انطلاق أعمال المؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية في جامعة بيرزيت

انطلق مساء يوم الإثنين، 23 أيار / مايو 2022، عبر منصة "زووم" الإلكترونية أعمال المؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية في جامعة بيرزيت، بعنوان: "القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب"، وسط حضور مميز من طلبة وأساتذة المعهد، وكذلك مجموعة من الباحثين والأكاديميين وأصدقاء المعهد، حيث بُثّت وقائع الجلسة على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للمعهد وحصدت مئات المشاهدات في اليوم الأول. وتستمر أعمال المؤتمر مدة أربعة أيام، بواقع جلسة واحدة كل يوم.

وألقى مدير معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية د. علي الجرباوي، كلمة افتتاحية مبيناً أن المعهد قد خصّص مؤتمره لهذا العام للتباحث بشأن ما يجري في الإقليم من تحولاتٍ مهمة بمختلف الصُعد على القضية الفلسطينية. وفميا قدمت  عبير زغاري كلمة مؤسسة كونراد أديناور في فلسطين بالنيابة عن ممثل المؤسسة، السيد ستيفن هوفنر، شاكرةً المعهد على الشراكة الاستراتيجية، وإنجازه لهذا المؤتمر، كونه يتميز بتقديم نخبة متميزة تساهم في إنشاء فضاءات للتحليل والنقاش والحوار.

ترأّس الجلسة الأولى التي جاءت بعنوان "الصراع الدولي على منطقة الشرق الأوسط"، الدكتور إبراهيم فريحات، أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا، وقدّم فيها روس هاريسون، وهو زميل أول ومدير الأبحاث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن العاصمة، مداخلةً أعطى من خلالها تصوراً أن الشرق الأوسط في حالة تغيّر دائم منذ خروج القوى الأوروبية التقليدية منه (بريطانيا وفرنسا) بداية أربعينيات القرن الماضي، وأن هذا التغيّر الديناميكي لم تعد القوى الدولية الحالية أهم الفاعلين في تشكيله. ويعود سبب ذلك إلى الخلفية التاريخية والعوامل الجارية التي أدت إلى عزوفها عن تحمّل عبئ هذا التشكيل. ففي السابق كانت المنطقة ساحة فراغ أغرَت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على تشكيلها، وكانت تعكس قطبية النظام الدولي في حينه. ومع سقوط نظام الشاه في إيران عام 1979، بدا وكأنه هزّة للمنطقة، وتغيّر يهدد المصالح الأميركية. وكانت العقود الثلاث القادمة (1979 – 2011)، وما حملته من أحداث قد خلقت للولايات المتحدة معضلة سياسية أمنية أوصلتها إلى نيّة الخروج من المنطقة؛ مثل الفشل في العراق وأفغانستان، وفشل احتواء إيران، وبداية مرحلة جديدة من التنافس بين القوى الإقليمية.

 واستشرف هاريسون مستقبل الشرق الأوسط بأن القوى الإقليمية ستحاول إعادة تشكيله. واستبعد أن تأخذ المنافسة الأميركية – الصينية شكل حربٍ باردةٍ جديدة، نظراً للدور الصيني الخجول في المنطقة. فقد وفّرت واشنطن مظلة أمنية لها في الخليج. وهناك مؤشرات على أن القوى الإقليمية تسعى لبناء تفاهم إقليمي يُزيح الاضطراب في المشهد الراهن، وما المساعي التركية الأخيرة لبناء تفاهمات مشتركة مع السعودية والإمارات وإسرائيل (وربما مصر لاحقاً)، إلا دليل على ذلك.

