جامعة بيرزيت: حضن دافئ لذوي الإعاقة

إسراء وسعيد وخالد، ثلاثة طلبة من أصل ثلاثة وثلاثين طالبًا وطالبة من ذوي الإعاقة يدرسون في جامعة بيرزيت، بعدما تحدوا المجتمع واحتضنتهم الجامعة.

إسراء تدرس العلوم السياسية في سنتها الثانية بعدما حوّلت تخصصها من دائرة الاعلام حيث وجدت صعوبة عندما نزلت إلى الميدان. تقول إن تقبل الطلبة لها وعدم تعرضها لمواقف مزعجة سهّل عليها السنة الأولى في الجامعة، حيث كانت تشعر بخوف كبير وتردد. وتضيف: "والدي أيقن أن جامعة بيرزيت أكثر جامعة مؤهلة لذوي الإعاقة، ولذا التحقت بها، والآن أشعر أن الجامعة عائلتي وليست فقط صرحا أكاديميا. وأريد أن أصبح إنسانة مؤثرة في المجتمع بعدما أحصل على الشهادة لأكون مستقلة ولي كيان خاص بي ولست عبئًا على أحد". وترى إسراء أن بعض المباني في الجامعة لا تزال غير مؤهلة لذوى الاعاقة الحركية، إضافة إلى المرافق الصحية.

سعيد أيضا يعاني من إعاقة حركية، لم تمنعه من أن يحصل على معدل 99% في التوجيهي ويدرس تكنولوجيا المعلومات في الجامعة، وهو في سنته الثالثة الآن. ويطمح إلى أن يؤسس شركة برمجة حالما يتخرج، لأنه يعتقد أن الاعاقة الجسدية ليست معيقا فعليا في الحياة إذا تقبل الشخص نفسه كما هو وتسلح بالإرادة. وهذه الإرادة هي التي جعلت سعيد ينتظر سنة كاملة بعد تخرجه من المدرسة ليلتحق بالجامعة، لأنه كان يسكن في الخليل وكان من الصعب أن يأتي كل يوم للجامعة، فانتظر حتى سكن أحد أفراد عائلته في بيرزيت لينتقل للعيش هنا، وأصبح يأتي يوميا من البيت إلى الجامعة على كرسيه الكهربائي الذي وفرته له عمادة شؤون الطلبة.

يقول سعيد: "لا أحب طلب المساعدة من أحد، مع أن الطلبة يبادرون لمساعدتي دون سؤال، وكل يوم تستغرق الطريق على الكرسي من البيت إلى الجامعة حوالي 12 دقيقة، وفي أيام البرد الشديد ألزم البيت". سعيد أيد إسراء بضرورة تأهيل بقية المباني غير المؤهلة في الجامعة، إلا أن كل شيء آخر داخل الحرم الجامعي من تعاون الطلبة والأساتذة يشجعه كل يوم للمثابرة وتحقيق حلمه.

خالد زميل سعيد وإسراء، إعاقته في بصره، ولم تمنعه من أن يتحدى معارضة الأهل للدراسة في جامعة بيرزيت، حيث فضلوا أن يلتحق بجامعة أقرب لمكان سكنهم في جنين. خالد الذي دخل سنته الرابعة في الجامعة ويدرس العلوم السياسية يقول إن أفضل ما قدمته له جامعة بيرزيت هو جهاز التكبير المتنقل الذي اكتشف أنه أحدث من أجهزة أقرانه في فرنسا، حيث كان يعاني قبل الجهاز من صعوبة تكبير الكتب والمواد الدراسية. خالد يطمح إلى تفعيل المجموعة التطوعية في الجامعة "أصدقاء ذوي الإعاقة"، أكثر لمساعدة الطلبة في التنقل داخل الحرم وتلبية احتياجاتهم. أما طموحه الأكبر فهو استكمال دراسة الماجستير في جامعة بيرزيت وتحديدا في برنامج الدراسات الدولية، ومن ثم استكمال درجة الدكتوراة في الخارج، ويضيف: "التعليم شي أساسي والبكالوريوس لا يكفي، طموحي أن أعود للتدريس في جامعة بيرزيت وأستكمل العمل في مجال البحث العلمي".                            

دعم لا شفقة

تقول المرشدة الاجتماعية في عمادة شؤون الطلبة سامية حوامدة، إن الطلبة الـ33 يعانون من إعاقات مختلفة حركية وبصرية وسمعية ونطقية، وهم موزعون في تخصصات متعددة. أما ما توفره العمادة لهم، فأولا: الدعم الأكاديمي، بحيث يتم التواصل مع أساتذتهم لتوضيح احتياجات كل طالب وطالبة، وثانيا: التواصل مع الطلبة المتطوعين من أجل تأمين تنقل وتحرك الطلبة ذوي الإعاقة، وثالثا: متابعة احتياجاتهم المالية حيث يحصل معظم الطلبة على منح دراسية ومعيشية ومواصلات. كما تم توفير كرسيين متحركين للطلبة أحدهما كهربائي، وتعمل العمادة على دمجهم مع الطلبة الآخرين من خلال الأنشطة والفعاليات المشتركة، فيما تتم متابعتهم من جوانب نفسية واجتماعية وأي احتياجات أخرى. 

