عن مذكرات جابي برامكي

مذكرات جابي برامكي (1929-2012):  جامعة بيرزيت وسردية الانتصار على الموت د. عبد الرحيم الشيخ  

بأناة وأناقة لافتتين، تماماً كما في حياته، رحل الأستاذ الدكتور جابي برامكي في الثلاثين من آب 2012 في مسقط رأسه وزَند دمعته-القدس بعد مناوشة نبيلة مع مرض لم يعقه عما اختاره من "عمل على ظهر السفينة" في الصمود والمقاومة حتى آخر أيامه. عرفتُه طالباً في جامعة بيرزيت في النصف الأول من عقد التسعينيات، وزميلاً في الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وكاتباً لمذكراته، التي رحل قبل خروجها إلى النور، بعنوان: "جامعة بيرزيت-بين القدس وبيروت: مذكرات جابي برامكي."  

سيرة ذاتية برسم الغير،  ففي مطلع العام 2012 أعلمني الصديق خالد فرَّاج (خريج جامعة بيرزيت، ورئيس مجلس طلبتها سابقاً، ومدير مؤسسة الدراسات الفلسطينية-مكتب فلسطين) بمرض الأستاذ برامكي وضرورة تدوين تجربته الشخصية في مسيرة البناء الوطنية التي كانت جامعة بيرزيت في عين عاصفتها منذ أن كانت مدرسة في العقد الثالث من القرن العشرين.

أدهشني خالد، كالعادة، بفضيلة الانتباه لإنجازِ الضروريِّ من الأعمال الفردية التي تخص التجربة الجمعية في التاريخ الفلسطيني الحديث، وأقنعني بضرورة المباشرة بالتواصل مع  الأستاذ برامكي لإنجاز سيرةٍ ذاتية برسم الغير تسردُ تاريخ المؤسسة التي نابت عائلة فلسطينية، آل ناصر، بإنشائها، عن الحركة الوطنية الفلسطينية جمعاء في تدشين رافعة أكاديمية وثقافية وسياسية للمشروع الوطني الذي أظهرته إلى الوجود منظمة التحرير الفلسطينية، هي: جامعة بيرزيت.  

كانت أول زيارة للأستاذ برامكي وزوجته السيدة هيفاء في بيتهما في حي الصفا في الطيرة-رام الله، منتصف نيسان 2012، وكان قد أنجز سلفاً خطاطة للمذكرات، بعنوان:  "المقاومة السلمية: إقامة جامعة فلسطين تحت الاحتلال الإسرائيلي" محاكياً به، في ترجمة مباشرة، عنوان كتابه الذي صدر في العام 2010 عن دار بلوتو، بلندن، بعنوان: (Peaceful Resistance: Building a Palestinian National University under Occupation).  قسَّم الأستاذ برامكي هذه الخطاطة إلى 37 مدخلاً يمكن قراءتها، كرونولوجياً، على أنها تحقيب لسيرته ومسيرة جامعة بيرزيت في أربع مراحل تاريخية، هي: الاستعمار البريطاني، والنكبة وقيام إسرائيل والضم الأردني، والنكسة والحكم العسكري، والسلطة الفلسطينية. ناقشنا الخطاطة الأولية على نحو بانورامي، واتفقنا على بدء العمل في وقت قريب.  

سافر خالد إلى بيروت، لكننا تواصلنا لتشكيل فريق بحثي مساند للمساعدة في إجراء المقابلات، وتفريغها، وإنجاز العمل البحثي الضروري في أرشيف الجامعة. تواصلتُ مع الصحفي النجيب عباد يحيى (خريج جامعة بيرزيت) والدكتورة الشغوفة بالإنسانيات أسيل حموز (خريجة الجامعة العربية الأمريكية في جنين)، وكلاهما يعمل على إنجاز درجة الماجستير في الإنسانيات والعلوم الاجتماعية في جامعتي بيرزيت والقدس، بالترتيب.

وافق الإثنان أن يكونا مساعدي بحث في مشروع المذكرات بحيث يتولى عبَّاد مهمة التسجيل بالصوت، والصورة الثابتة، والفيديو؛ فيما تقوم أسيل بالتدوين اليدوي لاستدراك أي خلل في التسجيلات أو خشية أي رداءة متوقعة في المادة الصوتية أو الفلمية. كما تم التواصل مع الأستاذة لبنى عبد الهادي-مديرة مكتب العلاقات العامة في جامعة بيرزيت لتسهيل الوصول إلى المواد ذات العلاقة في أرشيف الجامعة، وكان فريق مساعدي البحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية مستعداً لتفريغ المقابلات تباعاً.    

