الزميلات والزملاء الكرام،

أعزائي الطلبة،

مع بدء عملي كرئيس للجامعة، أحييكم تحية مودة واحترام، آملاً أن تشهد المرحلة القادمة فصلاً جديداً من فصول تألق جامعتنا التي نحب، وموقناً بضرورة تضافر الجهود من أجل المحافظة على هذا الصرح المتميز أكاديمياً، والمنخرط مجتمعياً، والملتزم وطنياً، والمنفتح انسانياً وحضارياً.

بالرغم من الصعوبات والأخطار الجمة التي تواجه جامعتنا، إلا أن الاستثمار الحثيث في تطوير التعليم وانتاج المعرفة، جنباً إلى جنب مع احترام قيم الحرية والتعددية، وحماية كرامة وحقوق العاملين والطلبة، هي الطريق الأمثل للمحافظة على ألق جامعتنا وتميزها، وبناء أجيال أكثر وعياً بواقعها وبحقوقها، وأكثر تمسكاً بالقيم الوطنية والانسانية النبيلة، وبالعدالة الاجتماعية والبيئية. إن الجامعة، والحال هذه، ستبقى تزهو كنموذج لفلسطين المستقبل، رغم تكالب المعيقات، وتواصل البطش والأذى من المحتل العنصري.

أسرة الجامعة الأعزاء،

لقد شهدت الجامعة خلال السنوات الأخيرة العديد من الأزمات والصعوبات، التي ألقت بظلال سلبية من وقت لآخر على أجواء الثقة المتبادلة بين مكوناتها، وفتحت المجال لتطورات خطيرة. إن ما حدث لا ينفي الحق في الاختلاف، ولا ينتقص من وجاهة الدفاع عن المصالح النقابية للعاملين وللطلبة. ولكنه يستحث من الجميع التفكير والعمل على تصويب الممارسات، حرصاً على استدامة الجامعة، وتجنب تعطيل العملية الأكاديمية. وهذا لا يتأتى دون ضبط معاني عدد من المفاهيم الجوهرية، وفي طليعتها مفاهيم المسؤولية والحوار والخطاب. فمسؤولية الحفاظ على المؤسسة هي بمجملها مسؤولية جماعية، ولا تقع على كاهل طرف دون آخر، حتى وإن اختلفت المواقع والأدوار. والحوار، لا يعني إملاء الطلبات تحت وقع علاقات القوة والاغلاق، بقدر ما هو آلية إجرائية توافقية، تجتهد الأطراف من خلاله للوصول لحلول منصفة، ضمن ما تتيحه الامكانيات وتقتضيه الأنظمة والتعليمات. أما الخطاب ووقع الكلمات، فمن المعلوم أنها مدخل جوهري لحل الصراعات أو تأجيجها، وهي ميزان العقول ومفتاح القلوب. وتحت كل الظروف، ستبقى حرية الفكر والتعبير مكفولة ومحبذة، أما خطاب الكراهية والاستعلاء والتجريح فيجب أن نعمل سوياً على نبذه ومحاصرته.

وبالتوازي مع تحديات الوضع الداخلي، فنحن نشهد في هذه المرحلة اشتداد التنافس بين الجامعات المحلية على اجتذاب الطلبة، وتسابق البعض منها على فتح فروع لها في مناطق مجاورة لحرم الجامعة. وفي الوقت الذي نؤكد فيه على أهمية التعاون والتكامل بين الجامعات الفلسطينية، فإنه من الواجب أن ندق ناقوس الخطر تجاه رؤى وممارسات لا تتفق مع رصانة العملية التعليمية وجديتها، ومتطلبات جودتها، وأن نتذكر دائماً محورية دور الجامعة في بناء الشخصية الملتزمة تجاه المجتمع وتجاه قضاياه المتعددة.

ليس خافياً أن المرحلة القادمة لها أهمية مفصلية بالنسبة لمستقبل الجامعة، حيث تتعدد المهام الملحة التي يجب التكاتف من أجل انجازها. فمن الناحية الأكاديمية، من الضروري تطوير البنى التحتية، واستحداث التخصصات، والاستفادة من التكنولوجيا الرقمية، وتعزيز أنشطة البحث والنشر العلمي. ومن الناحية المالية، تبرز الحاجة للقيام بإجراءات من شأنها تحسين واقع السيولة والاستدامة المالية للجامعة. كذلك، فمن الملح العمل بشكل ممنهج على مراجعة الأنظمة والتعليمات، وموائمة الاجراءات الأكاديمية والادارية والمالية مع التكنولوجيا الرقمية المتنامية، وتأسيس ذاكرة مؤسسية فاعلة. وبالتوازي مع هذا، فإنه من الواجب العمل المستمر على تعزيز التشبيك والانخراط الايجابي مع المجتمع، وإتاحة فرص التعليم للطلبة الأقل حظاً من الناحية الاقتصادية، وصون استقلالية الجامعة، والمحافظة على دور الجامعة كنقطة التقاء للطيف الفلسطيني، وكمنصة حاضنة للانفتاح وللتنوير.

أسرة الجامعة المحترمون،

بالرغم من كل التحديات، فإن الجامعة، وكما نجحت عبر مسيرتها المجيدة في تذليل مصاعب وجودية متعددة، ستبقى قادرة على البقاء والتطور، وذلك بالاستناد إلى إرث عظيم ورؤية مستقبلية طموحة ترتكز على مكامن قوة الجامعة، التي يشكل تعاضد مكوناتها أرضيتها الصلبة.

معاً وسوياً، لنجعل من الحرم الجامعي بيئة معرفية وحياتية متميزة.

 

رئيس جامعة بيرزيت

د. طلال شهوان

2023.08.01