كلمة رئيس الوزراء د.رامي الحمد الله في حفل التخرج السنوي

 الأخ د. حنا ناصر رئيسُ مَجلسِ أُمناء جَامعة بيرزيت

الأخ د. خليل الهندي رئيسُ الجامعة،

الأخواتُ والأخوة أعضاءُ الهيئتين التدريسية والإدارية

الخريجاتُ والخريجيونَ الأعزاءُ وذووهم الكِرام،

الحُضورُ الكريمُ جَميعاً،،،

 

بِدايةَ إسمحوا لي أن أُحيي الصُمودَ الأسطوريَّ الذي يُسجلُهُ أسرانا البواسلُ، خاصةً الذينَ يخوضونَ إضراباً مفتوحاً عن الطعامِ، للتصدي لسياسة الاعتقال الإداريّ وغيرها من الظروف اللاإنسانيةِ التي يَتعرضونَ لها. وأدعو الأسرةَ الدَوليةَ، وكافةَ المؤسساتِ الإنسانيةِ والحقوقية، التحركَ الفاعلَ والفوريّ لإنقاذِ حياتِهِم، وإنهاء مُعاناةِ أسرى الحُريةِ. وكَما أحتضنتْ لينا خطاب، الطالبةُ في جامعةِ بيرزيت، الحُريةَ أمس، واحتفلنا بالإفراجِ عَنها بعد إعتقالٍ ظالمٍ دامَ ستةَ أشهر في سجونِ الإحتلال الإسرائيليّ، فإننا نتطلعُ إلى أنْ نحتفلَ قريباً بالإفراجِ عن الأسرى جميعِهِم، وفي مُقدمِتهِم الأسيراتِ والأسرى الأطفال، والمرضى، والأسرى القَدامى والنُواب.   

 

الحضورُ الكَريم،

يَحضُرُني الفخرُ والسعادةُ، وأنا أُشاركُكُم اليوم تخريجَ الفوجِ الأربعينِ مِن طِلبةِ جامعةِ بيرزيت التي يَرتبطُ إسمُها ليسَ فقط بالعلمِ والفِكرِ والتحصيل الأكاديميّ الغنيّ، بل وبالإبداعِ والتميز والإبتكارِ. فهذهِ المؤسسةِ التعليميةِ الرائدةِ والمُنتجةِ، ليستْ جامعةً عاديةً، بِرسالةٍ تعليميةٍ تقليديةٍ، بَل هي حَاضنةً رئيسيةً هامةً، لبِناءِ الإمكانياتِ والطاقات وتوجيهِها وصَقلِها، وتمكينِ الإنسانِ الفِلسطينيّ في أرضِهِ وتجذيرِهِ فيها، مِن خلالِ تنميةِ المهاراتِ وإطلاقِها في عمليةِ بِناء الوَطن وتطويرِ مؤسساتِهِ وبُنيته التحتيةِ.

 

بإسمي، ونيابةً عن سيادة الرئيس الأخ محمود عَباس، أُهنئُ جَميعَ الخريجات والخريجين الذينَ يَحصدونَ اليوم نتاجَ سنواتٍ من الدِراسةِ والجُهدِ والتحصيلِ العِلميّ، ويَنطلقونَ في فَضاءاتٍ جديدةً، تَسمو فيها طاقاتُهم وقُدراتُهُم، كما وأهنئُ ذويهِم بالنجاحِ والتفوق الذي حققوهُ.

 

ونلتقي مَرةً أُخرى، في رِحابِ جامعةِ بيرزيت العريقةِ الشامخةِ، منارةِ العلمِ والمَعرفةِ والفكرِ، وساحةِ الديمقراطيةِ، المبنيةِ على التعدديةِ واحترامِ وقُبولِ الرأي الآخر، التي مِن رحابِها نَهلتْ الحركةُ الطُلابيةُ والوَطنيةُ، وانطلقتْ الكثيرُ مِن المُبادراتِ المُجتمعيةِ التطوعيةِ. ويُمثل مُجتمعُ هذه الجامعة، عينةً مُصغرةً من مُجتمعِنا الفِلسطينيّ، بآرائهِ وتوجهاتِهِ الفِكريةِ والسِياسيةِ المُختلفةِ وتنوعِهِ الغنيّ، وقد كانَت بيرزيت ولا تزالُ جُزءاً ثابتاً من بُنيةٍ مُؤسسيةٍ وَطنيةٍ  كُبرى ساهَمتْ في استعادة الهويةِ الوَطنيةِ وبَلورتها وحِمايتها.

