ندوة حول مقاطعة الأسرى الإداريين لمحاكم الاحتلال الصهيوني

ضمن فعاليات مساق "دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة"، عقدت دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية بالتعاون مع معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان وحملة الحق في التعليم في جامعة بيرزيت، الندوة السابعة من سلسلة ندوات الحرية بعنوان " مقاطعة الأسرى الإداريين لمحاكم الاحتلال الصهيوني،" وذلك يوم الخميس الموافق 9 حزيران 2022. وقد استضافت الندوة الأستاذة سحر فرنسيس-مديرة مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، والأستاذ عدي منصور-المحامي في مركز عدالة، فيما أدارت الندوة وأطَّرت لها الأستاذة خالدة جرار-الأسيرة المحررة والباحثة في معهد مواطن للديمقراطية وحقوق الإنسان. 

افتتحت الندوة بقراءة رسالة لطلبة المساق، وردت لدائرة الفلسفة والدراسات الثقافية عبر نادي الأسير الفلسطيني، من أهل المعتقل الإداري محمد الحلبي-صاحب أطول محاكمة في تاريخ الحركة الفلسطينية الأسيرة، إذ سيتم عقد محاكمته رقم 170 خلال شهر حزيران 2022. ومن الجدير ذكره أن الحلبي معتقل منذ العام 2016، وهو مهندس وناشط حقوقي في غزة، تعرض للتعذيب والتحقيق مدة بلغت 52 يوماً رافضاً التهم الموجهة له رغم مساومة سلطات الاحتلال له بعقد صفقة معه إن اعترف. 

ثم قدَّمت الأستاذة خالدة جرار للندوة بالإشارة إلى أن الاعتقال الإداري هو جزء من منظومة التمييز العنصري التي يشارك فيها الجهاز القضائي الإسرائيلي ويتم تعزيزها بما يعرف بـ"الملف السري." وفي هذا الإطار، تم التنويه إلى أن الأبارتهايد يعد جريمة حرب تمارسها المنظومة الاستعمارية ولا يجب أن تتجزأ قضاياها وموضوعاتها رغم تخصص الندوة في إحدى هذه القضايا، وهي الاعتقال الإداري. كما تمت الإشارة أن الأسرى الإداريين البالغ عددهم حوالي 600 أسير وأسيرة يقاطعون محاكم الاحتلال لليوم 160 على التوالي، فيما يخوض ثلاثة منهم الإضراب عن الطعام رفضاً لهذه السياسية، وهم: خليل عواودة لليوم 99، ورائد ريان لليوم 64، وهاني بشارات لليوم 18. فسياسة الاعتقال الإداري هي جزء من المنظومة الاستعمارية التي يكون فيها الجهاز القضائي في خدمة جهاز "الشاباك"، وحسب بعض الإحصائيات فقد صدر أكثر من 52 ألف قرار اعتقال إداري منذ العام 1967 حتى اليوم ما بين تجديد لاعتقال قائم أو اعتقال جديد. وفي إطار تصدي الأسرى لهذه السياسة، فقد عملوا تاريخياً على مواجهتها في أكثر من مرحلة، كانت أولاها في العام 1996 عبر مقاطعة المحاكم كأحد أساليب المقاومة باعتبار المحاكم وخطابها القانوني جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية. ثم تبعتها محاولة أخرى في العام 2011، وثالثة في العام 2018، حيث جرت استمرت المقاطعة لمدة 6 أشهر، ولكنها لم تكن شاملة لكل الأسرى الإداريين. 

وقد تحدثت الأستاذة سحر فرنسيس عن الإطار العام لمنظومة القوانين العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي عمل الاحتلال على تطويرها منذ العام 1967، حيث بدأ استخدام هذه القوانين كأدوات للسيطرة على الفلسطينيين وقمعهم، ومن ضمنهم المعتقلين الإداريين الذين يأتي نضالهم في مقاطعة المحاكم العسكرية ضمن هذا السياق. فالاعتقال الإداري، كما أوضحت فرنسيس، مبني على أنظمة الطوارئ البريطانية التي تسمح للقائد العسكري لكل منطقة بإصدار أمر اعتقال إداري استناداً إلى مواد "ملفات سرية" دون توضيح سبب الاعتقال الأساسي، وذلك لمدة 6 شهور قابلة للتمديد لفترات متفاوتة قد تمتد لسنوات. 

