انحراف القيم والفعل العاجز. بقلم: صهيب الشريف

بات السلوك المتكرر لمجلس الطلبة في جامعة بيرزيت مدعاة للقلق ومبعثاً للبؤس، ذلك أن تبني مجالس الطلبة المتعاقبة سياسة إغلاق الجامعة كإجراء لعدم الوصول الى نتيجة توافقية يوجب علينا الوقوف على ابعاده، والعمل على إقناع المجلس باستبداله بإجراء إخر يضمن لهم الحق في التعبير عن رأيهم ورفضهم لما هو مجحف في نظرهم.

وحيث أنه لم يعد ما يربطني مع جامعة بيرزيت سوى إخلاصي لها، حال جميع من كان طالباً فيها. أرى التزاماً يوجب علي أن أنحاز اليها، بالإضافة الى إيماني العميق بأن التعليم هو أداتنا ووسيلتنا المتاحة وخيارنا الاستراتيجي للتحرر وبناء أنفسنا وقدراتنا والنهوض بواقعنا، متفقاً بشكل كامل مع قول مانديلا "التعليم هو السلاح الأقوى الذي تستطيع استخدامه لتغيير هذا العالم".

الحقيقة إن وقوف الطلبة كجسم واحد للدفاع عن حقوقهم أمر مطلوب وضروري، وهو الدور الأساسي الوظيفي المنوط بممثلي الطلبة القيام به، لأنهم الجسم الخدماتي والمدافع عن حقوق الطلبة.

هذا ويضاف دوراً آخراً للطلبة على المستوى الوطني، فمِمَّا لا شك فيه كان للطلبة على مستوى العالم دوراً بارزا في صناعة التغير، فهم شعلة الثورات ووقودها، ولم يكن طلبة فلسطين الا نموذجاً مؤكداً على ذلك.

الحقيقة إن انتهاج مجلس الطلبة سياسة إغلاق الجامعة عند عدم تحقيقهم لأهدافهم المشروعة وعدم الوصول مع الإدارة الى حل للأزمات المتعاقبة أمر مؤسف، يدل على قصور عميق في فهم طبيعة الأمور وتشخيص المسائل، كما ويدل أيضاً على ضعف في القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة وفق الممكن والمقبول. الأمر الذي يقودهم لإنتهاك أبسط قواعد المنطق في حل النزاعات، "عندما تسير الامور بشكل خاطئ لا يتوجب أن نسير معها".

برأيي إن قرار مجلس الطلبة بإغلاق الجامعة له دلالات عديدة، أهمها: أولاً، إن مجلس الطلبة لا يفرق بين الأسلوب المشروع والأسلوب غير المشروع في الحصول على الحق والدفاع عنه، فهو بذلك يتبنى أدوات ووسائل تضر أطراف اخرى، وتترك أثراً أبعد من طرفي النزاع.

ثانياً، لا يزال مجلس الطلبة غير مدرك للمكان الصحيح الذي يتوجب عليه الاحتجاج أمامه، وكأن مجلس الطلبة لا يأخذ بالحسبان تقسيم الموازنة العامة، فالقطاع الأمني يأخذ نصيب الأسد من موازنتنا العامة، بينما حصة القطاع التعليمي لا تذكر مقارنة بالأمن. في هذا الإطار نشير الى ما نسب حديثاً للدكتور نبيل شعث أن السلطة الفلسطينية تنفق على "أمن اسرائيل" اكثر مما تنفق على التعليم .

ثالثاً، يبدو أن مجلس الطلبة لا يقدر أبعاد أفعاله على المستوى البعيد، ولا يزال قاصراً عن فهم السلوكيات السلبية التي يرسخها في ذهن الطلبة بفعله هذا. ولما كانت الجامعة هي المكان الذي يحضر فيه الطلاب للإنتقال الى الحياة العملية، حاملين أدوات مناسبة تضمن لهم تحقيق اهدافهم، تبدأ ما بعد هذه المرحلة الحياة العملية ومرحلة اكتساب الخبرة، ولا أعتقد أن احتفاظ الطلبة بهذه التجارب من الممكن ان تنفعهم في عملهم في المؤسسات والشركات والجمعيات.

