بيرزيت تطلق أول برنامج دكتوراة على مستوى فلسطين والجوار في العلوم الاجتماعية

في برنامج هو الأول من نوعه على مستوى فلسطين والدول المجاورة، أطلقت كلية الدراسات العليا في جامعة بيرزيت في العام الأكاديمي 2014/2015، برنامج الدكتوراة في العلوم الاجتماعية، لتظل الجامعة قبلة لأفضل الطلبة والأكاديميين من كافة أرجاء الوطن وحاضنة لصنع القادة في كافة مناحي الحياة، انطلاقًا من رؤيتها في أن تظل الجامعة الفلسطينية الأولى المعترف لها بالتميز في التعليم والتربية والأبحاث وخدمة المجتمع.

ويستند البرنامج الذي التحق به 7 طلبة، إلى واقع تداخل الحقول في العلوم الاجتماعية، حيث إن الحقول المعرفية الفردية القائمة لم تعد قادرة على توفير الأدوات التحليلية اللازمة لفهم الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية المتداخلة والمعقدة. ويشتمل البرنامج على مسارين تخصصيين هما: مسار الاقتصاد السياسي للتنمية، ومسار التاريخ والحيز والمجتمع. ويتطلب كلاهما اجتياز امتحان في الكفاءة المعرفية وإنجاز أطروحة تشتمل على محتوى له قابلية النشر في مجلات ودوريات علمية مرموقة.

 

إنتاج المعرفة

تقول مديرة برنامج دكتوراة العلوم الاجتماعية د. ليزا تراكي: "إن أهم أهداف إنشاء هذا البرنامج الأكاديمي هو تكوين جيل من العلماء والباحثين في مجال العلوم الاجتماعية، قادر على إنتاج معرفة جديدة حول الوطن العربي وفلسطين من منظور عربي وفلسطيني". وتابعت: "إن البرنامج فريد من نوعه في الوطن العربي، بالرغم من وجود برامج شبيهة في دول أخرى، ليس فقط من حيث إنه عابر للحقول، ولكن أيضًا من حيث توفير الفرصة للطلبة للدراسة بتفرغ كامل وبدعم مالي من الجامعة".

وتضيف: "يتكون البرنامج من 54 ساعة معتمدة، منها 30 ساعة مخصصة للمساقات، و24 ساعة للأطروحة، والغاية الرئيسية للبرنامج هي تهيئة الطلبة ليصبحوا قادرين على دراسة الظواهر الاجتماعية بإبداع، وإنتاج معرفة جديدة، وتحليل نقدي للمفاهيم والأفكار السائدة، وتحمّل مسؤولية نشر المعرفة داخل وخارج البيئة الأكاديمية. وبشكل عام، يسعى البرنامج للإفادة من تجارب أخرى خاصة في دول جنوب العالم، لتفادي المركزية الأوروبية في المساقات المختلفة وفي مداخل التحليل والأطر النظرية المستخدمة في تفسير الظواهر الاجتماعية. وكما هو معروف، توجد أطر تحليلية مختلفة ومتنافسة في حقول العلوم الاجتماعية من الضروري للطلبة الاطلاع عليها، دون الارتهان لها بصورة غير نقدية، خاصة بالنظر إلى الحاجة لفهم تجارب الشعوب التي استُعمِرَت في المنطقة العربية وأفريقيا وآسيا".

 

مسيرة البرنامج

بدأ العمل في تطوير فكرة برنامج الدكتوراة في العلوم الاجتماعية في بداية العام الأكاديمي 2011/2012، واستمر العمل خلال العام اللاحق، حيث قامت لجنة موسعة برئاسة نائب الرئيس للشؤون الأكاديمية وعضوية عميد الدراسات العليا وأعضاء هيئة أكاديمية من تخصصات مختلفة في الجامعة ببلورة المشروع، ووضع هيكلية ومساقات للبرنامج، وجلب التمويل له، وبناء علاقات مع أكاديميين في الخارج لتدعيمه أكاديميًّا. وخلال العام الأكاديمي 2012/2013، وافق المجلس الأكاديمي على وصف البرنامج ومساقاته، وحصل البرنامج على الموافقة النهائية من مجلس الجامعة تمهيدًا لتقديم ملف البرنامج إلى هيئة الاعتماد والجودة في وزارة التربية والتعليم العالي لاعتماده رسميًّا. وفي حزيران 2013، وبعد عملية تقييم داخلي وخارجي، حصلت الجامعة على موافقة الهيئة، وبذلك، اعتمد البرنامج رسميًّا.

