كورونا وفلسطين …مجهولية الحاضر والمستقبل: تأملات من الواقع الفلسطيني المعاش في الضفة الغربية

وصف للواقع الفلسطيني: ما قبل وخلال كورونا

تشهد الأرض الفلسطينية المحتلة أحد أسرع معدلات تزايد حالات فيروس كورونا في العالم وقد ارتفع عدد الحالات من ٨٠٠ الى أكثر من ٥١٠٠٠ حالة مسجلة من ٢٤ حزيران حتى ١ تشرين الأول، وجاء هذا التزايد بعد الاشارة الى فلسطين كحالة نجاح في التعامل مع الجائحة في بداياتها، ويستمر هذا التزايد في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية وصحية محفوفة بعدم الاستقرار واللايقين الذي يتصف به الواقع الفلسطيني في ظل الإحتلال الإسرائيلي.

لقد ساهمت القرارات السياسية الاسرائيلية كالاعلان الرسمي عن ضم أجزاء من الضفة الغربية في تفاقم هذه الأزمة والتي تزامنت مع حجز أموال المقاصة[1] من قبل سلطات الاحتلال واستمرار انتهاكاته في ظل الجائحة الأمر الذي زاد من حالة القلق والتوتر لدى الفلسطينيين خلال هذه الفترة والذي هدد ويهدد قدرتهم على التعامل مع الجائحة وتبعاتها بالشكل الأمثل.

تهدف هذه المدونة الى إبراز تجارب الفلسطينيين في الضفة الغربية وطرق التعايش مع الوضع الناجم عن الجائحة استنادا الى مقابلات معمقة قمنا بإجرائها مع ٣١ شخصا من كلا الجنسين ومن مختلف الأعمار ومن تجمعات سكانية متنوعة تشمل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية بما في ذلك المناطق المصنفة "ج"[2] (كالأغوار ومنطقة شمال غرب القدس)، وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذه المقابلات تم إجراؤها على فترات زمنية مختلفة امتدت من بداية شهر نيسان حتى منتصف شهر تموز من عام ٢٠٢٠.

فلسطين وكورونا: الإغلاق الشامل وإجراءات وجاهزية الحكومة

في أوائل آذار المنصرم سُجلت أول حالات اصابة بفيروس كورونا في مدينة بيت لحم وبناء على ظهور هذه الحالات اتخذت الحكومة الفلسطينية جملة إجراءات مشددة لمواجهة تفشي فيروس كورونا تشمل الحجر الصحي والإغلاق الشامل لكل مناحي الحياة في الضفة الغربية باستثناء النشاطات الحيوية كالمستشفيات والمخابز وغيرها، ونبع ذلك من القلق من عدم القدرة على تحمل عواقب الانتشار الواسع للفيروس كما أشار أحد المشاركين "احنا ما عنا لا خط دفاع صحي ولا خط دفاع اقتصادي في حال لاسمح الله كان بده يتفشى الفيروس ما عنا من مرة".

"ابقوا في منازلكم" هي الجملة التي ترددت على مسامع جميع الناس بانتظار قرارات واجراءات الحكومة بالمؤتمرات الصحفية مرتين على الأقل يوميا خلال فترة الإغلاق. وقد ساعدت هذه الإجراءات في البداية على السيطرة على انتشار الفيروس وانخفاض عدد الحالات. وكانت هذه الاجراءات السريعة و الاحترازية كفيلة بزيادة ثقة الشعب بالحكومة حيث اعتبرت هذه الفترة من أكثر الفترات التي تعززت فيها هذه الثقة. بينت دراسة قامت بها الجامعة العربية الأمريكية ل١٧٠٠ شخص تم اختيارهم بشكل عشوائي بين الثلث الأخير من نيسان والأول من أيار أن ٩٣% من المشاركين أقروا بأنهم على ثقة بأن فلسطين سوف تتغلب على كورونا. وفي استطلاع لأوراد تم في اواخر شهر اذار ذكر ان تقريبا ٨٠% من المشاركين قيموا أداء الحكومة خلال ازمة كورونا بالإيجابي. وقالت احدى المشاركات في دراستنا معبرة عن الثقة بالحكومة "وجود سلطة وطنية أو منظمة مسؤولة عن اتخاذ قرارات متعلقة  بهذا الموضوع اعطاني شوية ضمان". وقالت مشاركة أخرى عن اداء الحكومة "انا اللي شايفته الأداء العام جيد، جيد جدا"، و عبرت هذه المشاركة عن حملات التكافل الاجتماعي التي تبناها المجتمع المحلي من أجل تعزيز صمود أبناء وطنهم ومجتمعهم، فتعددت المبادرات الاجتماعية لمساعدة المحتاجين ماديا والتي برأيها يُعزى لها الدور الأكبر في تجاوز هذه الأزمة أو على الأقل التخفيف من حدتها وتعزيز نفسيات أفراد المجتمع فقالت "اللي بقويني انه اشوف اكبر عدد ممكن من الناس متجاوبة لما اشوف مبادرات إيجابية للتكافل الاجتماعي، لما اشوف اي نعم في عنا اشكاليات و اخطاء في إدارة الأزمة سواء صحيا أو أو أو بس الصورة العامة جيدة ... هاد بقوي و بدعم نفسيا هذا هو اللي بدعمني انا نفسيا".

 كما يجدر بالذكر أن المبادرات الاجتماعية كانت عديدة وساعدت على تغطية عجز السلطة عن توفير بعض المعدات الصحية التي عمد الاحتلال إلى عرقلة الحصول عليها. فعلى سبيل المثال، عمل مصنعان في مدينتي الخليل وغزة على المباشرة بإنتاج اللباس الوقائي والكمامات والتي هدفت لسد الحاجة المحلية والتصدير للخارج، كما قامت جامعة القدس بإنتاج جهاز تنفس طبي قابل للتصنيع محليا لمساعدة المرضى والمساهمة في سد النقص في الأجهزة.

للمزيد