كلمة رئيس الجامعة في حفل تخريج الدورة الصيفية

كلمة رئيس الجامعة في

حفل تخريج الدورة الصيفية

2011/2012

15 أيلول2012

 

السيد ممثل مجلس الأمناء المحترم،

السيدات والسادة أهالي الخريجين،

الزميلات والزملاء أعضاء المجالس في
الجامعة وهيئتها الأكاديمية،

الخريجات العزيزات، الخريجون الأعزاء،

أيها الحفل الكريم،

يسعدني أن أرحب بكم في رحاب جامعة
بيرزيت في هذا اليوم السعيد الجميل، الذي ازداد جمالا وازدان بوجودكم.

لا أسعد من الخريجات والخريجين اليوم
غير أمهاتهم وآبائهم وذويهم. فقد بذل هؤلاء الغالي والنفيس والجهد والوقت في
التربية والدعم، يحدو كل منهم الأمل في أن يأتي اليوم الذي يرى فيه الشابة أو
الشاب ترتدي أو يرتدي ذلك الثوب العجيب الطويل ويعتمر تلك القبعة المربعة ذات
الشرشوبة. وها قد أتى ذاك اليوم ونحن فيه. فدعونا نعبر عن امتناننا العميق
وتقديرنا للأمهات والآباء والأهل لكل ما بذلوه، وأيضا لوفائهم لقيمة يحق لشعبنا الفلسطيني
أن يفخر بأنه يعليها فوق كل القيم الاجتماعية الأخرى، قيمة التعليم والتعلم. دعونا
نعبر عن ذلك كله بجولة تصفيق طويلة.

أيها الحفل الكريم،

أستميحكم عذرا إن أنا وجهت باقي خطابي
إلى الخريجات والخريجين.

عزيزاتي الخريجات، أعزاءي الخريجين،

بدءاً، أهنئكم وأهنأ أهلكم وأحباءكم
وأصدقاءكم بكم. ها أنتم تقطفون اليوم ثمار سنوات من العمل الجاد على مقاعد
الدراسة، فهنيئا لكم ما صنعت أيديكم وطوبى لكم.

يتوقع من خطيب حفل التخرج أن يتحدث عن
النجاح وعوامله ويحث عليه. وسأفعل. لكنني اليوم أريد أن أفرد حيزا أتحدث فيه عن المعرفة
والحكمة والتدخين. عن ماذا؟ ستقولون: ما الذي دها هذا الرجل؟ ما دخل التدخين بما
نحن فيه. مهلاً، إن أعطيتموني فرصة ستجدون أن الأمر ليس بهذه الغرابة. أحدثكم أولا
عن النجاح. أولاً، يحق لكم أن تفخروا بأنكم تخرجتم من أفضل جامعات الوطن قاطبة، من
حيث التميز الأكاديمي. ونحن لا نقول ذلك اعتباطا، فنظرة واحدة إلى كافة المعايير
التي تستخدمها الجامعات عادة لقياس الجودة تكفي لتبيان أننا في المقدمة وبفارق
كبير. معايير من مثل نسبة عدد الأساتذة إلى عدد الطلبة ونسبة عدد الأساتذة من حملة
الدكتوراه إلى عدد الطلبة ونسبة عدد مقتنيات المكتبة المطبوعة والإلكترونية إلى
عدد الطلبة ونسبة المنشورات في المجلات العالمية المحكمة المرموقة إلى عدد
الأساتذة، هذه المعايير وغيرها تشهد كلها على تميز جامعتكم، جامعة بيرزيت. ولا شك
أن شعبنا الفلسطيني يحق له أن يفخر بأنه استطاع رغم تاريخه المعذب ورغم قساوة
الظروف أن يبني جامعة بسوية جامعتكم ورقيها.