رابعاً، لا يزال مجلس الطلبة غير قادر على تطوير أدواته المشروعة لتحقيق أهدافه، ولا يبحث في ما وراء الأزمات وأسبابها. حيث أن للأزمة أكثر من جانب، وبما أن الطلبة لهم مطالب يسعون ورائها فإن العاملين في الجامعة لهم أيضاً مطالب ومصالح يسعون ورائها، تكون في معظم الأحيان متضاربة مع إدارة الجامعة في معرض الحديث عن الأمور المالية. وعليه كان يتوجب على مجلس الطلبة وعي اشكالية تضارب المصالح واختلاف السياسات وكيفية اثره على المستوى التعليمي بشكل عام. فكيف للمجلس أن يغض النظر عن سياسة الجامعة بتعين حملة الماجستير وفي بعض الأحيان طلاب الماجستير للتدريس، بهدف التخفيف من العبء المالي على الجامعة.

خامساً، لا يزال مجلس الطلبة غير قادر على قراءة المشهد بشكل صحيح، فالتزايد مستمر ومتصاعد للأسعار في البلاد، والذي آدى ويؤدي الى غلاء تكاليف المعيشة، وعليه فإن الازمة أساساً أزمة بلاد بأكملها، وهي بلا شك أكبر من الجامعة نفسها. كما وان تناول هذا الأزمة دون الحديث عن البطالة وابعادها وأثرها أمر غير منطقي.

ختاماً، إن التعليم الأساسي حق للجميع، لكن المسؤول عن كفالته الدولة وليس جهة بعينها، نحن مطالبون اليوم بالوقوف على التزاماتنا ومسؤولياتنا، فالحاجة باتت ماسة وملحة لتناول أبعاد هذا الأمر، ولن يكون ذلك ممكناً الا بتحقق ما يلي: ١- تفسير الشعار المرفوع بمجانية التعليم والحق في التعليم، بحيث نتفق كيف يكون ذلك ممكناً، لأن توفير فرص التعليم حق للجميع وليس ضمان الحصول على التعليم. ٢- تبني الجامعة للسياسات صارمة تضمن تحسين جودة التعليم وترفع مستواه، وأعتقد أن الحديث قد حان وإن فات عليه الكثير من الوقت لإعادة النظر في جودة التعليم الجامعي ونوعيته. ٣- الدعوة الى تغيير المنظومة المجتمعية التي تتبنى ضرورة الالتحاق بالتعليم الجامعي عقب الثانوية العامة، سيما وأن معدلات البطالة مرتفعة جداً بين الخريجين، كما وأن الشهادات الجامعية لم تعد تعكس المستوى الثقافي والمعرفي لحامليها، بالإضافة الى عدم وجود مخطط يحدد احتياجات السوق. ٤- ترتيب الأولويات الفلسطينية وإعداد خطة استراتيجية على المدى البعيد، بحيث تحدد مسؤولية الحكومة عن توفير فرص التعليم، وتوزيع الموازنة بحيث يكون للتعليم فيها نصيب أكبر. ٥- تبني سياسات تشاورية بين إدارة الجامعة واتحادها وطلابها، بحيث توضح كافة الأسباب وراء إصدار قرار برفع الرسوم الجامعية (كشف الأوراق). ٦- العمل على إجبار القطاع الخاص على دعم التعليم. ٧- تبني سياسات تضمن عدم تحويل التعليم الى حق للمقتدرين (طرح نخبوي)، ليكون المعيار المحدد على أساس الأكفأ وليس الاقدر مادياً.

 رسالتي الى مجلس الطلبة، لا تهاجموا ما تفخرون به، ولا تحملوا انفسكم فوق طاقتكم، ولا تدخلوا حربا لا نصر فيها، تهدمون فيها صرحكم العظيم.

نشرت هذه المقالة سابقا في موقع مركز رام الله لدراسات حقوق الانسان: 

http://rchrs.org/ar/2/24/786/انحراف-القيم-والفعل-العاجز،،،-بقلم-صهيب-الشريف.htm