عربة الأمل: ليث حماد وشعلة الإصرار في جامعة بيرزيت

في حرم جامعة بيرزيت، حيث يتداخل صخب النقاشات الطلابية مع نسائم الحياة الأكاديمية، يجوب ليث حماد بعربته الكهربائية بين مباني الجامعة، وكأنها شريان يربط محطات رحلته التي تعج بالإصرار والتحدي. خلف ابتسامته الهادئة، يقف شابٌ صنع من كل عائق فرصة، ومن كل محنة منحة، ليكتب قصة ملهمة بدأت في بلدة بيتونيا، وما زالت صفحاتها تُكتب في أروقة الجامعة.

بداية القصة: تحديات مبكرة

وُلد ليث حماد بمرض ضمور العضلات الذي أثر تدريجيًا على قدرته على الحركة، حتى أصبح مقعدًا في عمر الرابعة عشرة. ورغم ذلك، لم يكن مرضه سوى محفز إضافي لخوض التحديات. في مدرسة تفتقر إلى التسهيلات لذوي الإعاقة، عانى ليث كثيرًا، إذ لم تكن المرافق المدرسية موائمة لاحتياجاته، مما جعله يتغيب كثيرًا عن الدروس وأثر على أدائه الأكاديمي.

يقول ليث: "كنت أشعر بالعزلة في المدرسة، فلم يكن هناك دعم حقيقي لنا كطلاب ذوي إعاقة. لكنني لم أسمح لهذه الصعوبات أن توقفني عن بناء نفسي." كانت أنشطة الكشافة التي التحق بها في سنواته الأولى محطةً مهمة في تعزيز ثقته بنفسه ودمجه بالمجتمع، لتصبح نواة لإصراره على مواجهة الحياة.

عقبات الثانوية العامة والعودة من جديد

تفاقمت التحديات خلال مرحلة الثانوية العامة، حيث اضطر ليث للتغيب عن المدرسة بسبب ظروفه الصحية، مما أدى إلى رسوبه في الامتحانات. إلا أن هذا لم يثنه عن السعي لتحقيق ذاته. بعد توقف عن الدراسة، اختار ليث التوجه إلى التعليم المهني وحصل على دبلوم في تصميم الجرافيك، ليعمل بعدها في شركات اتصالات، حيث أثبت كفاءته وأبدع في مجال عمله.

لكن الحياة حملت له منعطفًا جديدًا عندما أبلغه مديره في العمل أنه بحاجة لإكمال تعليمه للحصول على التثبيت الوظيفي والمزايا المرتبطة به. مع انتشار جائحة كورونا والعمل من المنزل، رأى ليث فرصة ذهبية للعودة إلى الدراسة.

"في البداية بدت الفكرة مستحيلة،" يقول ليث مبتسمًا. "لكن تذكرت أن العلم لا عمر له، فقررت أن أخوض التجربة رغم كل التحديات." وهكذا، بعد انقطاع دام تسع سنوات، بدأ ليث الاستعداد لامتحانات الثانوية العامة، ليحقق النجاح الذي طالما سعى إليه.

جامعة بيرزيت: بيئة داعمة للأحلام

مع نجاحه في التوجيهي، اختار ليث الالتحاق بجامعة بيرزيت لدراسة العلوم السياسية، وكان هذا الاختيار مدروسًا بعناية. فجامعة بيرزيت تُعد من الجامعات الرائدة في توفير بيئة تعليمية موائمة لذوي الإعاقة، مما منح ليث الثقة في متابعة طموحاته الأكاديمية والمهنية.

"بيرزيت ليست مجرد جامعة، بل هي بيئة حاضنة للديمقراطية والانفتاح. أشعر هنا أنني قادر على المشاركة الفاعلة والانخراط في الأنشطة المختلفة دون عوائق." اختيار العلوم السياسية يعكس اهتمام ليث بالشأن العام، ورغبته في أن يكون جزءًا من التغيير والمساهمة في بناء مستقبل أفضل.

رسالة أمل وإلهام

تجسد قصة ليث حماد درسًا في العزيمة والإصرار. من مدرسة غير مهيأة لذوي الإعاقة، إلى الوظيفة، ثم العودة إلى مقاعد الدراسة، استطاع ليث تحويل كل عقبة إلى نقطة انطلاق. اليوم، يجلس في صفوف جامعة بيرزيت، محاطًا بالأمل والتصميم على تحقيق أحلامه.

قصة ليث ليست فقط عن شخص تغلب على الإعاقة، بل عن إنسان أعاد تعريف التحدي والإصرار، ليبعث برسالة مفادها: "لا شيء مستحيل مع الإيمان والعمل."

وفي عربته الكهربائية، التي أصبحت رمزًا لرحلته، يواصل ليث السير في طريقه، متأكدًا أن الحلم لا يتوقف عند محطة، بل يستمر ما دامت العزيمة حاضرة.

 

** المادة من إعداد طالبة الإعلام لينا طعم الله