ثانياً، فيما يتعلق بالنجاح، لا شك لدي
أن المعارف التي اكتسبتموها والخبرات التي راكمتموها خلال دراستكم في أفضل جامعات
الوطن، جامعة بيرزيت، تؤهلكم للنجاح في حياتكم المقبلة. بالطبع لن يكون النجاح
سهلا، فشروطه اللازمة هي المثابرة والانفتاح على الثقافات والأفكار والتفكير
العقلي غير الرغائبي والمنحى النقدي غير الهَيّاب ومَلـَكَة الخلق والإبداع
والقدرة على التعلم مدى الحياة. لكنني على يقين من أن جامعة بيرزيت قد زودتكم بكل
هذه الشروط. وهناك في الواقع الموضوعي ما يسند يقيني. فأينما وجّه المرء نظره وجد
خريجي بيرزيت يتبوؤون مناصب قيادية في التعليم والسياسة والاقتصاد والمجتمع
المدني، حتى لأخال أنه يحق لنا أن نقول بثقة كاملة أن جامعتنا مدرسة للقيادة
بامتياز. وليس من قبيل الصدفة أن أكثر من ثلث وزراء حكومتنا العتيدة أعضاء في
عائلة جامعة بيرزيت الممتدة.

نعم جامعة بيرزيت مدرسة للقيادة
بامتياز. وكلي ثقة من أنكم ستسيرون على الدرب نفسه الذي اخْتـَطـّه خريجونا من
قبلكم، وأنكم ستواصلون لعب أدوار قيادية في خدمة الوطن والناس، وأنكم ستكونون كما
الذين من قبلكم مَضْرِبَ مثل في النزاهة والتجرد، وأنكم أيضا ستظلون كما كان من
سبقوكم أوفياء لجامعتكم الأم حريصون على التواصل معها ودعمها، فرفعتكم من رفعتها
وعزكم من عزها وهي في خدمتكم أنّى أخذَتْكم دروب الحياة.

ها قد حدثتكم عن النجاح، والآن أريد أن
أحدثكم عن المعرفة والحكمة والتدخين. سبق لي أن قلت في مناسبات عدة أننا بالمعايير
الكونية نعيش عصرا سعيدا بفضل تقدم العلوم والتكنولوجيا، ذلك التقدم الذي يوفر لنا
إمكانات هائلة للاستمتاع بالمعرفة وبثمارها. لكن شرط ذلك توفر الرغبة في التعلم
مدى الحياة والقدرة عليه. فالمعرفة لا تقف عند حدود، وهي في عصرنا البالغ السرعة
تتقادم بسرعة، ولذا لا بد من مراكمتها وتجديدها باستمرار، فلا يتوقف التعلم لدى
التخرج من الجامعة بل يستمر ما استمرت الحياة. وليس ذلك بسهل، فقد قالت العرب يوما
"العلم يؤتى ولا يأتي"، لكن المتعة المتأتية عن استكشاف آفاق المعرفة
تكافئ الجهد المبذول أضعافا مضاعفة.

من جهة أخرى، لا تتحول المعرفة إلى
حكمة إذا لم نمارسها ولم ننظم حياتنا على أساسها. وهذا أول رابط للمعرفة والحكمة
بالتدخين. فقد أصبحنا نعرف حق المعرفة الضرر الهائل الذي يلحقه بالصحة التدخين
بكافة أشكاله، وخاصة تدخين الأرجيلة. وليس من الحكمة في شيء أن يستمر المرء في
التدخين أو يقدم عليه ضارباً عرض الحائط بكل ما نعرف عنه وعن آثاره. وأيضاً، يتطلب
بلوغ الحكمة زمناً تتراكم فيه المعرفة ويتعلم خلاله المرء من تجاربه. وهذا هو
الرابط الثاني مع التدخين، فنحن نعرف أن التدخين يقصّر العمر المتوقع، وهكذا فإن
الإقلاع عن التدخين أو عدم الإقدام عليه يعزز فرصة امتداد العمر بما يكفي لبلوغ
الحكمة. وأختم حديثي عن التدخين بأن أشير إلى قول إنجليزي مأثور هو أن المرء ينحو
إلى التدخين عندما يبلغ الثامنة عشرة كي يثبت لنفسه أنه ناضج، وعندما يبلغ الخامسة
والثلاثين يحاول الإقلاع عن التدخين للسبب نفسه. أتمنى أن تثبتوا لأنفسكم أنكم
أنضج مما تشي به أعماركم.

عزيزاتي الخريجات وأعزاءي الخريجين،

أنتم أمل المستقبل: فلتحققوا هذا الأمل
بالوعي العصري المتمدين الرافض للظلامية والجهل والتجهيل والخرافة والتدليس
والدغماتية والغوغائية والتعصب والانغلاق.

أتمنى لكُنّ ولكم مستقبلاً باهراً في
وطن حر سعيد.

وشكراً.