تتحدث د. تراكي عن مسيرة العمل قائلة: "خلال العام الأكاديمي 2013/2014، قامت لجنة تطوير البرنامج بعدد من الزيارات للجامعات العالمية، حيث زارت برنامج دكتوراة مشابهًا ومتداخل الحقول في العلوم الاجتماعية في جامعة ماكيريري في أوغندا، للاطلاع على البرنامج المميز الذي يستقطب طلبة من عدة دول أفريقية. وقامت أيضًا بزيارة إلى جامعة جواهر لال نهرو في الهند، وعقدت اجتماعات مع مسؤولين عن برامج في الدراسات الفلسطينية والعربية في جامعتي كولومبيا وبراون في الولايات المتحدة، لبحث سبل التعاون في التدريس والإشراف على رسائل الدكتوراة وترتيب زمالات بحثية وفرص أكاديمية أخرى لطلبة وخريجي البرنامج".

وتضيف: "شمل العمل التحضيري أيضًا اقتناء كتب حديثة وكلاسيكية في مجالات البرنامج المعرفية، حيث عمل طاقم المكتبة العامة على تصنيف الكتب وإعدادها للإعارة مع بداية التدريس في البرنامج. وقد تم الاشتراك في عدد من قواعد البيانات الآلية الإضافية، حيث إن الدراسة على مستوى الدكتوراة تتطلب الاطلاع المستمر على الإصدارات الحديثة ومواكبة إنتاج المعرفة في مجالات البرنامج".

 

خطط عمل ودعم مالي للطلبة

شكلت مجموعات عمل من أكثر من 30 عضو هيئة أكاديمية من جامعة بيرزيت وبعض الأكاديميين في الخارج لتطوير مساقات البرنامج المختلفة، وتوج هذا العمل في شهر أيار 2014 بعقد ورشة عمل مركزية تمت خلالها مناقشة الخطط التفصيلية لجميع المساقات، تمهيدًا لإطلاق البرنامج. وتشرف على البرنامج لجنة برنامج مكونة من 7 أعضاء من دوائر وبرامج الجامعة المختلفة، علمًا بأن الأعضاء كان لهم دور في الأعوام الماضية في الإعداد للبرنامج والتحضير للمساقات، وفي لجنة القبول.

يتحدث عضو لجنة برنامج الدكتوراة المدرس في البرنامج د. منير فخر الدين قائلاً: "في العام الأكاديمي 2014/2015، وبعد تأمين المبالغ اللازمة للمنح الدراسية واستكمال الترتيبات الإدارية والأكاديمية الأساسية، قررت إدارة الجامعة فتح باب القبول للدفعة الأولى من الطلبة في الفصل الثاني، وتم قبول 8 طلبة من أصل 66 متقدمًا بطلب الالتحاق، التحق 7 منهم بالفعل".

ويضيف: "يحصل الطلبة في البرنامج على إعفاء من الرسوم التعليمية (250 دينارًا للساعة المعتمدة)، بالإضافة إلى منح شهرية بمبلغ 1000 دينار مقابل تفرغهم التام للدراسة، وهذا هو النظام المعمول به في الجامعات البحثية العالمية. ويوفر البرنامج مساحة عمل للطلبة في مبنى الدراسات العليا، بالإضافة إلى تزويدهم بأجهزة حاسوب ومنحهم امتيازات خاصة فيما يتعلق بالإعارة من مكتبة الجامعة واستخدام بعض المرافق والخدمات الجامعية".

وحول الصعوبات المالية للبرنامج، يقول د. فخر الدين: "أخذ البرنامج على عاتقه، ومنذ انطلاقه في الفصل الثاني من العام الدراسي 2014/2015، أن يوفر للطلبة منحًا دراسية ومصروفًا يغطي احتياجاتهم مقابل تفرغهم التام،؛ والتزاماً بهذه السياسة، ولضمان تأمين ما يحتاجه الطلبة ماليًّا خلال السنوات المقبلة؛ لن يقبل البرنامج طلبة للعام المقبل، على أن يعيد فتح القبول في العام الذي يليه، وستعمل أسرة البرنامج على التواصل مع مؤسسات أكاديمية محلية ودولية من لدعم الطلبة والبرنامج".

