هل توجد أية أهمية لانتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية؟

nbsp;لقد ترددت في كتابة عنوان هذا المقال حتى لا يفهم منه أنه باتجاه تهوين الأمر لمن لم يحقق النتائج المرجوة في الانتخابات الأخيرة لمجلس طلبة جامعة بيرزيت. لكن موضوعي ليس فقط هذه الانتخابات الأخيرة وإنما انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية بشكل عام حتى لو كانت المناسبة هي انتخابات جامعة بيرزيت. وجوهر أطروحتي هنا أن هناك خطأ شائعا ومنتشرا حول أهميتها ومنذ عقود خلت، وأن أهميتها تكمن في مكان آخر غير ما يعتقد عادة.وكما تم إثر الانتخابات في جامعة بيرزيت، جرى استنتاج نتائج سياسية تتعلق «بمزاج» الجمهور العام بناء عليها، والتغير المفترض الحاصل بين الفلسطينيين عموما في الضفة الغربية على الأقل، والإفتراض أن هذه النتائج تعكس الرأي العام وغير مقصورة على طلبة الجامعة، وهكذا، إلى درجة أن بعض الصحف العبرية (مثلا، هآرتس، 28-4-2015) لم تردد فقط نفس هذا الكلام الخاطىء وإنما ذهبت أيضا لاستنتاجات سياسية أوسع وأبعد مدى، لا شك أنه بناء على ما قيل لمراسلها من بعض السياسيين أو المحللين الفلسطينيين.إن الخطأ الشائع المشار إليه يكمن في الافتراض أن إنتخابات مجالس الطلبة في الجامعات الفلسطينية هي انعكاس للرأي العام الفلسطيني في الضفة الغربية وربما أيضا خارج الضفة، وأنها تمثل المواقف السياسية لهذا الجمهور الأوسع، أنه يمكن أيضا أن تكون مؤشرا على نتائج أية إنتخابات نيابية تعقد في نفس الفترة.غير أنه من الواضح أن طلبة الجامعات ليسوا بأي معيار علمي متعارف عليه عينة ممثلة أو عشوائية من الجمهور العام، شرطان أساسيان لهذا التمثيل المفترض. فهم فئة في معظمهم تقع بين عمري 18 و22 عاما، وهذا بحد ذاته يفقدهم صفة تمثيل الجمهور العام لأنه ليس في نفس الفئة العمرية. وهم أيضا ليسوا عينة عشوائية من الجمهور، لكونهم عينة خاصة جدا مختارة ومنتقاة ومصطفاة بناء على علامات التوجيهية أساسا، وليس على أي أساس آخر يستوفي شروط العشوائية، ومن ثم تمثيل رأي وموقف الجمهور الواسع. وهذه أمور بديهية كما يعرف من يقوم بإجراء استطلاعات للرأي، أو حتى بعض طلبة الجامعات ممن يَدرُسون مواد المناهج الكمية.هل يوجد إذا أي سبب آخر لإضفاء أية أهمية عليها؟ توجد ثلاثة أسباب على الأقل تعطيها أهمية وإن كان من نوع آخر. الأول، أن هذه الفئة العمرية هي عادة وفي معظم المجتمعات الأنشط سياسيا والأكثر أثرا في مضامين إجتماعية متنوعة، وخاصة في مراحل فيها أزمات إقتصادية وسياسية. وهم من جيل «الشباب» الذي جرى التنبه لوجودهم والإستفاقة لدورهم وكثر الحديث عنهم خلال الأعوام الماضية بفعل الإنتفاضات العربية، والحاجة أيضا من منظور البعض في المحيط العربي لتحييد هذا الدور، كان ذلك بالترغيب والإستمالة أو بالترهيب. والحديث عن الإنتفاضات أو الثورات العربية هو أساسا حديث عن هؤلاء الشبان والشابات وليس عن الجمهور العام. ففي بعض التقديرات للملايين التي شاركت في بعض هذه الإنتفاضات، لم يحصل حتى الآن أن تعدت أعدادهم عشرة في المائة من الجمهور في أي بلد من البلدان.