ندوة في الجامعة حول "أسرى القدس"

ضمن فعاليات مساق "دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة"، عقدت دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية، بالتعاون مع حملة الحق في التعليم، في جامعة بيرزيت الندوة الخامسة من سلسلة ندوات الحرية بعنوان " أسرى القدس،" وذلك يوم الثلاثاء الموافق 31 أيار 2022. وقد استضافت الندوة الأسرى المقدسيين المحررين: مجد بربر وضرغام الأعرج وشادي الشرفا، وقامت بإدارة الندوة وتأطيرها الإعلامية المقدسية والباحثة في شؤون الأسرى لمى غوشة. 

افتتحت الإعلامية غوشة الندوة بالحديث عن الواقع الراهن لمدينة القدس، وما تشهده من آلام ومعاناة مستمرة بسبب السياسات الصهيونية الممنهجة في استهداف الوجود الفلسطيني فيها، وأشارت إلى ما يقابل ذلك من رغبة في التحدي والمقاومة من قبل المقدسيين في مختلف تفاصيل حياتهم اليومية. ومن ضمن هذه السياسات، قالت غوشة، تجري عمليات الاعتقال المستمرة لأبناء المدينة لغرض السيطرة عليهم، وضبطهم، وكسر إرادتهم، وتحويلهم إلى ذوات منفعلة لا فاعلة في حياتهم قبل الأسر وخلاله وبعده، إلا أن الأسير المقدسي، استطاع مواجهة منظومة القمع الصهيونية، والبقاء في دوره الفاعل في الصمود والمواجهة والتحدي، ولم يسمح بأن يتحول الأسر إلى حيز لتحطيم الإرادة، بل حوَّله إلى فضاء لاستئناف التعليم وتطوير الذات من أجل استكمال مسيرة الحياة بعد التحرر. وقد أشارت غوشة إلى أن المتحدثين في الندوة من أسرى مدينة القدس، يصل مجموع سنوات أسرهم إلى قرابة الستين عاماً، ولكنهم الآن خارج الأسر في رحاب جامعة بيرزيت من أجل نقل تجربتهم ضمن سياق إنتاج معرفة تحررية عن الواقع الفلسطيني في ظل الشرط الاستعماري الصهيوني. 

تحدث مجد بربر، الأسير المحرر الذي أمضى 20 عاماً في السجون الصهيونية، عن محاولات الاحتلال عزل أسرى مدينة القدس منذ لحظة اعتقالهم، وذلك ابتداءً من العام 1967، حيث تم عزلهم في سجن الرملة. وعليه، فالسياسية الصهيونية تجاه أسرى القدس ليست جديدة، وإنما هي سياسية ممنهجة ومتواصلة بهدف عزل المقدسيين، حتى في الأسر، عن واقعهم الفلسطيني في محاولة لإخراجهم من هويتهم الوطنية الفلسطينية الجامعة عبر سلبهم فرصة المشاركة في حمل هموم شعبهم والدفاع عنه. إلا أن الأسرى المقدسيين، كما أكد بربر، رفضوا هذه السياسة، وتصدوا لها، وكانوا على ارتباط عضوي دائم مع باقي أبناء شعبهم سواء في الأسر أو في الحرية. وخلال تجربة حريته التي مضى عليها 15 شهراً، أشار بربر أنه رأى في شباب مدينة القدس عنواناً للصمود ورأس حربة في المواجهة رغم كل عمليات الاعتقال المستمرة وسياسات الإبعاد ومحاولات تحييدهم عن الأحداث في مدينة القدس. وقد جاءت ملاحظة بربر هذه في إطار سرده لمحاولات التثبيط التي يمارسها سجانو ومحققو سلطة السجون الصهيونية منذ أول لحظة اعتقال وحتى أول لحظة تحرر على الأسير الفلسطيني، إذ يحالون تحييده وتحويله إلى جسد بلا روح، ويحاولون كسر ثقته بأبناء شعبه خارج السجن. إلا أن الأسرى، كما أكد بربر، كونهم مناضلين يلتزمون بمبادئهم في الدفاع عن قضية شعبهم العادلة، وليسوا أسرى جنائيين، استطاعوا تحويل السجن من مكان يسعى لكسر الإرادة وتهشيم الأرواح وصهر الوعي إلى ساحة مواجهة مع العدو يتم فيها تطوير الذات من خلال الاهتمام بـ"مثلث الحياة" المتمثل باهتمام الأسير بصحته النفسية، وعلاقاته الاجتماعية، وصحته الجسدية... إذ يعمل هذا الثالوث على الحفاظ على الأسير كفرد فاعل في صفوف الحركة الفلسطينية الأسيرة. 

