معهد الحقوق يعقد مؤتمرًا حول الإنقسام

عقد معهد الحقوق في جامعة بيرزيت يوم الأربعاء 28 أيار 2014 مؤتمرًا بعنوان "أثر الانقسام السياسي الفلسطيني على مبدأ سيادة القانون: معالجات من منظور القانون، والسياسة والاقتصاد"، بالتزامن بين الضفة الغربية وقطاع غزة عبر نظام الفيديو كونفرنس، بحضور عدد من القانونيين المختصين والخبراء وممثلي مختلف المؤسسات الرسمية والأهلية.

ورحبت الدكتورة سامية حليلة، نائب الرئيس للشؤون المجتمعية في كلمتها بالحضور في الضفة الغربية وقطاع غزة، موجهة شكرها إلى السيد هانز ماريا هين ممثل مؤسسة كونراد أديناور، والسيد جميل سالم مدير معهد الحقوق، مؤكدة أن هذا المؤتمر جاء ليلقي الضوء على ما أفرزته حالة الفرقة السياسية على المنظومة الفلسطينية، وتحديدا على مبدأ سيادة القانون، في إطار دراسة أعدها معهد الحقوق هدفت بشكل أساس لتفحص أثر الانقسام على مبدأ سيادة القانون في قطاع غزة، في ظل ندرة الدراسات التي غطت هذا الموضوع من جوانبه المختلفة، في إطار موضوعات متخصصة تشمل القانون، والسياسة، والاقتصاد، وتداعيات هذا الانقسام عليها.

من جانبه، أشار السيد هانز ماريا هين في كلمته إلى دور مؤسسة كونراد أديناور الألمانية وتاريخ إنشائها ومجال اهتماماتها، والأنشطة التي تنفذها على مستوى العالم وفي فلسطين، مشيرًا إلى اهتماماتها في مجال تعزيز سيادة القانون والديمقراطية وتعزيز الحقوق والحريات العامة، مشيدًا في ذات الوقت بالشراكة المهمة بين مؤسسة كونراد أديناور ومعهد الحقوق في جامعة بيرزيت.

وفي كلمته، شكر الأستاذ جميل سالم مدير معهد الحقوق الحضور، ومؤسسة كونراد أديناور على دعمها المتواصل لأنشطة معهد الحقوق، مستهلاًّ مداخلته بتأصيل مفهوم مبدأ سيادة القانون ودوره في تعزيز المساءلة، منوهًا إلى حالة الانقسام السياسي وما أفرزته من وجود حكومتين تعملان في ذات الوقت، وأثر ذلك على النظام القانوني الفلسطيني، مشيراً في ذات الوقت لأهداف المؤتمر، المتمثلة في فحص واقع مبدأ سيادة القانون في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإلقاء الضوء على واقع الحقوق والحريات العامة وعلاقتها بمبدأ سيادة القانون، وأثر الانقسام السياسي عليها، ودوره في التركيز على الدور المؤسسي لسلطات إنفاذ القانون وممارسته بما يتماشى ومبدأ سيادة القانون.

من جانبه، أشار الأستاذ محمود علاونة مدير وحدة المساندة التشريعية إلى أهداف المؤتمر والفعاليات التي يتضمنها، معرفًا بالموضوعات التي تضمنتها جلسات المؤتمر ومحاوره الرئيسة، مؤكدًا أهمية تعزيز مبدأ سيادة القانون في النظام القانوني الفلسطيني، ومنوهًا إلى أثر الانقسام السياسي عى هذا المبدأ وتداعياته على عمل السلطات في الدولة.

وقد خصصت الجلسة الأولى للحديث حول الحقوق والحريات العامة: بين حياكة السياسة وترزية القوانين، تحدث خلالها الأستاذ هاني المصري عن المنظومة السياسية وسيادة القانون في ظل فترة الانقسام السياسي، موضحًا أن السيادة في فلسطين منقوصة، وأنها ضحية من ضحايا الانقسام السياسي، مشيرًا في ذات الوقت إلى الاشكاليات والآثار المترتبة على الانقسام، سواء على النظام السياسي أو مؤسسات الدولة أو المجتمع ككل.