 

طلبة "على قد التحدي"

"قررت الانسحاب من البرنامج في الأسبوع الثاني من التحاقي به. لم أكن قادرة على تحمل الضغط الهائل في البرنامج"،. هكذا بدأت الطالبة في برنامج الدكتوراة في العلوم الاجتماعية سناء غزال حديثها ووصفها البرنامج، مضيفة: "البرنامج ليس سهلاً. شكل في بدايته ضغطًا نفسيًّ عليّ. لم أكن قادرة على الاستمرار لولا الإصرار الذي أامتلكته والدعم من أسرة البرنامج وعائلتي".

وتضيف: "شكل الانتقال من تخصصي في الهندسة المعمارية في درجتي البكالوريوس والماجستير نقلة نوعية هائلة على شخصيتي وخلفيتي العلمية. أحسست بصعوبة في بداية الأمر، ولكني الآن أصبحت أستمتع بالدراسة، وأصبحت أرى الأمور بمنظور جديد، كما أشعر بإمكانية المزج بين تخصصي القديم وبرنامج الدكتوراة الحالي".

أما الطالب سليم أبو ظاهر، فيرى بالبرنامج مظلة لتوسيع المدارك ضمن أطر نظرية قد تكون غائبة عن مجتمعنا. ويضيف: "البرنامج ملائم لطموحاتي، كونه برنامجًا متداخل الحقول، وبالتالي يغطي الكثير من المواضيع والأفكار، ولكن مشكلتي الأساسية كانت بداية بزخم القراءات وكميتها المطلوبة أسبوعيا، خصوصًا بعد انقطاعي لفترة عن الأكاديميا".

وحول أجمل ما في البرنامج، يقول أبو ظاهر: "العلاقة مع الأساتذة في البرنامج وتعاونهم المستمر ونصائحهم الدائمة، خصوصًا في إيجاد آليات للقراءة السريعة، عزز انتماءنا للبرنامج، رغم استغراقنا يوميًّا ما يزيد على 10 ساعات في الدراسة المرهقة".

ويعلق أستاذ مساق الكتابة والقراءة النقدية في البرنامج د. فخر الدين، الذي يقدمه بالتشارك مع د. رانيا جواد، على أداء الطلبة قائلاً: "كمدرس، أرى الطلبة جديين للغاية وبكامل المسؤولية، ومتأكد من رؤيتهم مستقبلاً طليعيين في مجالاتهم". ويضيف: "رغم كل الصعوبات التي تواجههم، وأبرزها نقص المصادر العلمية، وقلة عدد الأبحاث العلمية ذات العلاقة بالبرنامج، لكن أدرك أن الطلبة سيكونون قادرين على التحدي والتطور".

 

باكورة برامج الدكتوراة في بيرزيت

يعتبر برنامج الدكتوراة في العلوم الاجتماعية باكورة برامج الدكتوراة في الجامعة، الذي يطرح عبر كلية الدراسات العليا. يقول عميد الكلية د. طلال شهوان: "نحن نهتم كثيرًا بهذا البرنامج، حيث إن نجاحه يعني فتح الباب أمام طرح برامج أخرى تخدم الحاجة المحلية والإقليمية لباحثين وأكاديميين لديهم المقدرة على المساهمة في إنتاج المعرفة بمطافها العالمي، مع الأخذ بعين الاعتبار معطيات الواقع المحلي". ويضيف: "تعول كلية الدراسات العليا على هذا البرنامج وما سينشأ مستقبلاً من برامج في تنشيط البحث العلمي داخل الجامعة وتكثيف الإنتاج والنشر العلمي المرموق، وفي خلق فضاء معرفي يوفر أرضية مناسبة للحوار والفكر النقدي والتحليلي، ويعزز التعاطي العقلاني مع الاختلاف، خدمة للجامعة وللقضية الوطنية وللتراث الحضاري الإنساني".

وفي سعيه لإغناء التجربة الأكاديمية للطلبة، نفذ البرنامج فعاليات متنوعة منذ انطلاقه، منها عقد جلسات تدريبية في استخدام قواعد البيانات في مكتبة الجامعة، وعقد سلسلة ندوات تحدث فيها أكاديميون من الجامعة ومن جامعات عالمية.