وبهذا، أوضحت فرنسيس أن الاعتقال الإداري هو سياسية قمعية وتعسفية من أجل مواجهة الأحداث السياسية على الأرض. فخلال العام 2002 أثناء اجتياح مدن الضفة الغربية ارتفعت وتيرة الاعتقال الإداري واستمرت حتى العام 2007، ثم عادت للارتفاع مرة أخرى في العام 2015، واستمرت حتى اليوم حيث وصل عدد المعتقلين الإداريين إلى قرابة 600 معتقل. ولا يستثنى من هذه الإحصائية بطبيعة الحال عدد المعتقلين سنوياً، إذ خلال العام 2021 تم اصدار 1195 أمر اعتقال إداري منهم 6 أطفال، كان من بينهم الطفل أمل عرابي نخلة الذي تحرر مؤخراً. وقد أشارت فرنسيس أنه في ظل كل هذه التطورات، عمل الأسرى على مواجهة هذه السياسية بحزم، إذ خلال العام 2011 شرع الأسرى في سياسية الإضراب الفردي عن الطعام، فكانت تجربة الأسير المحرر خضر عدنان، إلا أن من بدأ فلسفة الإضراب الفردي من قبل كانت الأسيرة عطاف عليان التي أضربت رفضاً لاعتقالها الإداري في العام 1997 لمدة 42 يوماً. وإثر ذلك، انطلقت الحملات الشعبية الفاعلة في مساندة الأسرى الإداريين، ومنها: حملة الأبواب المفتوحة في العام 1997، والتي استمرت لمدة سنتين ونصف، وذلك على العكس من واقع الحال اليوم الذي تغيب الحملات الفاعلة لهذا الغرض. ولذا، تتعالى اليوم الأصوات لتفعيل الدور الشعبي من أجل مساندة الأسرى عبر تفعيل الشارع، وعدم الاستخفاف بدور الحملات وممارسة الضغط من الخارج من أجل دعم نضال الأسرى الإداريين المضربين عن الطعام وغير المضربين، وذلك حتى لا تتكرر تجارب العامين 2011 و2014 التي لم ينجح الأسرى فيها بجني ثمار خطواتهم النضالية بسبب غياب الدعم الفعال من خارج السجون. 

ومن جهته، استكمل الأستاذ عدي منصور الحديث عن سياسية الاعتقال الإداري باعتبارها سياسية استعمارية هدفها قمع الفلسطيني والسيطرة عليه والتعامل معه كمشتبه، وحتى كمدان، قبل أن تتم محاكمته. ورغم مخالفة سياسية الاعتقال الإداري لجوهر القانون الدولي، إلا أنها أصبحت جزءاً لا يتجزأ من منظومة العمل القضائية الإسرائيلية، وأصبح التعامل معها يتم وكأنه شيء مفهوم ضمناً، إضافةً إلى مأسسة نوع العلاقة التي نشأت على مدى عقود بين المنظومة القضائية العسكرية والمخابرات كجزء من العلاقة الحميمية التي تجعل القاضي يتعامل مع كل ما يصدر عن المخابرات باعتباره معلومات موثوقة ولا تحتاج إلى مراجعة قانونية. وباستخدام أمثلة عينية على حالات اعتقال إداري لفلسطينيين من الداخل المحتل، أشار منصور إلى خطورة عمليات "إعادة الصياغة" التي يجريها المحققون في الملفات المقدمة للمحاكم، والتي يكتنفها قدر هائل من الفجوات والضبابية، والتي تستخدم كذلك كأداة غير/قانونية للإدانة، والتي تعزز القناعة التي تفيد بامتداد سياسات التمييز العنصري إلى منظومة القضاء الإسرائيلية، وتكرس جوهرها الاستعماري.  

هذا، وقد اختتم المتحدثون الندوة بالدعوة إلى ضرورة الالتفاف الشعبي حول الأسرى الإداريين ومساندتهم من خلال الحملات الشعبية في خطواتهم المتمثلة بمقاطعة المحاكم العسكرية، ذلك أن تحقيق أي إنجازات يرتبط بحشد ضغط شعبي يساعد في تعزيز صمود الحركة الأسيرة من الداخل، مع ضرورة الانتباه إلى عدم الغرق في تفاصيل الحياة اليومية إلى الدرجة التي يصبح فيها قمع الفلسطيني والتنكيل أمراً طبيعياً. 

للاطلاع على تسجيل الندوة-تصوير الإعلامية لمى غوشة

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=383204940445653&id=1834964429