في هذه الأثناء أُعدَّت خطة جديدة للمذكرات، وأُقرَّت من قبل الأستاذ برامكي ولجنة الأبحاث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية، راعت أن تتسع المذكرات لتاريخ الجامعة بحيث تستدرك ما حالت ظروف مختلفة دون نشره في كتاب الأستاذ برامكي بالإنجليزية، وتستدعي ما لم تدونه النشرات التي أصدرتها الجامعة، عموماً، حول تاريخها، وأهمها الكتاب الذي حررته الأستاذة عايدة عودة، في العام 2010، بعنوان: "جامعة بيرزيت: قصة مؤسسة وطنية" وكان بأقلام مجموعة كتَّاب من أسرة الجامعة، ومن أجيالها المتعاقبة: مؤسسين، وإداريين، وأكاديميين، وطلبة. كما تم تداول فكرة، لا تزال قيد التداول، أن يتم إصدار فلم وثائقي قصير مع المذكرات حول حياة الأستاذ برامكي ومسيرة جامعة بيرزيت. وبناء على الخطة الجديدة، قُسِّمت المذكرات إلى مقدمة حول جامعة بيرزيت ودورها في بناء الهوية الوطنية، وتدشين "مشروع التنوير الفلسطيني؛" وأربعة فصول تتناول: مرحلة التدشين الأولى-المشروع العثماني والمشروع البريطاني؛ ومرحلة النكبة-تكوينات النخبة الفلسطينية والحكم الأردني؛ ومرحلة النكسة وبناء الجامعة في ظل الاحتلال وتحديات الوجود؛ ومرحلة السلطة الفلسطينية وتحديات الجوهر. فيما تعتني الخاتمة بالتركيز على مآلات الجامعة في ظل تحوُّلات المشروع الوطني الفلسطيني والرغبة بالوصول بالجامعة إلى عتبة الكونية.

 وباستكمال الخطة، بدأنا إجراء المقابلات مع الأستاذ برامكي تباعاً في بيته بين 29 نيسان 2012 و27 أيار 2012، بالإضافة إلى إجراء مقابلتين مع رئيس مجلس أمناء الجامعة الدكتور حنا ناصر، ورئيسها الحالي الدكتور خليل هندي، في شهري حزيران وتموز، وثالثة مع رئيسها السابق الدكتور نبيل قسيس لـمَّا ننجزها بعد.

وما أن شرعنا بإجراء المقابلات والعمل على المذكرات، حتى تصاعدت وتيرة حماس الأستاذ برامكي أكثر من حماسنا نحن على الرغم من آلام المرض وتبعات العلاج... كان للأستاذة هيفاء برامكي حضورها الخاص في ضبط إيقاع العمل على نحو نادر، لكن انتصار السرد كان الأقدر على ضبط الاستراحات بين ومضات الذاكرة الفلسطينية، الحلوة حيناً والمرَّة أحياناً، وطرائف التأرجح على فوهة أسلحة الاحتلال المنصوبة قبالة الجامعة: فكرةً ووجوداً.

كان يفترض أن يقوم الأستاذ برامكي بمراجعة مسودات الفصول، التي أكتبها تباعاً متنقلاً بين ذاكرة المؤسسة الشفاهية التي سردها على امتداد ست مقابلات مذهلة وذاكرة المؤسسة المكتوبة، أرشيفاً ومنشورات... لكن "أسوأ ما في الموت،" وهو "توقيته،" كما علَّمنا الراحل حسين البرغوثي، قد يلقي بتلك المهمة على عاتق الأستاذة هيفاء برامكي، شريكة المسيرة في الحياة-الجامعة.  

