في يوم التعليم الدولي: مختصّون من جامعة بيرزيت يتحدثون عن التعليم أثناء جائحة كوفيد-19 وما بعدها

عام 2015، أعلنت الأمم المتّحدة اعتماد أعضاءها لأهداف التنمية المستدامة 2030، ما دعا الدول إلى تكثيف جهودها لتحقيق هذه الأهداف أو بعضاً منها من أجل القضاء على الفقر وتقديم تعليم أفضل للجميع والقضاء على انعدام المساواة وتحقيق النمو الاقتصادي وعلاج السلسلة من الحاجات الاجتماعية كالتعليم والصحة وغيرها. لم يدرك العالم آنذاك أن الدول، بما فيها من مؤسسات، ستضطر إلى مواجهة جائحة كورونا التي فرضت تغييرات جذرية على كافة مناحي الحياة، لاسيما قطاع التعليم، وزادت من الحاجة لتخطي آثارها لاستمرار تقديم تعليم جيد ومنصف وشامل للجميع.

وتحت شعار "استعادة وتنشيط التعليم لجيل كوفيد-19"، احتفل العالم باليوم الدولي للتعليم في 24 كانون ثاني الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة، إيماناً بدور التعليم في بناء مجتمعات قوية ومستدامة. جاء ذلك في الوقت الذي تواجه في جامعات العالم، ومنها جامعة بيرزيت العديد من المعيقات في مسارها الطبيعي في عملية التعليم والتعلم، فاستجابت الجامعة للحاجة الطارئة والملحة التي تطلّبها الإغلاق وتحولت من التعليم الوجاهي إلى الإلكتروني. في تجربة جديدة للجميع. فماذا فعلت جامعة بيرزيت للحفاظ على مستوى أكاديمي عالٍ خلال هذه الفترة، وكيف أخذت بعين الاعتبار الحالة الخاصة لفلسطين التي لازالت تخضع للاحتلال الإسرائيلي؟

تخطيط متأن لتعليم إلكتروني فعّال

قبل حوالي عام، توقف التعليم الوجاهي بالكامل نتيجة لإجراءات الطوارئ القاضية بمنع تفشي فيروس كورونا. تأثر الطلبة الفلسطينيون وأساتذتهم بهذا التغيير المفاجئ، وما كان على أصحاب القرار في جامعة بيرزيت إلّا مواكبة هذه التغيرات الطارئة والتوجه إلى التعليم الالكتروني من أجل إنهاء العام الأكاديمي ومواصلة المسيرة التعليمية والتعلمية.

يقول نائب رئيس الجامعة للشؤون الأكاديمية د. خالد صويلح: "إن عملية الانتقال المفاجئ من التعليم الوجاهي الى التعليم الإلكتروني مثلت أكبر تحد للجامعة في السنوات الأخيرة، حيث وجدت الجامعة (والجامعات حول العالم) نفسها أمام وضع صعب غير مستعدة له، أو مهيأة له بشكل جزئي. مع بداية أزمة كورونا، وفي ظل التوقع باشتدادها وامتدادها لفترة طويلة، كان لا بد من اتخاذ خطوات حثيثة وجريئة لإنقاذ العام الدراسي والخروج بأقل الخسائر الممكنة".

من ناحية أكاديمية، يوضح د. صويلح أن الجامعة قامت بتعديل البرامج وتأجيل المساقات العملية في البداية، إلى أن استطاعت في الفصل الثاني من تبنّي نظام التعليم المدمج من أجل مواصلة التكيف مع السياق الاستثنائي الذي نتج عن الأزمة. وفي أيام السبت والأربعاء من كل أسبوع يلتقي طلبة المساقات العملية في كليات العلوم، والهندسة والتكنولوجيا، والفنون والموسيقى والتصميم، في حرم الجامعة، في صفوف لا يتجاوز عدد طلبتها 12 طالباً وطالبة.

أما على مستوى البنية التحتية، فيقول د. عزيز شوابكة، مساعد رئيس الجامعة، بأن هذا الوباء كان مفاجئاً في النقلة السريعة إلى العالم الافتراضي على الرغم من وجود محاولات سابقة لاستخدام التعليم الالكتروني في بعض الحالات. ويضيف

"إن التجارب السابقة لم تكن كافية، ولم تكن جاهزة لأن تكون معمّمة على جميع الطلبة في جميع البرامج. ولكن، مع قرار الجامعة بالتحول إلى التعليم الإلكتروني، استثمرنا في شراء خوادم إنترنت على سبيل المثال، ومن خادم واحد، أصبح لدينا خمسة".


كان لا بد للجامعة من أن توائم ما بين الحاجات التكنولوجية والأكاديمية حتى تكون هذه التجربة ناجحة قدر المستطاع، وحتى لا يحرّم أي من الطلبة من حقه في التعلّم.

