جامعة بيرزيت والخلافة: الخلاص جمعي بقلم: تحسين يقين

فلسطين اليوم وغدا..

بعض المسؤولية والالتزام يحل الكثير من مشاكل مجتمعنا وقضيتنا!

هل ننفذ من السياسي- الوطني إلى المجتمعي؟ أو من المجتمعي إلى السياسي؟ طبعا مارين/ات بالاقتصاد ربما كونه يقسم على كليهما، ولربما هو الأساس، ليس في العلاقات داخل المجتمع الواحد، بل في العلاقات الدولية والشخصية أيضا.

بداية سأكرر أهمية الحفاظ على كرامتنا جميعا، لما له أهمية في خلق أجواء مريحة للتفكير بالحلول؛ فحسن النوايا ليس فقط خلقا بل ضرورة، خصوصا ونحن نناقش الشأن العام.

ليس مهما بمن نبدأ، فكله فلسطيني، وما ننجزه داخل مجتمعنا يقوينا أمام العالم.

وما ننجزه داخل نفوسنا هو الأهم، هو المفتاح، "عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"!

وحتى لا أكثر من علامات التعجب وغيرها، أظن أن التأكيد الوطني العام والمجتمعي والأسري والفردي يجب أن يتمحور حول المسؤولية والالتزام، وليس هناك فصل بينهما، كل واحدة تؤسس للأخرى، وللفلاسفة الوجوديين من تفسير أخلاقي عميق عن مسألة الالتزام، تأثرت به في مطلع شبابي، وظل مؤثرا عليّ لسبب بسيط، ألا وهو المنطق الإنساني؛ فحين تمارس سلوكك خارج عتبة البيت بما له علاقة ببمارستك داخل البيت، نكون قد ضمنا تحقق المسؤولية، لأن خارج البيت سيؤثر عليك أيضا، إن لم يكن هذه اللحظة فغداـ، أو بعد غد.

لنجرب حظنا في الحديث لعلنا نضيف شيئا، ونأخذ مثلا من مشاكلنا المجتمعية:

جامعة بير زيت: مكون أساسي لهويتنا الوطنية، كنت عندما أريد أن أرى فلسطين في عقد الثمانينات (مولد سنة 67) أذهب إليها، ومعي كثيرون؛ بسبب تغييب فلسطين عن المشهد العام بسبب طغيان الاحتلال. هناك كنا نرى كم هي فلسطين عظيمة، ويمكن لباحث أن يعدّ بحثا عن أثر جامعة بير زيت وغيرها في تكوين الفكر والثقافة الوطنية والقومية.

وعليه، لا يجب أن تترك جامعة بير زيت وحيدة، وهي التي تخرج منها كثير من القادة والوزراء وصناع وصانعات القرار في وطننا.

كل ومسؤوليته وحجم تأثيره، فلا يحسن بمجلس الطلبة أولا أن يلجأ للإضراب العام المفتوح دون تجريب واختبار واستنفاذ البحث عن الحلول البديلة. ولا يحسن بجمهور الطلبة السكوت والطاعة. نقول ذلك ونحن جميعا نحب الطلبة قادة وجمهورا ونحترمهم. لكن اختلاف الرأي لا يفسد الودّ. ولا ينبغي للمجلس وهو المكون من طيف معين، أن يخشى من مزاودة طيف آخر، لأن الأصل هو مصلحة الطلبة لا الفصائل.

ليس كل الطلبة متساوون اقتصاديا، فمن كان مستعدا لإرسال ابنه إلى الخارج بما يتطلب ذلك من تكلفة مضاعفة، لماذا يشكو هذه الزيادة المعقولة؟

ولا يحسن بفصائل العمل الوطني والإسلامي أن تقف متفرجة، فكلنا نعرف مرجعية المجالس والاتحادات، لذلك، فإن ممارسة المسؤولية ستكون مفتاح الحلول، والشفافية المالية ضرورية، ولا أظن إدارة الجامعة تعارض عرضها على أي أحد: الطلبة والأهالي والفصائل والحكومة. عندما يدفع الطالب/ة مثلا 60% من التكلفة، وعندما تقدم الجامعا دعما للطلبة المحتاجين، وعندما تجتهد في استقدام دعما ماليا معينا يسد نسبة أخرى، فمن أين ستفي بباقي التكلفة؟ سؤال أخلاقي لنا جميعا. أليس كذلك؟ وإلا ليثبت من يعتقد بغير ذلك أن مدخول الجامعة الإجمالي يؤمّن التكلفة كاملة!

