سناريوهات فقدان السلطة بيت لحم نموذجا

nbsp;من المؤسف الكتابة وتناول الاحداث التي وقعت في مدن بيت لحم وبيت جالا وبيت ساحور، ومن المؤلم تناول مآسي البشر وحياتهم وخصوصيتهم برأي عام قد يمسهم بقصد أو بدون قصد، لكن ما اثبتته الاحداث أن المجتمع لا يخسر فقط رؤيته السياسية والادارية، بل يخسر ضوابطه الاجتماعية وحكمته البشرية الملازمة لطبيعته وإنسانية. ومما يؤسف بشكل لا يغيبنا عن خارطة التغيرات التي تحدث في محيطنا العربي، أو في جزء من وطننا، وهو شيوع ثقافة الانتقام والعقاب الجماعي، دون مراعاة لقواعد حماية المجتمع لذاته وبنيته، أو التزاما بالشرع وقيوده الملزمة نصا، بعدم جواز ما يحدث من انتقام وثأر تحت مسميات الفورة وغيرها.وعلى الرغم من رؤيتنا الاجتماعية والثقافية والقيمية ورفضها لما وقع، إلا ان الجانب الاخر والذي لا يقل خطورة هو فقدان السلطة لذاتها في الاحداث التي وقعت، وعدم قدرتها على وقف ما يحدث أو عجزها، كافتراض أول، وافتراض ثان انها لا تريد ان تتورط في نزاع اهلي داخلي وكأنها سلطة متعهدة، أو متضمنة، أو افتراض ثالث أنها غير قادرة على القيام بشيء( عاجزة). ويمكن أن يقول قائل أن عجزها نابع عن مرجعتيها الأوسلوية التي قيدتها وانتزعت منها سلطتها وهيبتها ومشروعية ممارساتها، أو حتى القدرة على مجاراة البنى المجتمعية الاخرى التي تسد مسدها في حال عجزها، انها وللأسف الجهة التي تستنزف مقدراتنا أو المساعدات التي نتلقاها بنسب كبيرة جدا، وهي عاجزة عن وقف القتل، أو انقاذ حياة حاولت ان تهرب من النيران، فلم تجد من يجيرها.ما وقع له من تداعيات مختلفة ومتعددة، ولكن ما يعزز المخاوف انه دلالة دامغة على أن السلطة تستنزف مقوماتها ومقدراتها ودورها، كجهة ناظمة ملتزمة بتوفير الحد الادنى من المهام الموكلة لها أو تلك التي تتلقى دعم المواطن لها مقابلها، خاصة انها تستند في شرعيتها حاليا على ذلك دون غيره من مقومات الشرعية القانونية. وبما انها سلطة خدمات فإنها ملزمة أن تقوم بما عليها من حماية المواطنين وحماية املاكهم ونمط معيشتهم وأن لا تكون شاهد لم يرى شيئا، في قضايا السلم المجتمعي ونمط الحياة بالحد الادنى حتى لا تفقد ضرورة وجودها واهميته لنفسها قبل غيرها.إن الفورة التي وقعت ولم تستطع السلطة مواجهتها واحتوائها وامتصاص تداعياتها، تؤكد على التالي:غياب السلطة الفعلية للاجهزة المكلفة بهذا الاختصاص، وهي كثيرة لدينا ومتعددة ومتشعبة، وموازناتها كبيرة.غياب المؤسسة المدنية والسيادية عن الحدث في بدايته ونهايته، وتنازله عن دوره لصالح البنى التقليدية الاخرى.عدم قدرة النظام والمؤسسة الرسمية اختراق البنى المجتمعية ايجابيا، من خلال ملامستها لهذه البنى وملامسة وادراك حالها واحتياجاتها ومخاوفها وحتى رغباتها.عدم فهم هذه المؤسسة بمختلف مستوياتها لواقع المحافظة وتركيبتها والتعقيدات الخاصة فيها، ويمكن القول انها استندت في مراحل على ذلك لتعزيز مكانتها وليس دورها الايجابي في تجاوز ذلك أو مواجهة مخرجاته السلبية، أو تركه مناسبا لدور الاحتلال في تغذيته وتنمية نزعاته التهديمية.إن عدم قدرة السلطة وبأجهزتها المختلفة وادواتها المتعددة على التعامل مع القضايا المشابهة في الوطن كافة، لدلالة على انها فقدت بوصلتها والهدف من تأسيسها، وانها تعزز التوجهات النامية خاصة شبابيا إما لتجاوزها أو مغادرة الوطن، وهكذا لمكونات اخرى في المجتمع، والتي تخشى على نفسها ومستقبلها.إن الثقافة والقيم التي تكرست في السنوات الاخيرة لدلالة على ان ادوات التجنيد والتثقيف لهذه السلطة لم تستطع مواجهة الانحدار الثقافي والقيمي، لا من خلال مناهجنا التعليمية، أو اساليبنا التربوية، أو الاعلامية، وحتى القمعية منها والاجبارية، فهي غير قادرة على الاقناع وعاجزة على الاجبار والاكراه بمنطق القانون وقوته لغياب سيادته وسلطته.أن هشاشة البنى السلطوية ناتج عن العديد من العوامل، في غالبها ذاتية وليس خارجية، وقد لا يكون موضع نقاشها في هذا المقام.ويمكن القول ايضا ان انشغال السلطة التنفيذية وفروعها بالتناحر الداخلي والمناكفات والتعديلات والتغيرات في قمة الهرم السلطوي يطغى على غيره من هموم الوطن والمواطن.وتناحر الاحزاب والحركات والمنظمات غير الحكومية والاشقاء والاصدقاء والجيران لم يبق للوطن والمواطن متسع في اجندتها، أو اجتماعاتها أو حتى بياناتها.الوطن والمواطن والشعب والقضية هموم نحيت جانبا، لبيت لحم وفلسطين السلام والمحبة، وللسلطة والحكومة وغيرها من مؤسسات السلطة والاحزاب والحركات والبنى جميعا، افيقوا قبل ان يجتاحكم متعهد بمال وفير وثقافة ثأر وانتقام وفكر اقصائي تكفيري، مستندا على بنى تقليدية، وثقافة وقيم سلامة رأسي.