اغتنام الفرص

لقد دفعت الجائحة العالم إلى اغتنام الفرصة لتطوير نظم التعليم لتكون قادرة على التكيف مع المتغيرات وبالتالي تحقيق تنمية منصفة ومستدامة. وفي هذا السياق، يبيّن د. صويلح ود. شوابكه أن الجامعة لم تقف فقط على تعديل خططها الأكاديمية، وتوجهاتها الاستثمارية نحو الجانب التكنولوجي، حيث أشار د. صويلح أنه "تم الانخراط بعملية تدريب تدريجية، فنجحت الجامعة في الأسبوع الثالث من الاغلاق، أي بداية الفصل الثاني من العام الأكاديمي 2019-2020، من إدماج حوالي 90% من الأساتذة في مجالات التعليم عن بُعد."

ووصف د. صويلح أن هذه التدريبات كانت الأكبر من نوعها في تاريخ الجامعة، وكانت تهدف إلى تمكين الأساتذة من التحول للتعليم الالكتروني بكفاءة مع الحفاظ على حد معقول من الجودة الأكاديمية. وقد واصلت الجامعة تطوير مهارات الأساتذة في التعليم الالكتروني خلال الفصل الصيفي ومع بداية العام الأكاديمي 2020-2021 كما يبين د. شوابكة.

وأشاد د. صويلح بدور وحدة التطوير الأكاديمي وأصحاب الخبرة في التعليم الالكتروني، الذين قدموا هذه التدريبات، وعززها آخرون بمجموعة من الفيديوهات التعليمية حول التعليم الالكتروني واستخدام أنظمة التعليم عن بُعد، مثل نظام ITC.

بدوره، يقول د. شوابكة "لقد حاولت الجامعة توفير أجهزة لوحية وحواسيب محمولة للأساتذة، إلى جانب توفير أرقام هواتف لمن يستطيع من الجامعة المساعدة على المستوى التكنولوجي". ولفت د. شوابكة إلى أنه إلى جانب توفّر معظم الاحتياجات التكنولوجية والتدريبية لدى الأساتذة، لا بد أن يكون لديهم شغف في هذا المجال ورغبة في التعلّم وتوسيع المعرفة في مجال التعليم الالكتروني والاستفادة من المصادر المفتوحة التي باتت متاحة للجميع عبر الانترنت.

الجائحة والفجوة بين الطلبة الأقل والأكثر حظاً

وعلى الرغم من هذه التجهيزات، إلّا أن الجائحة زادت الفجوة ما بين الطلبة الأقل والأكثر حظاً، وأولئك ممن لديهم ضعفاً في المهارات الرقمية وعدم قدرتهم للوصول إلى ما يلزم من معدات للاستفادة من حلول التعلم عن بعد. وتظهر هذه القضية في الجامعات الفلسطينية، وأبرزها جامعة بيرزيت، كوْنها من أكثر الجامعات تنوعاً في جسمها الطلابي.

وفي هذا الإطار، يؤكد د. أباهر السقا، مدير مركز دراسات التنمية في الجامعة، على وجود فروقات اقتصادية واجتماعية ومكانية مرتبطة بالمنعزلات الجغرافية التي قامت سلطات الاستعمار على تكريسها عبر الحواجز العسكرية ومنع الترابط الجغرافي مما ينعكس على تفاوت في البنى التحتية وفى الموارد الاقتصادية لدى مجموعات من السكان تلعب فيها عوامل داخلية فلسطينية ولكن العوامل الأكثر تأثيرا هي نظام الفصل العنصري وإقامة المنعزلات والجدار وتقطيع الأوصال الجغرافية والحواجز والاعتقالات التي تطال الطلبة والأساتذة والمداهمات. لذلك، تكون فرصة تحقيق عملية تعليمية منصفة وشاملة للجميع في فلسطين وهي لا تزال تحت الاحتلال".

وهنا، يقيّم د. السقا تجربة الجامعة في الانتقال من التعليم الوجاهي إلى الالكتروني من حيث مراعاتها للاحتياجات الفردية للطلبة وظروفهم بأنها إيجابية إلى حد ما، وفسّر "حاولت الجامعة التأقلم مع سيرورة الانتقال من التعليم الوجاهي الى التعليم الإلكتروني، ومحاولة التخفيف من الفروقات الفردية المرتبطة بالتفاوتات الاقتصادية والاجتماعية للطلبة. من المؤكد أن الجامعة حاولت ولكن ما زالت ثمة فروقات واضحة في الوصول لبعض الفئات من الطلبة للمعلومة وللمساواة في تلقى التعليم الإلكتروني وهذا يعود لفروقات مرتبطة بالمكان وبالفروقات السوسيو-اقتصادية والتفاوت بين المناطق وظروف العيش الأسرية للطلبة. ولكي تصبح هذه المساعي أكثر نجاعة يجب تحويلها من ممارسات لحظية مرتبطة بالتأقلم مع الحدث الى ممارسات تعمل على إحداث تغيرات تبني سياسات جديدة على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المجتمع الفلسطيني بشكل عام".

