د. عادل الزاغة يقدم محاضرة في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة

استضاف المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة، يوم الأربعاء 9 تشرين الثاني 2016 الدكتور عادل الزاغة، أستاذ الاقتصاد في جامعة بيرزيت، والباحث الزائر في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والأستاذ الزائر في معهد الدوحة للدراسات العليا. من خلال مقاربة أصيلة تقطع مع بارادايم "التيار السائد" الذي يُنكر، من منطلق "المركزية الإثنية الغربية"، أيّ إسهام للحضارة العربية في تطور النظرية الاقتصادية الحديثة، تناول الدكتور الزاغة موضوع مساهمة المقريزي في الفكر الاقتصادي.

بدأ الزاغة عرضه بفكرة أنّه قد كان على الإنسانية أحيانًا الانتظار بضع مئات من السنين لإعادة اكتشاف قانون اقتصادي كان قد اكتشفه مفكرون آخرون في تاريخ أمم أخرى، من مثل ما حدث مع نظرية ابن خلدون المتعلقة بالضرائب التي طرحها بوضوح في مقدمته التي كتبها في القرن الرابع عشر للميلاد، والتي عُرفت في وقت متأخر من القرن العشرين باسم "منحنى لافر"، نسبةً إلى آرثر لافر الذي اشتهرت النظرية باسمه ظلمًا عندما "أُعيد اختراع العجلة".

ووضع الدكتور الزاغة في الإطار نفسه مساهمات المقريزي التي تكرّر معها الأمر ذاته، وجرى إنكار إسهامها الريادي في الفكر الاقتصادي. وركّز الباحث في هذا الصّدد في مساهمة المقريزي الفكرية في ضرورة ضبط إصدار النقود الثنائية المعدن، فمن دون ذلك ستطرد العملة الرديئة العملة الجيدة التي طوّرها في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي، قبل أن يعيد اكتشافها في القرن السادس عشر الميلادي السير ويليام غريشام الذي اشتهرت النظرية ظلمًا باسمه في ما عُرف باسم "قانون غريشام".

كما كشف الدكتور الزاغة عن تحليل المقريزي للمجاعة وتاريخها في مصر، إذ بغياب الكوارث الطبيعية، يمكن أن تكون المجاعة نتاجًا لبنية السوق غير الكفؤة؛ وبعبارة أخرى، يمكن ردّها إلى قوى الاحتكار المنفلت عقاله من الضوابط الحكومية؛ وكذلك الأمر بالنسبة إلى السياسات الاقتصادية غير الملائمة، وبصورة محدّدة سياستها النقدية غير الملائمة، أو العرض الزائد من العملة النقدية المسكوكة من معدنين أحدهما رخيص والآخر ثمين، ما يؤدي إلى اختفاء الثمين؛ إذ "تطرد العملة السيئة العملة الجيدة من السوق".

وسلّط الباحث الضوء أيضًا على إسهام المقريزي في دراسة الأثر المتباين للتضخم في توزيع الدخل بين فئاته في المجتمع ما يعكس فهمه الفرق بين القيمة الاسمية والقيمة الحقيقية، وما يخلقه "الوهم النقدي" من تصورات خاطئة، واقتراحه معيار الذهب أساسًا لإصدار العملة المعدنية من معادن غير نفيسة، وأنّ على الدولة ضبط قيمتها؛ وكذا معارضته ضرائب المكوس والمبالغة فيها كونها بدعة من المماليك لا تتلاءم مع التعاليم الدينية ولآثارها السلبية في الاقتصاد؛ وكذلك عدّه زيادة كمية النقود سببًا في ارتفاع الأسعار، مقتربًا بذلك من "النظرية الكمية للنقود" التي ظهرت بعده بعدة قرون.

وقد أعقب ذلك نقاشٌ عامّ شارك فيه جمهور الحاضرين.