وتحدث الدكتور محمد أبو مطر حول تداعيات الانقسام على ممارسة الحقوق والحريات وسيادة القوانين المنظمة لها في قطاع غزة، متطرقًا إلى التنظيم القانوني للحقوق والحريات العامة في قطاع غزة، وأثر الانقسام على عمل المنظومة القانونية للسلطة الوطنية، وانعكاساته على سيادة القوانين المتعلقة بالحقوق والحريات العامة.

وتناول الدكتور أنور الطويل سيادة القانون وحرية الإعلام في قطاع غزة، ودور الإعلام في تعزيز ونشر ثقافة سيادة القانون، والتحديات التي تواجه الإعلام في ممارسة دوره، وعلى وجه الخصوص حالة الانقسام السياسي الفلسطيني وأثره على تقييد والحد من حرية الإعلام وعمل الإعلاميين.

من جهته، تطرق المستشار ناصر الريس إلى سيادة القانون وحرية الإعلام في الضفة الغربية، مبينًا الآثار التي رتبها الانقسام السياسي الفلسطيني على حرية الإعلام، منها عدم المساواة بين المواطنين في الضفة والقطاع، وضرب مفهوم الوحدة القضائية، واتباع سياسة ممنهجة في انتهاك الحريات، ووحدانية السلطة التنفيذية، فضلاً عن تكريسها لحكم الفرد في الضفة، وفي المقابل، حكم الحزب في القطاع. كما تطرق إلى المبادئ والمعايير الدولية المتعلقة بحرية الإعلام، التي يجب على المشرع الفلسطيني الأخذ بها وتطبيقها في ظل انضمام فلسطين لها.

فيما أشار الدكتور وليد المدلل إلى سيادة القانون وأدوات الرقابة والمساءلة في قطاع غزة، من خلال عرض المقصود بمبدأ سيادة القانون، وبيان ضماناته، المتمثلة في الرقابة السياسية، والإدارية والقضائية، التي لم تكن موجودة بشكل فعال أثناء فترة الانقسام السياسي.

أدار هذه الجلسة الدكتور فراس ملحم، الخبير في مجال سيادة القانون وتطوير الأنظمة القضائية والدستورية، مؤكدًا أهمية تسليط الضوء على واقع الحقوق والحريات في الضفة الغربية وقطاع غزة أثناء فترة الانقسام السياسي، لكونه السبب الرئيسي في تراجعها، منوهًا إلى أن واقع الحقوق والحريات في فلسطين قبل الانقسام كان أفضل بكثير من حال بعض الدول العربية، إلا أن الانقسام أدى إلى تراجعها بشكل كبير، وعلى وجه التحديد تراجع حرية الرأي والتعبير، وحرية الإعلام.

أما الجلسة الثانية، فكانت بعنوان السلطات العامة: بين نهج الانقسام السياسي وانقسام السيادة تحدث فيها الأستاذ محمود علاونة حول سيادة القانون والعملية التشريعية: قراءة في الأدوات والحلول الممكنة، وتناول أثر الانقسام السياسي الفلسطيني على العملية التشريعية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، موضحًا السيناريوهات والحلول التشريعية والمؤسساتية الممكنة لحالة الانقسام السياسي الفلسطيني، والمعالجات الممكنة لهذه التشريعات بعد المصالحة الفلسطينية داخل المجلس التشريعي الفلسطيني، مستعرضًا عددًا من السيناريوهات في هذا المجال.

من جانبه تناول الدكتور عدنان الحجار واقع القضاء في قطاع غزة بعد الانقسام السياسي، وأشار إلى تنظيم القضاء في فلسطين قبل الانقسام، كما استعرض تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، والسلطة القضائية في قطاع غزة بعد الانقسام السياسي، مبينًا أثر الانقسام عليها، من حيث تراكم القضايا وبطء إجراءات التقاضي، وقلة عدد القضاة وقلة خبرتهم، وسن تشريعات تمس بعمل وتنظيم القضاء.