وشارك تشارلز كوبشان، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورج تاون، بتقديم مداخلة أكد من خلالها على نهاية مسار طويل من الهيمنة للقوى الدولية على منطقة الشرق الأوسط، وأن هذه النهاية ستُفضي إلى حقبة طويلة وجديدة، وستعتمد على القوى الإقليمية في القضاء على المشاكل السياسية. ويعطي كوبشان أمثلة على شعور الولايات المتحدة بالخيبة من المنطقة، جراء فشل مسار التحول الديمقراطي في بلدان "الربيع العربي". مبيناً أن الولايات المتحدة لم تعد مهتمة بالتدخل الخارجي، بسبب التحولات التي يشهدها الداخل الأميركي، كالتحول الاجتماعي – الاقتصادي، وتراجع نسبة الطبقة الوسطى، إضافة إلى دعوة أميركيين كُثر الإدارات الأميركية لعدم الانجرار إلى الحروب مجدداً، والمطالبة بسياسة انكفائية، التي حاول الرئيس السابق، دونالد ترامب، تبنّيها. واختتم مداخلته بالتطرق إلى أهمية نشوء الحقبة الرقمية التي تسعى لجعل العالم أقل اعتماداً على مصادر الوقود الأحفوري على المدى الطويل. ونوّه إلى أن الولايات المتحدة تحتفظ بقوات عسكرية في منطقة الخليج العربية، رغم الإعلان عن التحوّل شرقاً نحو الباسيفيك منذ ولاية الرئيس الأسبق، باراك أوباما، عام 2011.

قدّم توماس ديملهوبر، أستاذ سياسات الشرق الأوسط والمجتمع في جامعة فريدريك الكسندر – إيرلانغن نورنبرغ، المداخلة الأخيرة، واستهلّها بالقول إن الخارطة السياسية للشرق الأوسط مكشوفة – وما زالت - منذ العام 2003 أمام القوى الأخرى، ما حفّزت القوى الإقليمية على إعادة ملئها. إلا أن هذه القوى الإقليمية في سياق تنافسها في المنطقة، تقوم ضمنياً بتهيئة الإقليم لإعادة تشكيل نفسه في ضوء هذا التنافس. ويعزى ذلك إلى غموض تحالفات الفاعلين الإقليميين وسياساتهم الخارجية. وقد ساعدت تداعيات جائحة كوفيد الفاعلين على حياكة علاقات جديدة مع قوى دولية صاعدة على قاعدة اقتصادية وتجارية. فكان للصين دوراً مهماً في استغلال الجائحة للترويج بالأفكار والقيم والترابط الاقتصادي. وكان – في المقابل - الإهمال الأميركي للشرق الأوسط منذ انتخاب أوباما عام 2008 قد أوجد فراغاً سياسياً يمكن ملؤه. وقد استغلت روسيا والصين جيداً هذا الفراغ. ويعطي أمثلة حول الوجود العسكري الروسي في سوريا، والشراكات الصينية الغنية مع شمال أفريقيا. كما وجدت دول عربية وخليجية في الحرب الروسية – الأوكرانية مسلكاً للبحث عن تحالفات جديدة في قطاعات الاقتصاد والطاقة والتقانة.

واختتم ديملهوبر بالإشارة إلى أن دولاً عربية أوتوقراطية قد بدت أكثر ذكاءً وبراغماتية من ذي قبل في إدارة الصراع الإقليمي، غير الصفري. كما وجد أن الدول استخدمت الطائفية أداةً لتحقيق أغراض سياسية ضيقة. إضافة إلى ذلك، تبدو الدول ذات الأنظمة الأوتوقراطية ذكيةً أيضاً فيما يتعلق بتحقيق الاستقرار الداخلي عن طريق المشاريع الكبيرة، ويضيف أن الجائحة اُستغلت جيداً لفرض نوع جديد من الرقابة الأمنية مقابل تقديم اللقاحات.

وفي ختام الجلسة الأولى يمكن استعراض الخلاصات النهائية للمتحدثين التي دعمتّها النقاشات وأسئلة الحضور. لفت كوبشان النظر حول المنحى السياسي الذي اتخذته بعض الدول إزاء الأزمة الأوكرانية، والمتمثل بتجنّب الاصطفاف مع إحدى المحورين الرئيسين، وهلّلَ أن العالم يبدو أنه قد دخل المرحلة الرقمية على غرار المرحلة الزراعية والصناعية. في حين يرى هاريسون أنه لا توجد استراتيجية أميركية واضحة وثابتة منذ عام 1989. أما ديملهوبر فيؤكد أن إسرائيل تمتلك علاقات قوية مع الصين، إذا ما قورن التراجع الأميركي بالصعود الصيني تجاه المنطقة.