 

نُجددُ كَما في كُلِ عام، وَنحنُ نَحتفي بتخريجِ كَوكبةٍ جديدةٍ من بناتِنا وأبنائِنا، وقوفَنا عند مسؤوليتِنا وواجبِنا الوَطنيّ، في توفيرِ الأجواءِ الإيجابيةِ القادرةِ على تشغيلِ هذه الطاقات ودَمجها في المُجتمعِ، وضمانِ إنخراطِهِا، ليسَ فقط في سوقِ العَمل، بَل وفي مسيرةِ بِناءِ فِلسطين والإرتقاءِ بِها أيضاً.

 

الأعزاءُ جَميعاً،

إنَ جُزءاً كبيراً من عَملِنا الهادفِ إلى النهوضِ بمؤسساتِنا، يَرتكزُ أساساً على إستنهاضِ قِطاعِ التعليمِ بكافةِ مكوناتِهِ، وتعزيزِ البَحث العِلميٍّ، وضَمانِ جودةِ التعليمِ وَربطِ مُخرجاتِهِ مع إحتياجاتِ المُجتمع وسوقِ العَملِ، كَما مَعَ مُعطيات التكنولوجيا والمعلوماتية، وما يَحتاجُهُ ذلكَ من مواكبةٍ وتحديثٍ مُستمرين دائمينِ، هذا بالإضافةِ إلى الإرتقاءِ بالتعليمِ التقنيّ والتدريب المِهنيّ لإرتباطِهما الوثيق بالصِناعاتِ المَحليةِ والقِطاعِ الخاص. كَما نَعملُ، بمَسارٍ مُتوازٍ، على  تطويرِ قُدرةِ السوقِ على إستيعابِ الخريجين، والحَدِ من البطالةِ وَوقفِ هجرة العقولِ والكَفاءاتِ، بالتكاملِ وتنسيقِ العَمل، مَع مُؤسساتِ القِطاع الخاص والمُجتمع المَدنيّ، بما فيها الجامعات، لتتحدَ كُلُ الجُهودِ وتتكاتف، لبِناءِ إقتصادِ ومُجتمعِ المَعرفةِ القادر على تحقيقِ التنميةِ الوَطنيةِ المَنشودةِ، ومواجهةِ كافةِ التحديات الإقتصاديةِ والإجتماعيةِ.

وأتمنى على كافةِ الجامعاتِ توسيعَ تخصصاتِها وبَرامجِها، وتكثيفَ بَرامجَ البعثاتِ والإيفادِ للخارجِ في إطارِ التبادل العلميّ والمعرفيّ، وتطويرِ ثقافةِ ومهاراتِ البحث والتقصي العلميّ، لتعزيزِ مُساهمتِنا في توليد وإنتاج المعرفة عَربياً ودَولياً، وتوطينِ المَعرفةِ والتعلُمِ والخبرات.

 

أبنائي وبناتي الخريجين

الحُضورُ الكَريم،،

إننا نَعملُ على أكثرِ من مَسارٍ وصَعيد للإنتصارِ لحقوقِ شعبِنا المَشروعةِ، وصُنعِ مُستقبلٍ مُشرق لَكُم، ولأبناءِ وبناتِ فِلسطين، فالقيادةُ الفِلسطينيةُ، وعلى رأسِها سيادةُ الرئيس الأخ محمود عَباس، تَضطلعُ بِمهامِ تكريسِ هويتِنا الفِلسطينيةِ على كُلِ شِبرٍ من أرضِ وَطننا، وحشدَ الرأيِ العالميّ لضرورةِ إنهاءِ الإحتلالِ الإسرائيليَّ عنها، وإقامةِ دَولةِ فلسطين، بَينما يَتلخصُ عَملُ حكومةِ الوِفاقِ الوَطنيِّ، في الضفةِ الغربيةِ وغزة، في تمكينِ أبناءِ شعبِنا في أرضِهِمِ وتثبيتِهِم فيها، وتنميةِ قُدرتِهم على الصُمودِ والبقاءِ، وتمكينِ مؤسساتِنا وتعزيزِ جاهزيتِها لإدارةِ شؤون دَولتِنا ورِعايةِ مصالحِ مواطنيها. وتتقاطعُ مَهامُ جامعاتِنا الوَطنيةِ مع هذهِ الرِسالةِ، فهي تُقومُ على تمكينِ مُجتمعٍ إنسانيٍّ مُتطورٍ ومُنتجٍ وفاعلٍ، يَرتبطُ بأرضِهِ وتُراثهِ الحضاريِّ والوَطنيِّ، ويُجِسدُ هويتَهُ الوَطنيةَ الجامعةَ ويُحافظُ عليها، ويَضعُ خبراتِهِ وإمكانياتِهِ في خِدمةِ وبِناءِ وَطنِهِ.

