تأبين أستاذ الفيزياء والمناضل تيسير عاروري وإطلاق كتاب يروي سيرته

اجتمع رفاق وأصدقاء وعائلة المفكر والمناضل الشيوعي تيسير عاروري يوم الثلاثاء 11 نيسان 2017، لتأبينه في حفل عام أقيم على مسرح نسيب عزيز شاهين، في حرم جامعة بيرزيت، حيث أمضى أكثر من خمسة عقود كانت شاهدة على عمله الوطني العام في عدد من المجالات. وبدأ حفل التأبين بإطلاق كتاب يجمع 33 شهادة من زملاء وأصدقاء ورفاق تيسير عاروري، مؤرّخين لتجارب شخصية معه تغطي حقبًا مختلفة وجوانب متعددة من شخصيته الاستثنائية ومزاياه الإنسانية والعملية ومنهج تفكيره.

وقدم مساعد رئيس الجامعة د. عبد العزيز شوابكة كلمة الجامعة، وقال فيها أن رحيل تيسير العاروري كان خسارةٌ لجامعة بيرزيت التي عاش كلَّ مراحلَ تطوّرِها، من طالب في الكلّيّة الصغيرة، إلى عَلَمٍ في هذا الصرح الذي نفخر به. لقد تفاعل تيسير مع قضايا الجامعة محلّيًّا وعالميًّا، وكان أحدَ أعمدتِها العلميّة والفكرية. ولَئِن رحل جسدًا، فإنّ روحَه ما زالت تحلّق في المختبرات والقاعات والساحات التي أحبّها وأحبّته.  وأضاف: "باسمي الشخصيّ، وباسم جامعة بيرزيت، إدارةً وأكاديميّين وموظّفين وطلبة، نعزّي أنفسَنا كأسرة كبيرة، ونعزّي أسرتَه، ونرى في الإرث المعرفيّ التقدّميّ الذي تركه، والذاكرةِ الطيبةِ التي نسجَها خيرَ سلوان على رحيله."
وتم إطلاق الكتاب «تيسير: تاريخ يروي سيرة يصعب ردفها»، ورافق إطلاق الكتاب معرض بصري حمل ذات العنوان، وهو الذي أحب الحياة رغم أعباء العمل السياسي والعام وظروفه القاهرة، ويضيء على دوره النضالي على جبهات عدة، مثل الاعتقال الإداري، والإبعاد والمفاوضات والعمل السري والعلني في بناء المؤسّسات الجماهيرية وتوحيد القوى الديمقراطيّة، ومحطّات أخرى في حياته.
ولد تيسير عاروري في قرية برهام سنة 1946، لعائلة تعتاش على الفلاحة. حصل على شهادة الثانويّة العامّة في الفرع العلمي من المدرسة الهاشمية، وكان ترتيبه الأول على مدرسته، والـ18 على المملكة الأردنيّة. على ضوء نشاطه في الحزب وتفوقه في الثانوية العامة، حصل على منحة لاستكمال دراسته الجامعية في المعسكر الاشتراكي وحصل سنة 1973 على درجة الماجستير في الفيزياء النظرية والرياضيات من جامعة موسكو (لومونوسوف). ثم عاد ليعمل محاضرًا في جامعة بيرزيت، حيث عمل حتى وفاته، باستثناء سنوات الاعتقال والإبعاد.
وعرف عنه أنه مناضل وقائد وطني، ومفكر شيوعي بارز. انخرط منذ نعومة أظفاره في خدمة شعبه وقضيته على مختلف الصعد، ولأكثر من خمسين عامًا. كان من أبرز قيادات الحراك الجماهيري، وبذل كل ما يملك من جهد ووقت في سبيل تنظيم وتفعيل الأطر المجتمعية، وتمكين الفئات المستضعفة، والدفاع عن حقوق الإنسان. هذا ما وصفه تيسير في مقدمة كتابه قائلًا «مرضي الذي لم أرغب يومًا في الشفاء منه»، ومضيفًا «أعترف أن كل هذه المسؤوليات مارستها ولا زلت، عن شغف وحب ودافعية داخلية تشعرني بالراحة النفسيّة».
عندما اعتقل سنة 1974 كانت تهمته أنه «يفكر في عمل شيء ضد إسرائيل». وظل تحت الاعتقال الإداري مدة 45 شهرًا، ما دفع مؤسسة العفو الدولية أن تتبناه كسجين ضمير. جاء ذلك في ضوء حملة جماهيرية واسعة، وصلت أصداؤها الى شتّى أنحاء العالم، للمطالبة بالإفراج عنه واستمرت إلى حين الإفراج عنه فعلًا سنة 1978. عاد بعدها إلى التدريس في جامعة بيرزيت.
لكن مسلسل ملاحقته من قبل الاحتلال لم يتوقف، وكانت تهمته الأساسية متعلّقة بدوره في بناء المؤسسات والبنى الجماهيرية التي ساهم بإطلاق ودعم وتوجيه العديد منها؛ ومن ثم دوره القيادي في القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة المجيدة سنة 1987.
اعتُقل مرّة أخرى بتاريخ 8 آب/أغسطس 1988 في مدينة رام الله، وبعد عشرة أيام أبلغ بقرار إبعاده عن الوطن ومعه 26 مناضلًا آخر. فقرر أن يقدم مرافعته أمام لجنة الاعتراضات العسكرية، في سجن الجنيد في نابلس بنفسه مفندًا المسوغات القانونية لتبرير قرار الإبعاد وأسبابه العلنيّة.
كان لإبعاد عاروري صدى عالمي، ولحملات الضغط المرافقة له أثر مباشر في قرار حكومة إسرائيل بتعليق العمل بسياسة الإبعاد. وفي المنفى، كثّف تيسير عمله من أجل استقطاب تضامن عالمي أوسع مع قضية شعبنا، ولعب دورًا بارزًا في منظّمة التحرير الفلسطينية ومفاوضات مدريد وواشنطن.
بعد عودته إلى الوطن، تابع عمله من أجل خلق قواعد جماهيرية تحمل لشعبنا الحرية من خلال التعليم، وانخراطه الفاعل في الدفاع عن حقوق الإنسان مع عدد من المؤسسات والائتلافات الأهليّة، وأخرى سياسية وأكاديمية حتى آخر أيامه. من هذه المؤسسات: مركز القدس للمساعدة القانونيّة وحقوق الإنسان والمركز الفلسطينيّ لقضايا السلام والديمقراطية، ومؤسسة فؤاد نصار لدراسات التنمية ومعهد المعرفة والفكر الاشتراكي التابع لها، والحملة الفلسطينيّة للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، واللجنة البلدية لتسمية وترقيم شوارع مدينة رام الله، وغيرها الكثير.
كما له عدد من المقالات المنشورة والمقابلات الصحافية والمسجلة، وقد قام بجمع بعض منها في كتاب كان ليكون الأوّل فأصبح الوحيد سنة 2013، تحت عنوان يحمل رسالته الأساسية: «الهزائم ليست قدرًا». توفّي بتاريخ 26 تمّوز/يوليو 2016، إثر وعكة صحّيّة أثّرت على رئتيه وقلبه. كان تيسير عاروري زوجًا، وأبًا لأربعة.
ودشنت بلدية رام الله شارعاً باسم العاروري في احتفال رسمي، وتم تعليق لافتة كبيرة حملت اسمه وأخرى تحتها مباشرة عليها نبذة عن الراحل.