ففي الثورة الفرنسية الكبرى في العام 1789 يقدر أن حوالي 3 في المائة فقط من الجمهور العام شاركوا فيها، ونجحوا في إحداث ثورة وتغيير النظام الملكي الوراثي. وفي الثورة الإيرانية يقدر أن العدد وصل إلى حوالي خمسة في المائة من الجمهور ممن شاركوا فيها، وفي ثورة 25 يناير المصرية يقدر العدد بحوالي سبعة في المائة من الجمهور. وكما يعرف من تابع الأحداث في مصر، تندر المصريون حول من أسموهم «بحزب الكنبة» كونهم الأغلبية، أي من بقي جالسا على «الكنبة» يتابع الأحداث من خلال التلفاز ووسائط الإعلام الأخرى.هذه الأعداد والنسب لا تنتقص من أهميتهم، بل على العكس من ذلك تماما. فالشباب هم العنصر الفاعل والمؤئر والذي يقود الثورات ويقلب الأنظمة ويعبر عن مطالب الجمهور العام حتى وإن كان ذلك في حالات خاصة. وتزداد هذه الفعالية إن كان منظما بشكل من الأشكال، كما هو الحال بين طلبة الجامعات، أو مؤطرا في أحزاب أو حركات إجتماعية منظمة.أما السبب الثاني لأهمية إنتخابات مجالس الطلبة فهو أن الجامعات تخرج من سيصبحون النخبة أو النخب في المجتمع. والنخب أنواع: إقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وفكرية وتعليمية من بين أنواع أخرى. وتكمن أهمية النخب أنهم من سيتولون أدارة شؤون الدولة والمجتمع وسيشكلون الطرف الأكثر تأثيرا بعد تخرجهم من الجامعات وفي ميادين وحقول شتى. بالتالي، إن توجهاتهم الفكرية والسياسية والإجتماعية والمهارات التي يحوزونها، والتي يتشكل الكثير منها خلال مراحل الدراسة الجامعية، ستؤسس لنشاطهم وأعمالهم المتنوعة بعد تخرجهم.أما السبب الثالث، فهو التوظيف السياسي لنتائج إنتخابات مجالس الطلبة. وقد يبان أن إيراد هذا السبب يتعارض مع ما أشرت أليه آنفا من أن نتائج هذه الإنتخابات لا تمثل بالضرورة رأي وموقف الجمهور العام. لكن الأمر الحاصل هو أن السياسيين باختلاف توجهاتهم في الحالة الفلسطينية وحالات أخرى، إضافة إلى وسائل الإعلام باختلاف أنواعها، تفترض هذا التمثيل وتروج له ومن ثم تشكل وعيا يؤثر على السلوك الفعلي حتى لو لم يكن له أساس يعتد به. وقد يدفع البعض ممن في موقع القرار إلى طلب إجراء إنتخابات عامة إن رأى أن الظرف مواتيا بفعل هكذا نتائج، أو أن يدفع آخرين باتجاه تأجيل أية إنتخابات عامة ممكنة لهذه الأسباب. وهذا طبعا في أنظمة حكم لا يوجد فيها مواعيد محددة ملزمة لأصحاب القرار لإجراء الإنتخابات العامة أيا كان نوعها كما هو الحال في معظم الدول العربية، أو في ظرف لا يمكن التحكم في مواعيدها كما هو الحال في الظرف الفلسطيني تحت الإحتلال.فأهمية هذا السبب الثالث تكمن إذا في الإعتقاد الخاطيء أن انتخابات مجالس الطلبة تمثل رأي الجمهور العام، والذي بدوره يؤثر على السلوك، وقد يملي القرار السياسي في ظروف محددة. هذا إلا إذا اقتنع جل هؤلاء بالحجج التي أوردتها سابقا، ولكني لا أخال أن هذا سيتم في القريب العاجل.