وتضيف: "في أول فصل للطلبة، يواجهون صعوبات كثيرة، خاصة أنهم يحتاجون للمساعدة فقط وليس للشفقة، ونحن من جهتنا نعمل على دمجهم من مجتمع الجامعة خاصة في العمل التعاوني ليكونوا الصداقات، كما نحاول دمجهم في الأنشطة اللامنهجية، وحاليا يشاركون في فرق الغناء والشطرنج والعزف".

أما فيما يتعلق بالخطط المستقبلية المتعلقة بالطلبة ذوي الإعاقة، فتقول حوامدة إن هناك خططًا لعقد ورشات عمل للأساتذة والطلبة حول آلية التعامل مع المعاقين وحقوقهم وكيف يمكن أن ندعمهم. كما تأمل أن يتم استبدال مساقات معينة لتتناسب مع إعاقات الطلبة كالرياضة والكمبيوتر وتطوير مساقات تتناسب معهم بدلاً من إعفائهم منها. وتبقى هناك الحاجة للمزيد من الأجهزة والمواد التعليمية المسموعة، إضافة إلى شخص متخصص في طباعة بريل لمواكبة الطلب المتزايد على كتب بريل.

تخطيط متواصل

يقول رئيس لجنة ذوي الإعاقة في جامعة بيرزيت د. عازم عساف، رئيس دائرة اللغة الإنجليزية، إن اللجنة تشكلت سنة 2008، حيث كانت هناك حاجة لتمثيل ذوي الإعاقة في الجامعة وتطوير القدرات التقنية في الجامعة من أجل تسهيل دراستهم. ومن ثم تطورت اللجنة من وضع الأهداف والخطط المستقبلية إلى مرحلة بُدئ فيها توفير الأجهزة للطلبة كل حسب احتياجات الإعاقة، ومن ثم العمل على تأهيل المباني لذوي الإعاقة الحركية وتوفير غرفة دراسية خاصة في المكتبة، مجهزة بأدوات يحتاجها الطلبة، إضافة إلى تأمين الكتب الأكاديمية بلغة بريل لذوي الإعاقة البصرية. كما خرج طلبة من الجامعة بمبادرة مجموعة أصدقاء ذوي الإعاقة، حيث مهمتهم الأولى مساعدة الطلبة في التنقل والحركة والدراسة. مضيفًا: "الآن أصبحت لدينا غرفتان دراسيتان جديدتان للطلبة، وأصبحت الكتب التي نطبعها بلغة بريل جزءًا من محتوى المكتبة، بحيث يستطيع أي طالب استعارتها، ولدينا طابعات بريل وبرامج تحول الكتب العادية إلى بريل، وأجهزة تكبير متنقلة وثابتة، وتوفرت لدينا أجهزة تمكن الطالب من طباعة بريل في الحصص الصفية دون صوت وكأنها كمبيوتر. كما أعطينا الطلبة أجهزة تسجيل متطورة جدًّا يمكن التعديل على محتواها وقراءة النصوص، ووفرنا أجهزة كمبيوتر وأخرى متنقلة فيها برامج ناطقة وتكبير، إضافة إلى وجود جهاز يقرأ الصور وبرنامج رسم يحول الرسومات إلى بريل. أستطيع الجزم أن لدينا من أحدث الأجهزة في العالم ومن أكثر الجامعات تنوعا في هذا المجال التقني".

أما فيما يتعلق بما هو مطلوب الآن من أجل تطوير هذه الانجازات أكثر، يقول عساف إن هناك مطلبين رئيسيين: الأول هو توفير موظف/ة على الأقل متفرغ بشكل كامل لمتابعة شؤون ذوي الاعاقة. أما المطلب الثاني، فهو أن تُضم وتشمل شؤون الطلبة واحتياجاتهم ومتطلباتهم المستقبلية في إستراتيجية الجامعة، بعد إشراك اللجنة والطلبة والكادر في عملية حوار لبحث هذه الشؤون.

بيرزيت تتحدى الإعاقة

لم تكن الإعاقة حائلاً دون استقبال جامعة بيرزيت الطلبة ذوي الإعاقة ولا حتى دون توظيف موظفين وأساتذة. ولن تتوانى في ضم خالد إلى كادرها التدريسي يوما ما عندما ينهي تعليمه العالي. ولن تتوانى في تعيين إسراء لطاقمها عندما تتخرج. وستسعد بالتعامل مع شركة سعيد عندما تنطلق في المستقبل.

هذه الأمنيات صغيرة وقابلة للتحقيق قريبا، أما الأمنية الأكبر التي ستعمل الجامعة جاهدة على تحقيقها في المستقبل القريب، فهي أن تضم إلى عائلتها 12 طالبًا وطالبة من الصم جاءوا لزيارتها مؤخرًا، أملاً بأن تصبح الجامعة قادرة على استقبالهم. في القريب، يمكن أن نعمل جميعًا لاستقبالهم حتى ولو بتخصص واحد كمرحلة أولية يمكن إنجازها بالإرادة والدعم المعنوي والمادي.