 في حين تناول الأستاذ رائد عبد الحميد واقع القضاء في الضفة الغربية، مبينًا أثر الانقسام على السياسي على القضاء، مركزًا على ضرورة إجراء مراجعة شاملة لكافة التشريعات ذات العلاقة بعمل القضاء، مؤكدًا ضرورة وأهمية تكريس استقلالية السلطة القضائية واستقلال القاضي، مشيرًا إلى الواقع العملي الذي اعترى عمل السلطة القضائية خلال فترة الانقسام، مشيرًا إلى أهم الإشكاليات التي اعترضت عملها.

وفي مداخلتها، أشارت الأستاذة زينب الغنيمي إلى فرص وتحديات وصول النساء للعدالة أمام القضاء، موضحة أن هنالك تحديات كبيرة تواجه النساء، ليكون هناك تعامل في تحصيل حقوقهن، تتمثل في مرجعية القضاء للفصل في الدعاوى المرفوعة سواء أمام القضاء الشرعي أو النظامي، وفي قوانين تهضم حقوق المرأة وتتضمن التمييز ضدها من جهة، ومن جهة أخرى الانقسام السياسي الذي طال المؤسسة القضائية، إذ لا يتم الاعتراف بالأحكام القضائية الصادرة في القطاع من قبل القضاء في الضفة الغربية وبالعكس، وغيرها من التحديات.

وأشار الأستاذ محمد خضر في مداخلته بعنوان السلطة التنفيذية وسيادة القانون، إلى مبدأ سيادة القانون، موضحًا أثر غياب هذا المبدأ قبل وأثناء الانقسام، وأثره على مبدأ الفصل بين السلطات، مؤكدًا أن عدم تفعيل هذا المبدأ قبل الانقسام السياسي، هو أحد العوامل في دخول الشعب الفلسطيني في حالة الانقسام، وذلك لعدم وجود رقابة على مخالفة القوانين، وعدم وجود أداة تراقب أداء السلطات العامة، منوهًا إلى أهم الآليات التي يمكن من خلالها تفعيل وتعزيز هذا المبدأ في إطار المنظومة الفلسطينية.

وتناول الاستاذ محمد عوض التلباني مثول الأفراد أمام الجهات الأمنية بناء على أمر استدعاء، منوهًا إلى السند القانوني لأوامر الاستدعاء والقواعد المنظمة لها، وضماناتها، كما بين مدى انطباق جريمة القبض أو الحجز غير المشروع على أمر الاستدعاء المخالف للقانون الذي يمس بشكل خطير بالحرية الشخصية المكفولة دستوريًّا، واختتم حديثه ببيان واقع أمر الاستدعاء في قطاع غزة، مشيرًا إلى قيام الأجهزة الأمنية في القطاع بإصدار أوامر استدعاء بحق الأفراد دون ارتباطها بوقائع تشكل جريمة، وإنما سببها النشاط السياسي أو ممارسة حقوق وحريات دستورية كحرية التعبير عن الرأي.

أدار هذه الجلسة الدكتور ياسر عموري أستاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت، منوهًا لأهمية الموضوعات التي تناولتها، ومعرجًا على أهم التحديات التي تواجه المنظومة الفلسطينية في هذا المجال، وما قد يعتري مبدأ سيادة القانون من تحديات في ظل حالة الانقسام السياسي.

أما الجلسة الثالثة، فكانت بعنوان "التشريعات الاقتصادية وسيادة القانون: مقاربات بين النص والواقع"، وتحدث خلالها الدكتور نافذ المدهون حول التشريعات الضريبية والجمركية وواقع سيادة القانون في قطاع غزة، منوهًا بدايةً إلى إطار نظري حول مفهوم مبدأ سيادة القانون والتشريعات الضريبية والجمركية، وعرض تاريخي لتطور التشريعات الضريبية في قطاع غزة، وتناول المعيقات أمام تطبيق التشريعات الضريبية في ضوء حالة الانقسام السياسي وحصار قطاع غزة، موضحًا سبل تطبيق الأصول القانونية للرقابة على تطبيق التشريعات الضريبية وسيادة القانون، مؤكدًا ضرورة توحيد التشريعات الضريبية الجمركية في المنظومة التشريعية الفلسطينية.