جامعة بيرزيت وسدانة المشروع الوطني وعلى ذلك، تأتي أهمية نشر مذكرات الراحل جابي برامكي نظراً لفرادة مسيرته على المستوى الشخصي، وفرادة التجربة الجمعية التي تسردها-تجربة تدشين جامعة بيرزيت كمؤسسة وطنية رائدة تحت الاحتلال. وقد اكتسبت جامعة بيرزيت موقعها الطليعي في المسيرة التعليمية جرَّاء تميزها الأكاديمي والبحثي والمجتمعي، لكن تأسيسها في فترة حرجة من التاريخ الفلسطيني (والذي تزامن معه تأسيس الجامعة العبرية في القدس ومجمع اللغة العبرية) منحها فرادة إضافية من حيث موقعها في تدشين المشروع الوطني الفلسطيني، وتوجيهه، وسدانته. هذا، وقد استمدت هذه التجربة فرادة أخرى عبر قيام عائلة فلسطينية (آل ناصر) بتعهُّد عمل هائل كهذا، كان على الحركة الوطنية الاضطلاع به، وبخاصة بعد تدشين الكلية العربية في القدس في العام 1918، العام ذاته الذي وضع فيه حجر الأساس للجامعة العبرية.  

في مذكرات جابي برامكي، التي غيَّب الموت صاحبها قبل اكتمال قوسها بقليل، تجتمع هذه الفرادات وتُروى على لسان واحد ممن عاصروها لحظة بلحظة منذ تكويناتها الأولى. ونظراً لكون الأستاذ برامكي (مواليد القدس في العام 1929) قد عاصر الفترات الأربع لتخلُّق هذه الجامعة (في ظل الانتداب الاستعماري البريطاني، وحكم الضم الأردني، والاستعمار الصهيوني، والسلطة الفلسطينية)، فإن هذه المذكرات تعد إسهاماً يندر نظيره في مدوَّنات التاريخ الاجتماعي والثقافي الفلسطيني.  

والأستاذ برامكي هو الابن المقدسي النجيب الذي التحق بمدرسة بيرزيت في العام 1934، ولمَّا يزل عمره خمس سنوات، والثورة الفلسطينية على الاستعمار البريطاني والحركة الصهيونية على أشدها، ليضرب أروع أمثلة الالتزام الاجتهاد في انتظامه المدرسي الذي أهله للتخرج بشهادة المترك في العام 1946، وليتجه بعدئذ إلى الجامعة الأمريكية في بيروت التي أنجز فيها بامتياز درجتي البكالوريوس والماجستير في الكيمياء، رغم رغبة والده بأن يدرس الطب، بين الأعوام 1946-1953، ورغم كارثة النكبة الفلسطينية في العام 1948 التي حرمته وأهله بيتهم المقدسي وقبلة أرواحهم الذي حولته سلطات الاحتلال الصهيوني إلى متحف استعماري. وعلى الرغم من كارثة النكبة، كذلك، فقد أتاحت الحقبة البيروتية للأستاذ برامكي ملابسة إرهاصات التخلُّق الفعلي للحركة الوطنية الفلسطينية المنتشية بانتصار بعض الحركات القومية العربية، وبخاصة ثورة الضباط الأحرار في مصر، ومزاملة الروُّاد الفلسطينيين من أمثال وديع حداد، وجورج حبش، وشفيق الحوت، وكمال ناصر، وغيرهم، في رحاب الجامعة الأمريكية وخارجها.

 وبعد عودته إلى فلسطين، ليشهد مرارات النكبة، عمل الأستاذ برامكي أستاذاً وإدارياً مدة أربع سنوات إضافية قبل حصوله على منحة للدكتوراه في جامعة ميغيل في كندا أنجزها باقتدار في سنتين 1957-1959، ليعود مرة أخرى إلى أرض وطنه الكبير فلسطين، ووطنه الأحب بيرزيت-المتدرجة من مدرسة إلى كلية متوسطة إلى جامعة رائدة.

على امتداد سبعة عقود، عمل الأستاذ برامكي أستاذاً، ومديراً للمدرسة، وعميداً للكلية المتوسطة، ومحاضراً حين تحولها إلى جامعة، ورئيساً بالوكالة، وعضواً في مجلس الأمناء، وعضواً مؤسساً لمجلس التعليم العالي، وفاعلاً نبيلاً في الحملة الفلسطينية لمقاطعة إسرائيل أكاديمياً وثقافياً. وقد كانت هذه كلها منابر لم يدافع الأستاذ برامكي منها عن هوية جامعة بيرزيت الوطنية فسحب في ظل السلطات السياسية المتعاقبة، بل ساهم في تدشين هويتها التعددية والديمقراطية والعصية على الارتهان لتيارات السياسية والفكر المتباينة التي لم تزد جامعة بيرزيت إلا غنى وتميزاً.

ولـمَّا كان القصد من هذه المقالة استعراض مشروع مذكرات الأستاذ برامكي، كان لا بد من إدراج بعض الشذرات من المحطات اللافتة فيها استباقاً لصدور المذكرات، تكريماً لصاحبها.  

