انتقال لساحة المعركة وليس نهاية لها، وهذا تترتب عليه المواجهة اليومية مع السجان التي تعمل على زيادة تجذر القناعات الوطنية وتعميقها بشكل كبير. وتضيف أن فترة ما قبل أوسلو وما بعدها فيها انهيار لطموحات وأحلام ثورتنا المعاصرة التي لم تنته بالتحرير وأنه لا يوجد شيء خارج السياق والإطار، فنحن في سياق الاحتلال والمقاومة، ولكننا في الوقت نفسه في سياق أوسلو الانهزامي. وأكدت أن الأسرى نموذج على مشروع المقاومة ونموذج على المقاومة المستمرة داخل السجن وخارجه.

ونوّه وسام رفيدي، زوج أبو دحو وصاحب الستة عشر عامًا في الاختفاء والسجن، إلى أن هناك مصطلحين سيئين مستخدمين على نطاق واسع في الرسمية الفلسطينية والمجتمع بشكل عام بحقّ الأسرى الفلسطينيين، هما: التأهيل والاعتقال الأمني، مشيرًا إلى أنّ هذين مصطلحان صهيونيان، يفيد الأول بأنّ الأسرى مرضى يحتاجون إلى العلاج، والآخر يشير الى أمن العدو الذي يشكل الأسير حالة اختراق له.

وأضاف رفيدي أنّ هذه المصطلحين لهما دلالة محبطة على المدى الطويل، حيث يتراكم تكوين نفسي مجتمعي جديد يتطبع بهذه الدلالات المؤثرة سلبا على العمل الوطني، ويقترح مصطلحًا آخر هو "إسناد الأسرى" بدلا من تأهيل الأسرى، مؤكدًا أنّ دور العائلة في الحالة الفلسطينية يشكل حافظة مهمة للهوية الوطنية الفلسطينية بعد عام 1948 بغياب أي كيان سياسي، كما أنها تشكل دورًا تقدميًا ورياديًا جماعيًا في إسناد الأسرى المحررين لتسهيل إعادة انخراطهم في المجتمع بعد سنيّ السجن الطويلة. وأوضح أن الخروج من السجن لا يعني انتهاء مرحلة النضال، بل هو استكمال لها، كما أنّ الانخراط بالعمل الوطني مع الجماعة هو وسيلة أخرى لتسهيل انخراط الأسير المحرر في المجتمع.

أما عطاف عليان، صاحبة الأربعة عشر عامًا في السجن، إثر محاولة القيام بعملية استشهادية، لم تنجح، استهدفت مبنى رئاسة الحكومة الصهيونية في القدس عام 1987 حينما  كان إسحاق شامير رئيسًا للحكومة؛ فقالت إن قضية الأسرى ليست قضية مالية ولا قضية نفسية، وإن  المؤسسات الأهلية الممولة تأخذ المال على حساب قضية الأسرى، خاصة أن الدول المانحة  كامتداد للمشروع الاستعماري تسعى لتمويل أي شيء بإمكانه أن يضرب النفسية والتركيبة المجتمعية في فلسطين.

وأكدت أهمية التحدي والحفاظ على الذات متماسكة وقوية في الأسر لئلا تُهزم روح الأسير ونفسه، لأنّه رسول لشعبه وللوطن الذي سجن من أجله ولأجله يقاوم. وقالت إنها بعد خروجها من الأسر عملت على الانخراط المباشر في المجتمع من خلال زيارة أهالي الأسرى والناس وافتتحت جمعية، ولم تنتظر مبادرة المؤسسات الأهلية ولا الرسمية، ولم تطرق بابها؛ لاعتقادها الراسخ بأنّ المقاومة والانتماء للوطن قناعة داخلية نقيّة وليست عملًا مأجورًا.

من جانبه، تساءل زوجها وليد الهودلي  صاحب الاثني عشر عامًا في الأسر والعشرين شهرًا في الاعتقال الإداري، حول قضية دمج الأسرى المحررين في المجتمع، وقال: من الذي يتوجب عليه الاندماج بالآخر، الأسرى بالمجتمع أم المجتمع بالاسرى؟، فحسب رأيه، "الأسير له دور لا ينتهي بدخوله السجن ولا ينتهي أيضا بخروجه منه، حيث إن الروح النضالية لا تنتهي، وصراع الإرادات في السجون هي استمرار للمقاومة".

وحثّ الهودلي الأسرى المحررين على المشاركة الإيجابية في المجتمع، على الرغم من تحفظه على كلمة محررين، وذلك من خلال مشاركة تجربتهم مع المجتمع كله للوقوف على الثقافة الأمنية في السجن والاستفادة منها. وهو بدوره فعل ذلك في روايته "ستائر العتمة" وفي مؤلفاته الأخرى، التي وقف فيها على تجربة أمنية مهمة وحساسة داخل السجون الصهيونية، فالأسير ثقف نفسه بالتجربة.

يذكر أن المتحدثين في الندوة أثبتوا حضورهم على الساحة الوطنية والثقافية قبل السجن وخلاله وبعده. وتعزز تجربة الزواج بين أسيرة محررة وأسير محرر إعادة قهر للظرف الاستعماري واستمرار المقاومة والنضال، إذ إن هذا هو ما يقود عملية إعادة الانخراط في المجتمع والالتحاق فيه، خاصة إذا كان السجن فاصلا بين زمنين وبين جيلين، زمن المدّ الثوري ما قبل أوسلو وزمن انحساره بعد أوسلو.