بدء أعمال مؤتمر مواطن السنوي الـ28 " فاعلو التغيير المجتمعي: تضييق مساحات العمل واستراتيجيات الصمود "

انطلقت فعاليات مؤتمر معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان - جامعة بيرزيت، صباح يوم الجمعة الرابع عشر من تشرين أول 2022، في دورته الثامنة والعشرين، بعنوان " فاعلو التغيير المجتمعي: تضييق مساحات العمل واستراتيجيات الصمود "، بترتيب هجين في حرم جامعة بيرزيت وعبر الفضاء الإلكتروني، وذلك بمشاركة العديد من الباحثين والأكاديميين من أنحاء العالم. حيث يعالج مؤتمر مواطن الثامن والعشرون قضية تضييق مساحات العمل على فاعلي التغيير المجتمعي، ومحاولات العمل واستراتيجيات الصمود، على الصعيد الفلسطيني خصوصاً، والصعيدين الإقليمي والعالمي عموماً. إذ يسعى المؤتمر إلى تحليل وتأطير المفاهيم النظرية المرتبطة بمساحات العمل لفاعلي التغيير المجتمعي، وفعل التغيير الاجتماعي ضمن الحيز العام، من خلال تسليط الضوء على مساحات وأطر العمل المجتمعي في فلسطين، وآليات تعزيز استراتيجيات صموده، واستعراض ذلك من خلال قضايا عملية وحالات دراسية.

وفي الكلمات الافتتاحية للمؤتمر أولها كلمة مديرة مؤسسة هنرش بل مكتب الأردن وفلسطين الأستاذة دورثي سيغاموند، رحّبت من طرفها بالحضور في فلسطين وخارجها، وعبرت عن مدى أهمية استدامة دعم هنرش بُل لانعقاد مؤتمر مواطن منذ 28 عاما حتى هذا اليوم، وأن المواضيع المطروحة في غاية من الأهمية كما هو في العنوان "فاعلو التغيير"، بدءا من العمل التي تقوم به مؤسسات المجتمع المدني في مواضيع العدالة والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان والديمقراطية والمشاركة السياسية والعامة للأقليات، في مقابل السياسات العالمية الضاغطة على مساحات التغيير المجتمعي، وشكرت جامعة بيرزيت كونها جامعة رائدة بطرحها هذه المواضيع ولاستضافتها المؤتمر.

وألقى بدوره رئيس لجنة المؤتمر الأستاذ جميل سالم  كلمته الترحيبية للمؤتمر، وأشار أن مواضيع المؤتمر تتمحور حول التنظيم المجتمعي بالتركيز على مساحات العمل لفاعلي التغيير الاجتماعي ضمن الحيز العام، للإجابة على عدة تساؤلات حول إمكانية التنظيم المجتمعي والسياسي في ظل سياسات الإقراض والنيوليبرالية  المحلية والدولية وفي ظل سيطرة القيم الفردانية وغيرها من التحديات، حيث تتعرض الحركات الاجتماعية والسياسية للابتزاز والقمع والتضييق والخنق في معظم البلدان، وليس فقط الدول الاستبدادية أوالسلطوية حتى في الدول الصناعية والغربية، ومن خلال جلسات المؤتمر يحاول عرض مجموعة من الحالات والمبادرات الساعية للتغيير والتي تثير أسئلة حول أدوات التمرد والصمود في ظل الممارسات السلطوية والنيوليرالية السائدة في العديد من دول العالم. وشكر فريق العمل للمؤتمر والحضور ودعم مؤسسة هينريش بُل في فلسطين والأردن.

في الجلسة الأولى تحت عنوان "فاعلو التغيير المجتمعي ونطاقاته" التي ترأسها الاستاذ جميل سالم عضو الهيئة الأكاديمية في جامعة بيرزيت، الورقة الأولى للدكتور مضر قسيس مدير مبادرة كرامة وعضو الهيئة الأكاديمية في جامعة بيرزيت، بعنوان "الثورة المضادة تستبق الثورة: استلاب الحيز العام، واستيطانه، والنزوح عنه" ، تناول فيها مفهوم الحيز العام كمفهوم مجرد يطلق على النطاق الذي تحدث فيه مجموعة من التفاعلات  غير الملموسة والتي ترسم حدود الحيز العام، وأن الصراعات الاجتماعية بشأن تغيير الواقع أو الحفاظ عليه وتعزيزه، وبشأن اتجاه تغييره هي بالضرورة، صراع حول الحيز العام. ولما كان كل فعل تغيير يعيد تشكيل الحيز العام، فإن اتساع العام هو الدلالة على أثر الفعل. وأن عمليات تضييق واستلاب الحيز العام، هي أدوات القوى الاجتماعية الرجعية والمحافظة، المستفيدة من الوضع الراهن. وكيف يتم توجيه تقنيات القمع لمنع نشوء فعل التغيير، أو إعادة توجيهه نحو هدف آخر أو القيام بفعل مضاد لفعل التغيير. 