وأشار د. صويلح، أنه عمادة شؤون الطلبة ووحدة الإرشاد النفسي في الجامعة قد عملت على متابعة العديد من القضايا المتعلقة بالظروف المعيشية للطلبة وإحالة بعض منها إلى الشؤون الاكاديمية للمتابعة والمساعدة. ويضيف "يصلنا ملاحظات مباشرة من الطلبة والأهالي ومن الأساتذة أيضا. نحاول بقدر الإمكان وحسب الإمكانيات المتاحة مساعدة الجميع على حل مشكلاته في ظل هذه الظروف الصعبة".

ويقول د. صويلح: " لتخفيف الضغط النفسي على الطلبة، ولأن التعليم الالكتروني لا يضاهي الوجاهي في جودته، فقد اتخذت الجامعة عدة قرارات أكاديمية لصالح الطلبة منها علامات ناجح/ راسب، وتجميد تعليمات التحذير والفصل، وإعفاء الخريجين من استكمال ساعات العمل التعاوني وغيرها".

الابتكار في التعليم... رب ضارة نافعة!

لقد حفزت الأزمة الابتكار داخل قطاع التعليم، وباتت الجامعات تبتكر نهجاً جديدة لتدعم استمرارية التعليم والتدريب: من مجموعات الفيسبوك، إلى الفيديوهات التعليمية وغيرها من الاستجابات السريعة التي تدعم استمرارية التعليم.

صحيح أنه ليست هناك دلائل على قرب انتهاء أزمة جائحة كوفيد-19 والانقطاع غير المسبوق في التعليم، لذلك بدأت جامعة بيرزيت في الاستعداد لرسم استراتيجية الخمس أعوام القادمة آخذة بعين الاعتبار التغيرات غير المسبوقة التي فرضتها الجائحة. ويوضح د. شوابكة أن "الجامعة ستبحث عن أطر جديدة ومتطورة، مثل توفير تعليم بعض المساقات إلكترونياً، والاستثمار في تطوير البنية التحتية، وغيرها".

وهنا، يُشير د. شوابكة أن الأزمة سلّطت الضوء على المستقبل الواعد للتعلّم، ومعه التغيرات المتسارعة في أنماط توفير التعليم الجيد. فيقول د. شوابكة "نتباحث الآن موضوع توفير مساقات إلكترونية لتوسيع شريحة الملتحقين بجامعة بيرزيت، مثل الطلبة الأجانب وفلسطينيين المهجر. نعي أن الاحتلال يعيق حركة ودخول حملة الجوازات العالمية، ولكننا مع تطوير بنيتنا التحتية، قد نستطيع طرح مساقات أكاديمية مخصصة للمجتمع الدولي مثل القضية الفلسطينية، أو حتى استقطاب كفاءات للتدريس في بعض من برامجنا الأكاديمية كبرنامج إدارة الأعمال التنفيذي EMBA".

وأكدّ د. صويلح على ذلك، مبيناً أن الجامعة تقوم بتحديث برامجها واستحداث برامج جديد تأخذ بعين الاعتبار التحولات الحاصلة في العالم وسوق العمل، معلقاً

"رب ضارة نافعة، فقد فرضت الجائحة التعليم عن بعد بقوة وسرعة، وتفكر الجامعة في آليات وطرق للحفاظ على الزخم والثقافة الناتجين عن ممارسة التعليم الالكتروني من قبل الأساتذة والطلبة كي لا نفقد المهارات التي تم اكتسابها في ظل الجائحة".

وفي الوقت الذي يركز فيه اليوم الدولي للتعليم هذا العام على أهمية تكثيف التعاون والتضامن الدولي لوضع التعليم والتعلم مدى الحياة في قمة الأولويات للتعافي والانتعاش، يؤكد د. السقا على أهمية هذا الدور وضرورة دعمه وتطويره بشكل مستدام، ويضيف "شخصيا أرى أن هذ الدور الدولي في غاية الأهمية لمساعدة الطلبة الفلسطينيين في الحصول على بيئة مناسبة للتعلم والابتكار ومساعدة الفلسطينيين في التصدي للقوانين الإسرائيلية المناقضة لقوانين حقوق الانسان العالمية القوانين والتي تمس بحرية الحركة وتسهيل قدوم الأكاديميين الفلسطينيين ورفد الجامعات والمؤسسات التعلمية بالموارد البشرية والتربوية والمادية اللازمة لدعم هذه القطاعات".

ومن هذه التجربة، وعند التفكير بالاستجابة للأزمات، قد يكون اغتنام الفرص من أهم استراتيجيات إيجاد سبل جديدة تعيد تخيُّل التعليم بشكل أكثر استدامه، ومحاولة الأخذ بعين الاعتبار كافة الفئات وطريقة إدماجهم في العملية التعلمية، وإتاحة برامج توفر المهارات وتدعم الأكاديميين واستعدادهم لكل ما هو جديد. والأهم من ذلك، توسيع تعريف الحق في التعليم.