دفاتر السجن في بيرزيت يستضيف الأسيرين المحررين حاتم شنّار وجلال رمانة

عقد مساق دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة في بيرزيت  ندوة بعنوان  "الزمن والوقت في السجون الصهيونية: أسئلة الوجود والأمل"، واستضاف فيه الأسيرين المحررين حاتم شنار وجلال رمانة للحديث عن  إدارة الوقت والإحساس بالزمن في سجون الاحتلال الصهيوني، وعن "برنامج العمل المجدي". ويأتي ذلك  ضمن الندوة الخامسة من  سلسلة ندوات الحرية العامة التي ينظمها المساق، والفعالية الثامنة من مجمل فعالياته.

والأسيران المحرران  المستضافان يمثّلان خطًّا زمنيًا متواليًا لتاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة من البدايات الى الوقت الحالي، حيث سجن حاتم شنار في أواخر الستينيات وأفرج عنه في منتصف الثمانينيات، في حين أنّ جلال رمانة قد سجن في عام 1998 وانتهت فترة محكوميته في عام 2013  بعد 18 عامًا من السجن منها3  سنوات في الانتفاضة الأولى. ويمثلان أيضًا كغيرهما من الأسرى الفلسطينيين تاريخًا فدائيًا افتدوا فيه بأعمارهم أعمارَنا، نحن الذين  خارج المعتقل، كما يعقّب د. عبد الرحيم الشيخ؛ أستاذ المساق ومنظّم فعالياته.

 

وحاتم شنار أحد الأسرى الفلسطينيين القدماء الذي عاصروا فترات الاعتقال الصهيوني الأولى في السبعينيات والثمانينيات، فقد اعتقل في عام 1969 على خلفية مشاركته ورفاقه في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في الترتيب لتنفيذ عملية فدائية في الحرم الغربي  للجامعة العبرية وبالتحديد في كافتيريا الجامعة، وحدث ذلك في اليوم المؤرخ ب 6 آذار من عام 1969. وهي الجامعة المقامة على أنقاض تلة الشيخ بدر و التابعة لأراضي قرية لفتا المهجرة في العام 1948. وقد جرى اعتقال شنار بعد العملية بأسبوع وحكم عليه بالسجن المؤبد، ولكن افرج عنه في عام 1985 في "عملية تبادل الجليل" بين  الجبهة الشعبية_ القيادة العامة وحكومة الاستعمار الصهيوني. وله كتاب اسمه "خمس نجوم تحت الصفر" أسهب وتعمق فيه بالحديث عن تجربته في السجن في فترة حساسة ومهمة من عمر الحركة الفلسطينية الأسيرة.

 

وتحدث شنار عن تجربته في الأسر في البدايات والتي كانت بدايات مريرة ولما تزل، إذ امتازت السياسات الصهيونية بالبطش والقمع المكثف والإيذاء الجسدي والنفسي بحقّ الأسرى وخاصة في سجن عسقلان الذي كان مخصصًا آنذاك لذوي الأحكام العالية، إلى درجة تصل بإدارة السجن  إلى محاولة اغتيال بعض الأسرى والاستفراد بالطليعة منهم  ومنع زيارات الأهالي عنهم والرسائل والراديو والحيول دونهم ودون العالم الخارجي بالمطلق. وفي كتابه "خمس نجوم تحت الصفر" أسهب  وتعمّق في الحديث عن هذه التجربة .

وقد دار مجمل حديث شنار حول دور الحركة الفلسطينية الأسيرة في تطويع الزمن القاسي داخل السجن، وإحكام قبضتها عليه في أعمال من شأنها أن تحوّله الى زمن مُجدٍ كتنظيم البرامج الثقافية والتعليمية  للأسرى باستمرار والتي ابتدأت في أوّلها بالتثقيف الشفوي، والتي ركزت في برامجها وفعالياتها على التعليم الوطني وزيادة الوعي بالقضية الوطنية الفلسطينية وبأساليب النضال. وكما يسرد شنّار فقد استخدم الأسرى في هذه المرحلة مغلفات ورق السجائر للكتابة عليها وتداولها بين الأسرى كوسيلة تعليم، وكوسيلة لإصدار الصحف الفصائلية التي كانت تصدر بانتظام والتي يشرف على تحريرها الاسرى بأنفسهم والتي ساهمت . وتأتي هذه الإجراءات في استغلال الأسرى لوقت السجن ليكون لهم لا عليهم ردًّا على السياسة الفاشية الصهيونية تجاه الأسرى والتي تهدف الى قتل معنوياتهم وقتل وقتهم باستغلاله في ممارسات تهدف إلى "إفراغ الأسرى من مضمونهم الإنساني"، وذلك بتشغيلهم بأعمال يدوية و انتاجية للماكنة الصهيونية دون أي مقابل وفائدة سوى رؤيتهم للشمس المحرومين منها حقيقة ومجازًا. وبناء على ذلك فقد رفضت الحركة الأسيرة في ذلك الوقت الخدمات الانتاجية التي تخدم الماكينة الصهيونية وأبقت على عملها في الأعمال الخدماتية التي تخدم الأسرى، كالعمل في مطبخ السجن.