وفي الورقة الثانية تناولت الدكتورة رُلى أبي حبيب - خوري عضو الهيئة الأكاديمية في علم الاجتماع، ومديرة مركز دراسات العالم العربي الحديث (CEMAM) في جامعة القديس يوسف في بيروت؛ "ثوّار بلا ثورة" وبدأت ورقتها بالعنوان بأنه " ليس اتّهام بل ملاحظة"، وتجادل فيها أن تقلّص مساحات التغيير الناتج عامة من سياسات القمع، نابع من تناقضات الثورة (الغائبة) وعدم قدرتها على تحديد الأولويات. فتطرح الورقة تساؤلات تتعلق في الفترة الأولى من الانتفاضة الشعبية التي بدأت في لبنان في تشرين الأول للعام ٢٠١٩ وما رافق انفجار مرفأ بيروت، من انهيار العملة المحلية وانقطاع الخبز والدواء، والنازحين السوريين والغاز وترسيم الحدود البحرية، حيث يكاد ينحصر النقاش في مسألة حزب الله "والاحتلال الإيراني"، فكان فهم لماذا تأخرت الثورة في لبنان وتحركها في ذلك الوقت بالذات.

وفي الورقة الثالثة التي بعنوان "نزع التسييس: انكماش الفعل مع انكماش الحيز لكبح فواعل التغيير الاجتماعي" قدمها الأستاذ أحمد اللحام الباحث في معهد مواطن، ناقش فيها  مفهوم اللاتسيس والذي قامت النُظم النيوليبرالية بتعزيزه عبر السيطرة على الحيز العام، وتقليص مساحة العمل امام الفواعل الاجتماعية الساعية للتغيير المُجتمعي وعبر تحديد مساحات الاشتغال بما تشكله الدولة وتعبيراتها النيوليبرالية، ويأتي تقلص المشاركة السياسية الفاعلة لقوى التغيير بالتوازي مع توغل النظم النيوليبرالية والشركات وتعميق الطريق أمام نزع الصفة السياسية عن العمل والتغيير المجتمعي.

الجلسة الثانية كانت بعنوان: تجارب وحالات فلسطينية " والذي ترأسها الدكتور رشاد توام وهو أستاذ وباحث غير متفرغ في جامعة بيرزيت، والورقة الأولى قدمتها الأستاذة جاودة منصور وهي مهندسة وباحثة فلسطينية بعنوان "امرأة  تنهض كصانعة تغيير مجتمعي في جنين: تحديات وآفاق". تناولت منصور في ورقتها التراث الثقافي كوسيلة لتعزيز الصمود، وبوصف الصمود عمل جماعي وآليات اشتغال لا بوصفه مفهوماً مجرداً وذلك من خلال استعراض تجارب لجمعيات قاعدية تشتغل على قضايا النساء والشباب الأكثر تهميشاً. وتحديداً تجربة " نساء من اجل النساء" في جنين وكيف عملت النساء في هذا السياق من انعدام الموارد والدعم على تمكين النساء، والفتيات، وكيف طورت النساء في هذه الحالة أدوات للصمود وللتعامل مع تجاربهن المؤلمة في مناطق تتعرض لاستهداف مستمر.

 والورقة الثانية بعنوان "السيطرة الاستعمارية ومقاومتها: الفوضى المشتبكة مقابل التسهيلات في جنين "قدمها الدكتور إبراهيم ربايعة باحث وأكاديمي في العلوم السياسية والاقتصاد السياسي، أشار فيها إلى مجموعة البرامج والمشاريع والآليات التي تم التعامل بها مع مدينة جنين بعد انتهاء الانتفاضة الثانية وذلك من اجل دفع المدينة إلى استقرار وهدوء نسبي عبر برامج ومشاريع وعبر الدفع باتجاه انشاء مكونات مجتمعية تسعى للاستقرار والهدوء من رجال اعمال وتجار وعبر فتح المجال امام تسهيلات لأهالي جنين، بينما بقي المخيم خارج هذه المعادلة وظل مساحة للاشتباك والفعل المناضل وعلى الرغم من توسيع رقعة التسهيلات لتستقطب المخيم إلا أنها لم تنجح، بل شكّل مخيم جنين مُقاربة سياسية ثورية في الاشتباكات الفعلية بين شباب المخيم وجيش الاحتلال الإسرائيلي، وسماها الدكتور ربايعة "فوضى مُشتبكة" شباب بدون تنظيم يصعب على الاحتلال مواجهتها بالأساليب التقليدية كالحصار والإغلاق والاستهداف، وشكلوا رموزا تعبر عنهم وتشبههم.