بدوره، تطرق الخبير الاقتصادي الدكتور نصر عبد الكريم في مداخلته إلى أثر الانقسام السياسي على التشريعات الاقتصادية، موضحاً أن نموذج السوق الحرة هو المعتمد بعد الانقسام في ظل استمرار تطبيق القانون الأساسي. وفيما يتعلق بمنظومة التشريعات الاقتصادية، فقد جرى عليها عدد من التغييرات والتعديلات في الضفة وغزة في إطار المراجعات الروتينية التي عادة ما تقوم بها السلطات الحاكمة لاستيعاب أية مستجدات عملية من واقع التجربة. مبينًا أن القرارات بقوانين الصادرة في الضفة والقوانين في قطاع غزة لم تخالف مبادئ اقتصاد السوق الحرة، وإنما جاءت منسجمة معها وبعضها منسجم مع متطلبات العولمة الاقتصادية. في حين أنه لم يتم إصدار إلا عدد قليل من القوانين المتعلقة بالاقتصاد في القطاع.

وتناول الأستاذ إبراهيم أبو شمالة آليات التمكين القانوني كمدخل لتعزيز المساءلة الاقتصادية والاجتماعية، مشيرًا إلى مفهوم التمكين القانوني، ومضامينه، وموضحًا واقع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة بعد الانقسام السياسي. كما تطرق إلى تجربة المجتمع المدني في قطاع غزة في مجال التمكين القانوني. واختتم حديثه مركزًا على معيقات إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في السياق الفلسسطيني، ودور التقاضي في تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

أدار هذه الجلسة الدكتور عمر رحال، مدير مركز إعلام شمس لحقوق الانسان، مشيرًا إلى الخلفية التاريخية للتشريعات الاقتصادية، ومنوهًا في الوقت ذاته إلى وجود تسابق في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة على سن التشريعات، موضحًا أن هناك تشريعات فُصلت بمقاسات معينة وعلى أشخاص معينين، مشيرًا إلى ضرورة وجود ثورة تشريعية في المنظومة الفلسطينية بهدف تحديث البنى القانونية.

وخرجت عن المؤتمر توصيات تمحورت حول مصير التشريعات بعد انتهاء حالة الانقسام الفلسطيني والمراكز القانونية التي ترتبت عليه، إلى جانب دعوات إلى توحيد التشريعات بين كل من الضفة والقطاع، والدعوة إلى سن بعض التشريعات كحق الحصول على المعلومات، وغيرها من التشريعات الناظمة لحرية الإعلام. إلى جانب ضرورة إعادة قراءة التشريعات الصادرة خلال فترة الانقسام السياسي، وعلى وجه الخصوص التشريعات الناظمة للقضاء، وضرورة مراجعة بعض التشريعات التي قد تشكل تمييزًا أو عائقًا لوصول المرأة للعدالة. وضرورة إشراك كافة مكونات قطاع العدالة لدى مراجعة الوضع المؤسسي والتشريعي للسلطة القضائية بعد المصالحة، وضرورة مراجعة الأطر المؤسساتية بعد الانقسام في محاولة لحل إشكالية الازدواجية.

يذكر أن فعاليات هذا المؤتمر عقدت في إطار مشروع بحثي أعده معهد الحقوق في جامعة بيرزيت، تمخض عن كتاب بعنوان "أثر الانقسام السياسي الفلسطيني على مبدأ سيادة القانون في قطاع غزة: معالجات قانونية مختارة، بدعم من مؤسسة كونراد أديناور الألمانية– مشروع سيادة القانون- بيروت.