ويضيف أنّ البرامج الثقافية التي نظمتها الحركة الأسيرة  كان لها الدور الأبرز في تمتين بناء الحركة الأسيرة وتقوية العلاقات بين الأسرى على اختلاف  توجهاتهم الفكرية والحزبية وزيادة وعيهم الوطني والحزبي السياسي ممّا أهلهم لدراسة موضوع انتسابهم للدراسة في جامعة بيرزيت، ولكنهم حين أدركوا أنّ إدارة السجن تهدف إلى أنْ يكون انتسابهم شكليًّا ودون مضمون تعليمي حقيقي، رفضوا هذا الانتساب وركزوا على استغلال وقتهم المجدي بالتعلم والتعليم والإنتاج المعرفي والفني كالنحت والرسم والغناء والتمثيل.

 

في حين تطرّق الأسير المحرر جلال رمانة المنحدر من مدينة اللد ومن سكان مخيم الأمعري، الى تجربة دراسته في الجامعة العبرية، وهو خريجها بدرجتي البكالوريوس والماجستير؛ وعن العلاج في مستشفى هداسا وتحت رقابة جهاز الشاباك؛ وعن رفاقه الشهداء في السجن. وقد اعتقل رمانة في عام 1998 بعد انفجار سيارة مفخخة  قبل ميقاتها، وكان يقودها للتفجير عند مقر الحكومة الصهيونية في مدينة القدس وأحدث ذلك بترًا في أصابع يديه وحروقًا بالغة الخطورة في جميع أنحاء جسده. ويكأنّها ترمز للحروق المحدثة في جسد القضية الفلسطينية والتشوهات التي لحقت بالمشروع التحرري الفلسطيني، لكون الأسرى يشكلون الرئة للقضية الفلسطينية والشهداء قلبها.

وتحدث رمانة عن انتسابه للجامعة العبرية التي ابتدأت في عام ال 2000 والتي كان شرط الانتساب اليها فقط يكمن في  اتقان اللغة العبرية، وعن الصعوبات  التي واجهها في إمساكه للقلم بسبب البتر الحاصل في أصابع يديه. وقد أنجز خلال فترة سجنه 5 كتب، منها كتاب التربية الحضارية وثبات الديموقراطية في الحالة الفلسطينية، و كتاب  الصهيونية الى أين، وكتاب الحركة الإسلامية والديموقراطية وقد صدر هذا الأخير عن مؤسسة مواطن بعد حصوله على منحه بحث. هذا بالإضافة إلى روايتين لم تنشرا بعد، هما "عض الأصابع في سجون اليهود"وهي عن اضراب عام 2012، و رواية "أنا رجل البيت" عن قصة ابن المخيم الذي يرتدي الحزام الناسف ويتوجه الى معسكرات العدو، وفيها تبطين لقصته الشخصية. ومن الجدير بالذكر أنّه وبعد صفقة شاليط في العام 2011 جاء القرار من نتنياهو بمنع الدراسة في الجامعة العبرية.

 

ويقول رمانة " إننا أغظنا أعداءنا بدراستنا في الجامعة العبرية". وهنا تأتي المفارقة والتوافق في ذات الوقت بين تجربة حاتم الشنار  النضالية في الاشتراك والترتيب لتفجيرات داخل الجامعة العبرية في سلسلة من التفجيرات الفدائية التي استهدفتها من اواخر الستينات حتى انتفاضة العام 2000  وبين تجربة رمانة في التعليم فيها والاستفادة منها فيما ينفع القضية الوطنية،  وما يستظهره ذلك من نضال على كافة المستويات والصعد داخل الأسر وخارجه حيث يستغل المقاتل وقته بعمل مجدٍ ونضاليّ  يضرب فيه العدو في عقر داره في سجنه وفي عقر قلعته التعليمية في الجامعة. فيُضرب بالسلاح نفسه الذي يَقتل فيه.