ندوة رقمية متخصصة حول دعوى جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال الاسرائيلي

عقد برنامج ماجستير القانون العام وبالتعاون مع برنامج بكالوريوس القانون المسائي في كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، يوم الاربعاء الموافق 17/1/2024، وعبر منصة زووم ندوة رقمية متخصصة حول "دعوى جنوب أفريقيا ضد دولة الاحتلال الاسرائيلي أمام محكمة العدل الدولية: تحليل وتقييم، والآفاق المستقبلية"، بحضور أكاديميين وخبراء في القانون الدولي وطلبة، ومجموعة من المهتمين.

افتتح الندوة مدير برنامج ماجستير القانون العام د. احمد خالد مرحبا بالحضور وبالمتحدثين الضيوف مشيرا إلى أهمية الندوة بما ستحاول استشرافه بخصوص القضية المرفوعة من قبل جنوب افريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، وما سيترتب على ذلك من نتائج وتأثيرها على القضية الفلسطينية من جهة، وعلى المنظومة الدولية من جهة أخرى.

تسلمت د. هالة الشعيبي "أستاذة القانون الدولي في جامعة بيرزيت" إدارة الندوة بالحديث عن أهمية القضية وبالتساؤل فيما إذا كانت المحكمة ستقوم بإنصاف الشعب الفلسطيني؟ وعن الآفاق المستقبلية التي ستفتحها هذه القضية وما سيواجهها من عقبات.

 بدوره ثمّن أ. شعوان جبارين "مدير مؤسسة الحق" في بداية مداخلته الدور الذي قامت به جنوب افريقيا في تحملها لعبء إقامة هذه الدعوى انطلاقا من الدافع الأخلاقي تجاه القضية الفلسطينية، وللتشابه الكبير بين ما يُمارس ضد الفلسطينيين اليوم بما مورس ضد جنوب افريقيا فترة التمييز العنصري، ولكون دولة جنوب افريقيا من الدول الأطراف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية. كما عرض أ. شعوان للحضور التعريف بمحكمة العدل الدولية ودورها في الفصل بالنزاعات التي تنشأ بين الدول، ودورها في تقديم الآراء الاستشارية، ثم بيّن إجراءات رفع الدعوى.

وقد أعرب الدكتور جبارين عن تفاؤله في أن يتم الاستجابة للتدابير المستعجلة التي طلبتها جنوب أفريقيا ولو بجزء منها، على قاعدة الظن بأن قضاة المحكمة مستقلين ولا يمثلون دولهم من جهة، واستنادا إلى قوة الملف الذي تقدمت به دولة جنوب افريقيا واحتوائه على أدلة توافر النية لدى دولة الاحتلال في ارتكاب الإبادة الجماعية من خلال تصريحات المسؤولين في دولة الاحتلال التي تدلل على هذه النية، بالإضافة إلى الوقائع المادية التي ارتكبتها دولة الاحتلال من قصف جوي عشوائي واستهداف المدنيين وقطع شرايين الحياة في قطاع غزة.

في المداخلة الثانية من الندوة تناول رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين، أ. إحسان عادل بالتحليل الجانب التقني من الدعوى والمتمثل بالحجج المقدمة أمام المحكمة من قبل دولة جنوب أفريقيا على ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وردود الجانب الاسرائيلي على هذه الادعاءات.

بيّن أ. إحسان أن ادعاء دولة جنوب افريقيا يقوم على ارتكاب إسرائيل لجريمة الإبادة الجماعية بصورها الثلاث، الأولى: وتتمثل في سلوك القتل واخضاع الجماعة لظروف معيشية صعبة وإلحاق أذى بدني أو عقلي جسيم بها، وذلك بشكل ممنهج وواسع النطاق بدليل فعل القتل لأكثر من 21 ألف فلسطيني، والثانية: توافر القصد الخاص لجريمة الإبادة الجماعية من خلال التدمير الكلي للمنازل والمقار والمرافق الحيوية بنية الهلاك، مشددا على أهمية القصد كمسألة جوهرية لإثبات هذه الجريمة وهذا ما كان متوافرا من خلال تصريحات المسؤولين الاسرائيليين العلنية والواضحة، والثالثة: تقصير دولة الاحتلال في منع وقوع جريمة الإبادة الجماعية وفي حظر التحريض عليها، حيث انتهكت إسرائيل باعتبارها موقعة على جريمة منع الإبادة الجماعية النص الذي يفرض عليها اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع هذه الجريمة، بل وأكثر من ذلك بثبوت ارتكابها أفعال الابادة من الناحية المادية. منهيا هذا الجزء من مداخلته في الإشارة إلى طلبات دولة جنوب افريقيا من المحكمة المتمثلة بإقرار إجراءات مؤقتة تتمثل في الوقف الفوري لإطلاق النار والالتزام بما نص عليه اتفاقية منع الابادة الجماعية، وطالبت كذلك بأن تلزم المحكمة اسرائيل بتقديم تقارير دورية حول مدى التزامها بما تقرره المحكمة وعدم اعتراض عمل اللجان الدولية.