ويحسن بالحكومة وهي التي يرأسها عالم جليل، اختبر عن قرب هذه المسؤولية أن تساهم في تمويل مؤسسات التعليم العالي بنسبة أكبر، وأن تفكر استراتيجيا في حلول تسهم تدريجيا في جعل التعليم العالي شبه مجانيّ، خصوصا أن فرصة الخريجين في الحصول على عمل قليلة.

لعل المسؤولية الحكومية والمجتمعية تدفعنا إلى فرض ضرائب من أجل ذلك، لأن ما ندفعه جميعا يصبحا أمرا فرديا، وهو مبدأ التعاون المالي، الذي يعود علينا جميعا، ويمكن أيضا تطبيق نظام الإقراض لمن يختاره.

الحفاظ على كرامة الجميع، والتعاون، والحوار، قيم إنسانية رائعة تساهم في إيجاد الحلول إن صفت النوايا؛ فلا يعقل إغلاق الجامعة بهذا الشكل، فكيف ستواصل الإدارة جهودها بحثا عن الحلول وهي خارج حرم الجامعة؟

ليس دفاعا عن الجامعة التي نحب ونحترم، بل عن المنطق والقيم التربوية والإنسانية والوطنية.

في أيدينا جميعا فرصة التعاون لإيجاد الحلول، فمن الممكن مثلا أن تزيد الجامعة من نسبة قبول الطلبة، مع الاجتهاد بالمحافظة على النوعية، ومن جميل الصنع أن نسمع قريبا بمساهمات المجتمع الاقتصادي، وذلك بمبادرة وطنية ولو مؤقتا تقوم على دفع الفرق في ثمن الساعة الجامعية.

الخلاص في المسألة جمعي، فليس هناك رابح وخاسر، ولا منتصر ومهزوم، فكل أصخاب العلاقة مهزومون إن لم تحل الأزمة، وكلهم منتصرون إن تم حلها.

سياسيا، وقبل أن تصبح الأمور مسيئة لنا وطنيا، بحيث نشجع فكرة الوصاية على شعبنا العريق، ينبغي أن نحسم الأمور، باتجاه تحقيق المصالحات جميعها. وكنا نود لو قمنا بذلك مبكرا، ولو فعلنا لتجنبنا ما نحن فيه.

التكرار غير محمود، لكنني هنا أراني محتاجا لأكرر أهمية الحفاظ على كرامتنا جميعا، باعتبار أن قضايا الوطن ليست قضايا شخصية ولا عائلية.

لماذا؟

إن اختيار المصالحة يقوينا جميعا، "أنا واخوي ع ابن عمي وأنا وابن عمي ع الغريب"، من أجل خير وطننا ومجتمعنا.

فلماذا يطول نقاشنا عن مستقبل الخليفة، والسلطنة نفسها في خطر الاستلاب؛ فقد لا يكون هناك في نهاية الاقتتال على كرسي السلطان من سلطان حقيقي؟ فما يجمع ما يقدم من سيناريوهات هو شكلانية السيادة، إذن علام نختلف؟

إن إشغال المجتمع بمسألة الخليفة ترف سياسي نحن في غنى عنه، فالأصل هو القضية، والتخلص من الاحتلال، ومن يضع أمامنا خارطة طريق لذلك، إنما يضعها حبا بوطنه أولا وثانيا.

لقد صار لمسألة الخلافة تجليات في المستويات الدنيا، في الوزارات والمؤسسات، وزادت وتيرة الاصطفافات، كل ليخلص بشكل فردي. فبدلا من الانشغال بالإبداع وتطوير تقديم الخدمة للمواطن، ترانا منشغلين بالمراتب والرتب.

لذلك فإن الوطنية الحقيقية والأخلاقية تقتضي وقف ذلك، بإجراء مصالحة عادية غير درامية، وترك الأمور للانتخابات داخل هذا الفصيل أو ذالك، وداخل المنظمة والمجلس التشريعي.

إن احترمنا أنفسنا وحافظنا على وجوه أخوتنا وأخواتنا فسيحترمنا الآخرون عربا وعجما. "أما منطق احترمني واخزي لحية ابن عمي" فإنه سيذهب بلحنا جميعا، ويذهب ما تبقى من وطن.

خلاص القيادات جمعي لا فردي، بل وطني وأخلاقي.

خلاص البلاد كذلك.

فمن لا ينطلق من ذلك، فلن يخلص أبدا، ولن نأسف عليه، لأنه لم يأسف هو عن نفسه.

مقال نشر على وكالة معا الإخبارية على الرابط التالي:

https://www.maannews.net/Content.aspx?id=866609