الجامعة المجنزرة ... أزمة اخلاقية

منذ اسبوعين وأبواب جامعة بيرزيت مغلقة بالجنازير على إثرها توقف الدوام، وأقفلت روحها الليبرالية بل ربما ماتت. وتوقفت الحركة الدؤوبة داخل اسوارها بطلابها ونقاشاتهم الى حد البيزنطينية، ومحاضرات أساتذتها بما لها وعليها صعودا وهبوطا، وحركة موظفيها الاداريين البيروقراطية المتعاونة الناجمة عن روح ارستقراطية المكان حرم الجامعة. ازمة جامعة بيرزيت ليست ازمة مالية فقط؛ فهي ازمة أغلب الجامعات الفلسطينية في طبيعة التعليم وتمويله، وهي أزمة مركبة تتعدى الجامعات الى أزمة الحكومة فيما يتعلق بالسياسات والرؤية الخاصة كما يقال برأس المال الشعب الفلسطيني بالتعليم وتعاطيها مع تمويله. كما تكمن الازمة في اساليب النضال النقابي للحركة الطلابية؛ فقد تحولت من سطوة الكلمة، والحوار، والإقناع، والقرار الطلابي بالامتناع عن دخول قاعات المحاضرات، الممارسة في الفترة الكلاسيكية للحركة الطلابية سنوات الثمانينات من القرن الماضي، تعبيرا عن احتجاجها أو احتجاجاتها على قرارات ادارة الجامعة. وهي في اعتقادي اكثر تأثيرا، أكثر وقعا وعمقا، وتحظى بتضامن أكبر من قبل المجتمع قبل فصائله، الى اغلاق ابواب الجامعة واحراق الاطارات أمامها. وهنا تُرسم صورة قاتمة للحركة الطلابية بإغلاقها ابواب الجامعة ومنع اساتذتها موظفيها من الدخول للتحول الى أزمة اخلاقية. وبالمطلق لست مع تشبيه هذا الفعل من قبل البعض بإغلاق سلطات الاحتلال للجامعة في سنوات الانتفاضة، كأنها لا تراكم في أساليب عملها وتطوير قوة دفع وتأثير الحركة الطلابية، وإنما تدمر تراث حركة ابدعت وأنتجت وزودت المجتمع بأغلب قيادته الفاعلة. كما أن الازمة في احد تعبيراتها أصبحت أزمة سياسية فصائلية لغياب قدرة التأثير السياسي على الحركة الطلابية، وأقصد هنا تصويب أدوات العمل وليس التسييس واستخدام الحركة الطلابية في المعارك الفصائلية، مما يفقد الفصائل الفلسطينية قدره التأثير في حل ازمة جامعة، ويثبت عجزها المرة تلو المرة. تمتلك الحكومة القدرة وليس فقط القوة احتكار ممارسة القوة الشرعية حسب ماكس فيبر الفعلية في حل الازمة الحالية، كاستخدامها للقوة قوة القهر في مواجهة أي مسيرة متجهة نحو المقاطعة، هذا لا يعني مطلقاً استخدام القوة، بل التدخل بأشكال قدرتها الحالية مع الادراك لعمق الازمة المالية. هذا التوصيف لا يضع ملامةً مطلقةً على جانب لوحده؛ فالحكومة وإدارة الجامعة والحركة الطلابية والفصائل الفلسطينية ورأس المال الفلسطيني ينال قسطا من الملامة ومن خلق الازمة، وعليه مسؤولية في ايجاد حل شامل متكامل ليس فقط للأزمة المالية بل أيضا للأزمة الاخلاقية ووسائل العمل النقابي. وقد يكون الذهاب الى حوار وطني اجتماعي، تقوده الحكومة، لحل أزمة التعليم العالي الفلسطيني بجوانبها المختلفة المالية والأكاديمية نوعاً وكماً وأدوات العمل النقابي الطلابي وليس حل ازمة خزينتها فقط.