 

وفي هذا المجال، فإننا ننظرُ اليومَ إلى جامعةِ بيرزيت، وهي تَنقلُ للعالمِ، ومِن محفلٍ عربيّ لآخرَ دوليّ، قصةَ نجاح أبناءِ شعبِنا وإصرارِهم على التميزِ والإبداعِ ورَفعِ إسمِ فِلسطين عالياً. فقد حَصدتْ العديدَ من الجوائزَ، واحتلت مَراكزَ مُتقدمةً في مُنافساتٍ عالميةٍ. وكانَ آخرَها، فوزُ فلسطين، مُمثلةً بجامعةِ بيرزيت بالمرتبةِ الأولى على مُستوى العالم العربيّ، بمسابقة كأس التخيل، بفئةِ الابتكارِ التكنولوجيَّ التي نظمَتها شركةُ مايكروسوفت في المنامة.

 

هذا هوَ التمكين الذي أتحدثُ عَنهُ، أيها الأخوات والأخوة، والذي نتحولُ مِن خِلالِهِ، إلى شعبٍ ديناميكيٍّ رائدٍ ومُبدعٍ، يَحملُ قضيتَهُ ويُجسدُ هويتَهُ في كُلِ نجاحٍ وإبتكار، وفي كافةِ المنابرِ. فالعالمُ لَن يهتمَ بشعبٍ ضعيفٍ غَيرِ مُنتجٍ أو مُبادرٍ، مهما كانتْ قضيتُهُ عادلةً. وَنحنُ نتطلعُ إلى أنْ يُسهمَ كُل واحدٍ مِنكُم في بِناءِ دولةِ فِلسطين وصُنعِ غَدِها ومُستقبلِها. 

 

ونَحنُ نتحدثُ عن مَكانةِ وإنجازات هذا الصَرح الأكاديميّ المُميز، لا بُدَ أن نقفَ عندَ الدور الوَطنيَّ الرائدِ الذي إضطلعَ بِهِ الأخُ الصديقُ د. حنا ناصر، أولُ رئيسٍ لجامعةِ بيرزيت، الذي بِعمِلهِ المُتفاني المُخلص، كرَس المكانةَ الأكاديميةَ الوَطنيةَ والدَوليةَ المَرموقةَ لهذهِ الجامعةِ بأجوائِها الديمقراطيةِ الليبراليةِ المُنفتحةِ وعطائِها الأكاديميّ المؤثرِ. وأؤكدُ لَكُم تثمينَ سيادة الرئيس الأخ محمود عباس، للإنجازاتِ التي حَقَقَها د. ناصر، وكافةُ المُربين الأوائل وروادُ العَمل التربويّ، للنهوضِ بالتعليم العالي الفلسطينيّ وتطويرِ مُخرجاتِهِ، ونَشرِ حُريةِ الفكر ومقاومةِ الإحتلال الإسرائيليّ ومُمارساتهِ القمعيةِ، وحِمايةِ مشروعِنا الوَطنيّ التَحَرُريّ.

 

في نِهاية كلمتي، أتوجهُ بِكلُ الشُكر والتقديرِ، وبصفةٍ خاصةٍ وشخصيةٍ للأخ الدكتور خليل الهِندي، على الجُهود التي بذلها خلالَ السنوات الخمس الماضيةِ، للنهوضِ بهذهِ المؤسسةِ الرائدة، وتطويرِ برامجِها وإستحداثِ العديدِ من التخصصات النوعيةِ، وإدارةِ المواردِ المُتاحةِ بكفاءةٍ وفعاليةٍ، كَما كان لَهُ دَوراً هاماً ومِحورياً في تكريسِ حُضورِ جامعةِ بيرزيت في المحافلِ والمؤتمرات المحليةِ والدَوليةِ. أتمنى للدكتور خليل، النجاحَ في حَياتِه وعملِه بعد تركِ مهامِ منصبه من رئاسةِ الجامعة.

 

وأتمنى لخريجينا المَزيدَ من التوفيقِ، والإنخراطِ الفاعلِ في بناءِ دَولةِ فلسطين المُستقلة كاملةِ السيادةِ، على حُدود عام 1967، والقُدسُ عاصمتُها الأبديةُ، وغزة قلبُها النابضُ بالأملِ والحياة.

 

وفقكُـم الله وسددَ خُطاكُم،