لا أمل في المفاوضات الجارية ولا خوفاَ منها

لم يثر استئناف المفاوضات هذه المرة أي جدل يذكر في المجتمع الفلسطيني، لا مؤيدين ولا معارضين، بل لا مبالين. وقد أشار استطلاع للرأي أُجري مؤخرا ولم يُنشر أن عشرون في المائة فقط من المستطلعين يعتقدون بأهمية هذه المفاوضات، وربما ان ضآلة عدد المشاركين في المظاهرات المعارضة مؤشر آخر على ذلك. ولا داع للاعتقاد بأن غياب موضوع المفاوضات عن الإعلام وعدم اكتراث الجمهور به هو سبب التسريبات الأخيرة حول قرب تحقيق تقدم، أو قرب تقديم الجانب الأمريكي لحلول وسط، لان هذه التسريبات غير صحيحة أصلا. فالجهة الراعية يمكن أن تقدم مقترحات تجسيرية فقط عندما تكون الفجوة ضيقة بما يسمح بجسرها، في حين أن الفجوة كبيرة حتى الآن وستبقى كذلك لنوعين من الأسباب: أوّلا لأن نتنياهو أقوي من أن يحتاج لتقديم أية مرونة حيث لا يتعرض لأي ضغوط تذكر لا داخلية ولا فلسطينية ولا إقليمية، وكذلك لعدم وجود مؤشرات ان المجتمع الدولي مقبل على ممارسة العقوبات على إسرائيل، وعندما حاول أوباما ذلك في دورته الرئيسية الأولى، تم معاقبته بجهود مشتركه من إسرائيل وحلفائها في واشنطن مما أدى الى تراجعه. وثانيا لأن القيادة الفلسطينية أضعف من أن تستطيع إبداء أية مرونة، فهي بالكاد قادرة على البقاء، مترنحة تحت وطأة الانقسام وفشل المفاوضات وغياب الانتخابات، علاوة على الصعوبات الاقتصادية. ولكن عدم وجود تقدم لا يعني قرب انهيار المفاوضات، ذلك ان الأطراف الثلاثة المشاركة فيها لها مصلحة في استمرارها، بالرغم من انه ليس لديها قدرة على إنجاحها. فهي تحدّ من بعض الانتقادات لنتنياهو وتُقلل من عزلة اسرائيل وتجعل توسيعها للمستوطنات أقل كلفة.وهي كذلك مفيدة لأوباما من حيث أنها تحقق له نجاحا دبلوماسيا في وضع شرق أوسطي يسير في غير ما تشتهي السفن الأمريكية. والمفاوضات أخيرا تعطي للقيادة الفلسطينية فرصة البقاء، وذلك من خلال استئناف المعونات الاقتصادية التي مكنت من انتظام الرواتب وتخفيض الديون كما قال وزير المالية، وكذلك تسهيلات أخرى مثل زيادة تصاريح للعمل في اسرائيل والافراج عن أسرى وغير ذلك. ومما يلفت الانتباه ان الشيء الوحيد الملموس الذي جاء به كيري في زيارته الأخيرة، كان منحة بمائة مليون دولار للجانب الفلسطيني. ويجب أن لا نقلل من أهمية ذلك، إذ أن مشاغبات القيادة الفلسطينية المحدودة في العام الماضي، والمتمثلة بالذهاب للأمم المتحدة ومنظماتها الدولية والإصرار على وقف الاستيطان قبل استئناف المفاوضات والسعي للمصالحة مع حماس أدى الى عقوبات وضغوط على السلطة حدّت من قدرتها على أداء مهماتها خاصة المالية، وجعلتها في أكثر من مناسبة، منها أيلول الماضي مثلا، على حافة الانهيار. وإذا كان لا بد من المفاوضات، لأي اعتبار كان، وإن لم تنجح القيادة في منع اسرائيل من وقف الاستيطان كشرط لاستئناف المفاوضات التي تستخدمها كورقة تفاوضية أيضا، فلماذا لا نستخدم نحن ورقة الأمم المتحدة ومنظماتها الدولية ومحاسبة اسرائيل فيها بموازاة المفاوضات حتى يكون لنا ورقه ضاغطة، علما ان ذلك حق لنا لا بل واجب علينا.