وفيما يتعلق بحجج إسرائيل أمام المحكمة، أوضح إحسان بأن دفاع إسرائيل يقوم على التشكيك بالأرقام مدعين بعدم صحتها، وبأن التصريحات التي صدرت عن الاسرائيليين لا تمثل آراء صناع القرار في الدولة، وباستخدام حماس للمدنيين كدروع بشرية واستخدامها للمناطق المدنية في هجماتها، وأن إسرائيل سمحت بدخول المساعدات من جهة وسمحت للمدنيين بالنزوح إلى الناطق الآمنة مما ينفي وجود جريمة الإبادة الجماعية. وبالنتيجة طالبت إسرائيل بعدم إصدار حكم في الدعوى لأن هذا يعني تحيزها ضد طرف واحد في القتال كون الطرف الآخر في القتال ليس طرفا في الدعوى. مشددا أ. إحسان بأن هذه الحجج التي قدمتها إسرائيل من السهل إثبات عدم صحتها بل أن ما ينشر يوميا في الإعلام من شأنه نفي صحة هذه الحجج.

ومن المتوقع أن لا تستجيب اسرائيل لقرار المحكمة على الرغم من الزاميته لها، أو أن تلتف اسرائيل على القرار وتنفذه بشكل جزئي وهذا يعتمد على طبيعة القرار، مشيرا إلى أن عدم استجابتها للقرار يعني مخالفتها لقرار محكمة دولية كونها طرف في اتفاقية الابادة الجماعية، مما وحسب توقعه سيشكل وسيلة ضغط دولية قوية عليها باعتبار أن أفعالها ستشكل انتهاكاً للقانون الدولي بشكل واضح.

في معرض الإجابة على أسئلة الحضور، أكد أ. جبارين بأن ما قُدم أمام محكمة العدل الدولية من وقائع ومحددات بالتأكيد سيفيد المحكمة الجنائية الدولية، وأشار إلى أن اسرائيل لا تعترف بأي مخاصمات توجه لها، وأن رفع دعوى من طرف ثالث غير فلسطين سيجعل القضية تتجه في طريقها الصحيح ولعدم الاصطدام بمسألة مدى اعتبار فلسطين دولة من عدمها ولعدم التأثر بالضغوط السياسية.

أيضا في إجابته على بعض الأسئلة، أشار استاذ احسان بأن هناك 4 قضايا منظورة امام محكمة العدل الدولية منذ نشأتها وهي قضايا البوسنة وغامبيا وأوكرانيا والآن قضية فلسطين؛ صحيح أن السوابق القضائية قليلة في هذا المجال، ولكن هذه السوابق يمكن أن تشكل استناد للمحكمة في قرارها بشأن القضية المرفوعة حاليا، وبخصوص النيّة بيّن أن اثبات النية والركن المعنوي يكون من خلال نمط السلوك وتتبع تصريحات القادة والسياسيين، وهذا ما هو متوافر في قضية جنوب افريقيا. مشددا في ختام حديثه على أهمية الدعوى المرفوعة أمام محكمة العدل الدولية، ولكن من الضروري أيضا التركيز على تفعيل طريق الاختصاص العالمي في الشأن الفلسطيني. والذي يتيح رفع قضايا لمحاسبة الاسرائيليين الذين ارتكبوا جرائم ضد الفلسطينيين في دول متعددة، حيث لا يشترط هذا الطريق تمتع الإسرائيليين بجنسية هذه الدول كي تقوم بمحاسبتهم.

واختتمت الجلسة د. هالة الشعيبي بالشكر للحضور وللمتحدثين في الندوة، مشيرة إلى اهتمام الجامعة بشكل عام وكلية الحقوق بشكل خاص في الوضع الفلسطيني الراهن، وسعي برنامج ماجستير القانون العام إلى إعداد ندوات مماثلة ومكملة لهذه الندوة.