إذا كان من باب المصادفة أنّ العام 2017 هو ذكرى للعديد من التواريخ، بدءا من وعد بلفور عام 1917، وما ترتب على هذا الوعد من تطورات تاريخية، والذكرى السبعين، لقرار الأمم المتحدة، 181، المعروف باسم قرار التقسيم، والذكرى الخمسين لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، عام 1967، والذكرى الثلاثين للانتفاضة الفلسطينية الشعبية عام 1987، فإنّ الواقع أنّ ما يستحق الدراسة بشكل كبير، ليس ما حصل عبر المائة عام الفائتة من أحداث في الشأن الفلسطيني، وحسب، بل ربما وهو الأكثر أهمية، هو فهم اللحظة الراهنة والمتغيرات الحاصلة فيها، بما يؤدي لفهم موقع القضية الفلسطينية الآن. وعلى سبيل المثال، لا الحصر إذا كانت نهاية الحرب الباردة، عام 1991، أدت لنهاية النظام ثنائي الأقطاب، فإنّ العالم مر ويمر بتطورات، تجعل مجرد توصيف شكل وديناميات النظام الدولي وانعكاسات ذلك تستحق البحث.

لم يتغير النظام الدولي، من حيث موازين القوى ومن حيث الأقطاب والقوى العظمى فيه، بل إنّ واقعاً، أو سياقاً عالمياً جديدا ينشأ، أثّر ويؤثر في النظام الدولي، وبات الحديث عن نظام عالمي، جديد، أمراً واجباً، مع أنّه من السابق لأوانه الحسم إن كان هناك فعلا "نظام" جديد، أو هناك حالات تشكل لهذا النظام، أو أنّ هناك حالة سيولة في العلاقات الدولية، خصوصاً مع بروز تغير في الوزن النسبي للدور الذي تلعبه فواعل غير دول، وما يراه محللون، من أنه تغير في الوزن النسبي لمصادر وأنواع القوة في العلاقات الدولية بدءا من تغير دور العامل العسكري، وصعود العامل الاقتصادي بشكل أكبر أو مختلف، ودخول تكنولوجيا المعلومات والعولمة، ومجتمعات الشبكات، لتسهم ربما في تغييرات في وزن ودور الدول في العلاقات الدولية.

هذه المتغيرات جميعاً، بدءا من طبيعة توازن القوى الدولية وصولا لمعطيات "النظام" العالمي الجديد، يضاف لها تجربة نحو ربع قرن من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، وما رافقها من اتفاقيات، وإنشاء للسلطة الفلسطينية، وتغير في دور الفصائل السياسية، وانتقال القيادة الفلسطينية إلى الداخل، والتغير في مكانة ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وتغير في بنية ومؤسسات المجتمع، بما يفرزه ذلك من تغيرات ثقافية واجتماعية، وواقع اقتصادي جديد، تشكل واقعاً جديداً، يحتاج معه لوقفة متأنية بغرض التشخيص، والفهم، حتى يمكن بعد ذلك البحث عن الاتجاهات المستقبلية التي يمكن أن تتحقق معها الأهداف الوطنية.