البحث يساعدك في العثور على أخبار وأشخاص وبرامج أكاديمية، والكثير من المعلومات الأخرى ...
إن ما يحدث في غزة من إبادة تدميرية ليس حدثاً مستقلاً عن بنية المحو التي تحكم منطق الاستعمار الاستيطاني الصهيوني القائم على صيرورة محو السكان الأصليين واحلال "مجتمع" المستوطنين محلهم، والذي يعمل على مستويات متعددة، منها: التدمير الحيوي متمثلاً بالإبادة الجماعية والتهجير، والتدمير المجتمعي المتمثل بتفكيك المؤسسات وتحطيم بنيتها التحتية، والتدمير الثقافي القائم على منع وجود وعي جمعي، والتدمير السياسي القائم على تفكيك الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني.
إن منطلقات هذه الحرب التي تشن على الشعب الفلسطيني في غزة، ضمن منطق المحو (وامتدادها جزئياً في مناطق مختلفة في فلسطين المحتلة)، تهدف بالأساس إلى جعل الحياة غير ممكنة في القطاع، وتسهيل عمليات التهجر، وتدمير البنية المؤسساتية المجتمعية، ومنها: مؤسسات القطاع الصحي، والقطاع القانوني، والقطاع التعليمي متمثلاً بمؤسسات التعليم العالي والمدارس، والقطاع الثقافي متمثلاً بالمؤسسات الثقافية، وغير ذلك من مؤسسات المجتمع المدني، واختزال حياة الإنسان الفلسطيني إلى تمني الحد الأدنى من ظروف البقاء، وتدمير اللحمة الاجتماعية-النفسية للسكان من خلال عمليات الإذلال والامتهان والتجويع والترحيل الدائم وإيصال المجتمع إلى نقطة فقدان الأمل، وخاصة بعد الخسائر البشرية التي لم يشهد لها التاريخ الفلسطيني مثيلاً.
في ظل هذا الواقع، ترى جامعة بيرزيت أنها ملزمة أخلاقياً ووطنياً أن يكون لها دور تدخلي في قطاع غزة، وهذا الالتزام ينطلق من رؤية قائمة على مفهومين: "المؤازرة"، أي المساندة من خلال العمل المشترك مع مؤسسات التعليم العالي في القطاع لتوفير ما أمكن للجامعات والأكاديميين والطلبة للعودة للعب دورهم المجتمعي وتحقيق حقهم في التعليم، و"إعادة الأمل" عبر إعادة بناء حياة ممكنة وواقعية في غزة رغم ما حل بها من دمار إبادي. إن هذا الالتزام نابع من دور جامعة بيرزيت المجتمعي بخدمة وتنمية المجتمع الفلسطيني ورؤيتها الاستراتيجية باعتبارها جامعة فلسطين والفلسطينيين وتاريخها كأول جامعة فلسطينية، ودورها الأكاديمي كجامعة ملتزمة بالتميز الأكاديمي.
وتستند هذه الرؤية إلى أن التدخلات المتوقعة هي عملية تحدٍّ مستمر لأهداف المحو ومنطقه، وإلى تعزيز صمود الفلسطينيين أمام تحديات الاستعمار الاستيطاني، وذلك من خلال المؤازرة للمؤسسات المجتمعية وتحديداً الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من خلال التعاضد المؤسساتي والتعليم الجامعي وإنتاج المعرفة التحويلية[1]المنبثقة محلياً والمرتبطة بحاجات إعادة إعمار قطاع غزة فيزيائياً ومجتمعياً. إن هذه التدخلات يمكن تنظيمها كسلّم أوليات رغم تقاطعاتها مفاهيمياً وممارساتياً ويمكن العمل بها بشكل متزامن اعتماداً على توفر الموارد اللازمة وحاجات ورؤى الجامعات في القطاع وسلّم أولوياتها، بحيث تكون جامعة بيرزيت حاضنة للمبادرات المحلية و العربية والعالمية لمؤازرة التعليم العالي في قطاع غزة.
[1] يصار الآن إلى تطوير عدد من الخطط التنفيذية والبرامج والأنشطة لتحقيق هذه الرؤية.