أما الورقة الثالثة والأخيرة لليوم الأول كانت للأستاذ عصام يونس مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة، بعنوان "فاعلو التغيير ومساحات العمل في غزة" شرح فيها كيف عملت دولة الابارتهايد الكولونيالية على تفتيت المجتمع الفلسطيني وعزله عن بعض البعض، وفرض هموم خاصة لكل منطقة حتى تتعامل معها على حِدَة، وكيف تحكمت بأدق تفاصيل الشعب الفلسطيني، وكيف حاولت ان يتم تحويل الوضع في غزة على اعتباره وضع انساني لا سياسي وجعل الوضع في غزة حالة متفردة، وكيف ساهم ولازال يساهم الانقسام في تعزيز الوضع وتفتيته في القطاع، فحكومة الأمر الواقع في غزة تتحكم في الفضاء العام بشكل كبير والمنوط بها، مثل الأمن والخدمات وهي طرف أساسي في شكل التعامل مع غزة في العمل وتخصيص الموازنات للوظائف، والطرف الثالث الذي يتحكم في تفتيت غزة هو المجتمع الدولي بالتمويل والشروط والانشغال بهموم المعبر والكهرباء والحصول على الوظيفة والخدمة فقط للبقاء على قيد الحياة، فأي تغيير يمكن الحديث عنه.

واستُكملت أعمال المؤتمر بجلسة رقمية مسائية بعنوان "التحرر والحركات الاجتماعية" أدارت الجلسة الأستاذة ريم البطمة، وشملت الجلسة ثلاثة أوراق؛ الورقة الأولى قدمها الدكتور رائف زريق وهو باحث وأستاذ مختص في الفقه، حاصل على الدكتوراه في القانون من جامعة هارفرد، بعنوان "تفنيد مفهوم معاداة السامية،" ناقش فيها الحالة منذ تبني التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست (IHRA) ، وكيف شنت إسرائيل هجومًا مخططًا واستراتيجيا على الأكاديميين الداعمين للقضية الفلسطينية. أما الورقة الثانية عرضها الدكتور ايميليو ظبيط وهو محام فلسطيني تشيلي بعنوان "النشاط القانوني الفلسطيني: بين التحرر و"الرغبة" في إقامة دولة"، تناول فيها الحاجة الملحة للتعامل بجدية مع تحول الحركة الفلسطينية إلى القانون وعواقبه المحتملة على التحرر السياسي. حيث أن الهدف من هذا التحليل ليس الدعوة إلى التخلي عن خطاب القانون والحقوق، بل الدخول في نقاش ضروري حول المفارقات والغموض والكمائن التي يقدمها القانون.

والورقة الأخيرة قدمتها الدكتورة كاميلا فيرغارا وهي  ناقدة نظرية قانونية، ومؤرخة، وصحافية، بعنوان "دستور جديد أو لا شيء: تجربة الثورة العامة في تشيلي" عرضت فيها العملية التأسيسية التي تبعت الانتفاضة الشعبية في تشيلي من منظور عام، من خلال تحليل النضال نضال الشعب لصياغة القوانين الأساسية "من الأسفل" بشكل مستقل عن الدولة والأحزاب السياسية. كما تسلط الضوء على الدروس المستفادة من هذا الحدث التأسيسي المستمر من حيث ذخيرة الخلاف، والقمع المستخدم في العامين ونصف الماضيين، وحدود الآليات التشاركية التي يمكن أن يستخدمها الناس للتأثير على صياغة المعايير الدستورية ووعود الدستور الجديد المتعلق بممارسة السلطة الشعبية المباشرة.

يُشار إلى أن أعمال مؤتمر مواطن السنوي ستستمر إلى يوم غد السبت الخامس عشر من تشرين أول 2022، لاستكمال فعالياته.