حل بسيط لأزمة عميقة. بقلم د. عبد الكريم البرغوثي

سألت طلابي عن عدد الأميين في تونس، فأجابني أحدهم، والذي اعتقد جازماً أن معلوماته مستقاة من مصدر موثوق: إن النسبة في المغرب تقارب الـ 30% وفي اليمن الـ 50% وبالتالي فإنها في تونس تقارب الـ 40% وعندما ألححت عليه ضرورة كشف الحجاب عن (مصادر الطاقة النسبية) التي بنى عليها تقريره القطعي، أجاب إنها معلومات عامة، وإن استخلاصه للنسبة الخاصة بتونس استخلاص رياضي ودقيق، وبالتالي لا مجال لدحضه أو حتى الجدل حوله أوليس في هذا أمية، ومن المسؤول عما آل اليه مستوى التعليم العالي في فلسطين؟.

كان ذلك في لقاء مع مجموعة من الطلبة وفي سياق نقاش عام حول أثر العولمة على التعليم والتنمية في العالم العربي، وبعد الموجة قبل الأخيرة للإضراب في مؤسسات التعليم العالي، وبعد عودتي من زيارة الجمهورية التونسية، والتي حاولت أن أشرك طلبتي ببعض انطباعاتي عنها، والتي من أهمها، قدرة هذا البلد العربي الإفريقي على تحقيق معجزة محو الأمية بفعل الاستثمار المدروس في التعليم، وبتكيف ممانع للعولمة. فكيف تم ذلك؟

عبر تضافر جهود الدولة والمجتمع لرفع قيمة الإنسان بالتعليم ومن خلال البناء على ما أُنجز من تعليم للمرأة وتحرير لها ومساواتها القانونية والفعلية، حيث شكل هذا وما زال المدخل لتحرير نصف المجتمع وبالتالي لكفالة الشروط والإمكانيات للتنمية المجتمعية وللتفكر بنوع الحياة والعمل (في استطلاع نشر قبل أعوام ظهر أن الشعب التونسي من أسعد شعوب الدنيا).

إن الأمية، وإن اختلفت مؤشراتها، قد تشمل بعض حاملي الشهادات العلمية العليا والأخرى، ولكني ما أدعو القراء هنا للتفكر به هو:

1- إن حل مشكلة "التمويل" للتعليم يجب أن يتداخل وحلول مشاكل "نوعية" التعليم ويبدأ ذلك بإعادة تصويب تعريف "الأمية" والكشف عن مكامن تواطؤ المؤسسة والمجتمع في التورية عن حقيقة ما وصل إليه التعليم العالي في فلسطين.

2- لا يمكن حل المشاكل بالإضراب فقط، رغم التزامي الشخصي به، إلا أن نظرة نقدية للإضراب-منذ إضراب الأشهر الستة في زمن الانتداب، وإضرابات الانتفاضتين، وما بينهما تكشف عن أننا ما زلنا أسرى لهالة القداسة الوطنية الملصقة بـ "الإضراب" بحيث غدا بذاته قيمة القيم، وغدا ثقافة الكسل والاتكال، وبالتالي ساهم في تعميق "الأمية" المرادفة للجهالة بأسباب تفوق الآخر علينا، والتي من أهمها اعتماد "قيمة العمل" أساساً لبناء المجتمع، ولن أخوض هنا في أن "الاضراب" حق، وفي أنه تأتى بفعل انعدام الوسائل الأخرى، ولكني أدعو لاحتساب "عدد الأيام" التي أضرب فيها شعبنا للحد من أثر "تقديسه" السلبي على اعتبار العمل قيمة أولى تصل حد العبادة، وتكثف معاني العدالة الاجتماعية وبطريقة تحد من النظر إليها من منظور العمل المأجور في سوق منفلتٍ من عقاله.

3- إن النظر في تجارب، مثل تجربة الجمهورية التونسية، في معالجة مشاكل تمويل التعليم، تقودنا إلى تبسيط للمشكلة وبالتالي للحل. فإن كان المستفيد في نهاية المطاف من التعليم هو المجتمع، على اعتبار أن التعليم استثمار في المستقبل للجميع، وإذا كان من يدير شؤون المجتمع هو الحكومة (الدولة؟!) فعليها مسؤولية توفير الدعم اللازم للتعليم، عبر اقتطاعات ضريبية، وعبر الزام القطاع الخاص بمؤسساته الكبرى، بدفع نسبة معقولة من ارباحه للتعليم، نسبة محددة ودائمة، وليست على شكل مساعدات عينية وهبات خيرية (أجهزة، أبنية..الخ)، حيث إن هذا القطاع، حقيقة هو المستفيد الأول من مخرجات التعليم فهو، إضافة للحكومة الموظف الأول للخريجين.

وعلى اعتبار أن نسبة أرباح مؤسسات القطاع الخاصة، قياسياً للدخل القومي معروفة، فإن احتساب الاقتطاعات الضريبية (على الدخان، المحروقات.. الخ) ممكن كما هو ممكن احتساب النسبة المحددة من الأرباح، بل وأسهل من احتساب "عدد أيام" الإضراب. وقد يكون في هذا الحل.

 

مقال نشر في 2008 في صحيفة الأيام على الرابط التالي:

http://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=5986083y93872259Y5986083#sthash.Yz0f21MN.dpuf