وقد استكمل الحديث ضرغام الأعرج، الأسير المحرر الذي أمضى 19 عاماً في السجون الصهيونية والذي كان مشرفاً على قسم الأشبال المقدسيين في السجون التي قضى محكوميته فيها، حول سياسة الاحتلال الصهيوني في تفريق الأسرى داخل السجون وتقسيمهم على أساس مناطقي من أجل عزل أسرى مدينة القدس والداخل المحتل. ومن أمثلة ذلك أن أسرى القدس كانوا موجودين في سجن شطة (أي أنهم كانوا معزولين عن بقية أبناء شعبهم في الحركة الفلسطينية الأسيرة)، وبعد نضال فعَّال ضد إدارة السجون الصهيونية، اضطروا إلى توزيع الأسرى بعد قرابة3-4  سنوات، حيث أودعوا في سجني "نيتسان" و"جلبوع" من أجل الضغط عليهم وإبعادهم عن نضال الجماعي للأسرى، وذلك في محاولة للضغط عليهم واعتبارهم جزء من الشأن الداخلي كونهم يحملون "بطاقة الهوية الإسرائيلية"، ما أدى إلى حرمانهم من التحرر في صفقات تبادل الأسرى. وقد أشار الأعرج أن ذلك دفع الأسرى إلى خوض المواجهة الجماعية والفردية لمواجهة هذه السياسات، إذ قاموا بالعديد من الخطوات، ومنها: الإضرابات والتمرد على السجان، والصراع مع المحاكم الإسرائيلية من أجل انتزاع بعض الحقوق، وقد ساعد في ذلك معرفة أسرى القدس وأسرى فلسطين المحتلة في العام 1948 باللغة العبرية، وهي المعرفة التي أفادت منها الحركة الفلسطينية الأسيرة بعد اندماج الأسرى الفلسطينيين مع رفاقهم وإخوتهم في السجون بعد صراع طويل مع إدارة السجون الصهيونية. وفي ذات السياق، أشار الأعرج إلى أن معاناة الأسرى المقدسيين لا تتوقف عند الأسرى البالغين فقط، بل تمتد أيضاً لتشمل الأشبال المقدسيين الذين يعانون من سياسات الاحتلال التي تتضمن الضغط عليهم لحرفهم عن مسارهم الوطني، وتحويلهم إلى مدمنين على الأدوية في مراكز الايواء التي يوضع فيها الشبل قبل قدومه إلى أقسام الأشبال في السجون، وتعرضهم للعقوبة مرتين: الحكم بالحبس المنزلي، وبعد انتهاء الحكم يعاد اعتقال الشبل وإرساله إلى السجن الفعلي. وفي إطار مواجهة هذه السياسية، قال الأعرج إن الأسرى عملوا على فرز مشرفين على أقسام الأشبال من أجل حمايتهم وتنظيم شؤون حياتهم داخل السجن لئلا ينقطعوا عن العملية التعليمية داخل الأسر، وتهيئتهم ليكونوا أفراداً فاعلين في مجتمعهم بعد التحرر، على عكس ما يرغب به الاحتلال. 

وفي الجانب القانوني حول اعتقال الأسرى المقدسيين، تحدث شادي الشرفا، الأسير المحرر الذي أمضى 20 عاماً في السجون الصهيونية، عن البنية الاستعمارية القانونية التي تستهدف المقدسيين بدءاً من العام 1967. فبعد احتلال باقي الأراضي الفلسطينية (والعربية) في حرب النكسة، تبنت المنظومة الاستعمارية الصهيونية مجموعة من القوانين للسيطرة على الأراضي المحتلة، وفي سنوات السبعينات من القرن العشرين تم إصدار مجموعة قوانين معظمها كانت مرتبطة بالاعتقالات للفلسطينيين بشكل عام، وصولاً إلى اتفاق أوسلو الذي لم يهتم بملف الأسرى المقدسيين وأسرى الداخل وقام باستثنائهم جرَّاء الاتفاق السياسي،  فأصبح الأسرى المقدسيون في قيد النسيان من القيادة الفلسطينية الرسمية من جهة، ومن المنظومة الاستعمارية من جهة أخرى التي تحاكم الفلسطيني في المحاكم العسكرية بينما يُحاكَم الإسرائيلي (اليهودي) في المحاكم المدنية... وقد شكَّل ذلك ما أطلق عليه الشرفا "أبارتهايد غير مرئي" على الصعيد القانوني. وقد أضاف الشرفا، أن ارتفاع نسبة الاعتقالات في مدينة القدس، وتحديداً عند الفئة العمرية 14-21 عاماً، إنما تستهدف خلق فلسطيني غير متعلم يلجأ إلى سوق العمل وتصبح حياته مثل حياة العبودية، أي حياة العبد التابع لسيده في العمل، وذلك من أجل استهداف الهوية الفلسطينية الوطنية في مركز الصراع وهو مدينة القدس. 

وقد اختتم الأسرى المحررون الندوة بخلاصات عامة مفادها، من ناحية، أن الاستمرار في الحياة بعد الأسر هو شكل من أشكال المقاومة المستمرة للأسير أثناء الأسر وبعد التحرر، أي أن الاستمرار في الحياة هو مواجهة مباشرة للهدف الأساسي الذي يسعى له الاحتلال وهو تحطيم الأسير جسدياً ومعنوياً، ومن خلفه عائلته ومجتمعه المحلي وشعبه. ومن ناحية أخرى، فإن عملية التحرير هي مهمة الجماهير، وليس فقط التنظيمات السياسية، إذ إن الأحزاب يتمثل دورها في عملية التعبئة والتحريض من أجل التحرير، لذلك يجب إعادة تقييم دور ووظيفة الأحزاب السياسية اليوم، وتعميم المسؤولية على جماهير الشعب الفلسطيني التي لا تزال تعاني تحت الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من 74 عاماً. 

للاطلاع على تسجيل الندوة- تصوير الإعلاميتين تسنيم القاضي ولمى غوشة

https://www.facebook.com/1834964429/videos/1902740576588239/