مدرسة بيرزيت: حجر الأساس في "الهيكل الروحي" للمشروع الوطني الفلسطيني في أواخر الحقبة العثمانية وبدايات الانتداب البريطاني تركزت المؤسسات التعليمية في القدس وكانت، في معظمها، مدارس تبشيرية، سواء كانت ألمانية أو فرنسية، باستثناء الكلية العربية في القدس التي استثمرها الإنجليز لإعداد كوادر موظفين في المؤسسات الانتدابية، إلى مهمتها الأساسية في تأهيل المعلمين.

حينها، كانت السيدة نبيهة ناصر مهتمة بالحركة النسوية ومعنية بتأسيس مدرسة في الريف الفلسطيني للبنات، إلى أن تجلَّت رغبتها بتأسيس مدرسة بيرزيت للبنات في العام 1924 سوية مع السيدة رتيبة شقير، وسرعان ما تحوَّلت المدرسة إلى مدرسة ابتدائية مختلطة، ومن ثم إلى مدرسة عليا. وفيما كانت المدارس مؤسسات تبشيرية في حقبة ما بين الحربين، كانت مدرسة بيرزيت مدرسة وطنية، على ما يعبِّر عنه مفهوم "وطنية" في حينه من خدمة لأبناء الوطن من الفلسطينيين، وتعليم بالعربية، وعدم ارتباط بأي من القوى الاستعمارية.  

العام 1924 كان عاماً حافلاً، إذ شهد إعلان سقوط الخلافة الإسلامية، وبدايات تبلور وعي قومي عربي ووطني فلسطيني جديدين، إلا إن فكرة تأسيس جامعة عربية في القدس، لا في بيرزيت، لم تكن واضحة على أجندة الحركة القومية العربية، ولا على أجندة الحركة الوطنية الفلسطينية الخديجة. كان ثمة بعض الاقتراحات بإنشاء جامعة إسلامية في القدس بلورها لاحقاً المجلس الإسلامي الأعلى ولم تر النور، لكن إنشاء الكلية العربية في القدس في العام 1918 (واستثمار الإنجليز لها بعد إعلان الانتداب)، شكَّل استيهاماً موضوعياً، ربما، يوازي بينها وبين الجامعة العبرية التي تعود فكرة إنشائها إلى المؤتمر الصهيوني الأول حيث اقترح الناشط الصهيوني تسفي هرمان شابيرا هذه الفكرة على المندوبين الآخرين وتم نقاشها في إطار المؤتمر، وبعد 16 عاماً منذ بداية مناقشة الفكرة، اتخذ المؤتمر الصهيوني في العام 1913 قرار إقامة جامعة عبرية، ليتم في العام 1918 وضع حجر أساسها، ومن ثم افتتاحها في العام 1925 (بعد عام واحد من تأسيس مدرسة بيرزيت)، في احتفال رسمي حضره اللورد آرثر بلفور، والمندوب البريطاني "السامي" هربرت صمويل، ومجموعة من الزعماء الصهاينة من الأب المؤسس حاييم فايتسمان، إلى الحاخام إبراهيم إسحاق كوك، إلى الشاعر حاييم نحمان بياليك.

 لقد حققت مدرسة بيرزيت حلم الرائدة نبيهة ناصر، وحقق تحوُّلها إلى مدرسة مختلطة عليا، فكليَّة متوسطة، من بعدها، حلم المربي والسياسي الفلسطيني اللامع موسى ناصر، لكن تدشين رافعة معرفية للمشروع السياسي الفلسطيني (الذي استغرق أربعة عقود بعدئذ للتبلور على يدي منظمة التحرير الفلسطينية) لم يكن في الحسبان تماماً، ولم تتنبه إليه الحركة الوطنية الفلسطينية إلا لاحقاً. أما على الجانب الآخر لمعركة تدشين الحكاية القومية، فقد كان مؤسسو الجامعة العبرية يعرفون معرفة اليقين أنها ستكون "الهيكل القومي الجديد، وقصر جبل صهيون للحكمة والعلوم" كما تنبأ ميناحيم أوسيشكين، الذي كان رئيساً لمجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي، وأول رئيس لجنة أسماء حكومية في عهد بن غوريون، وواحداً من أهم من عملوا على إجهاض مشروع أوغندا، وأهم الأصوات المحرِّكة لإنشاء الجامعة العبرية في القدس، ومن الآباء الروحين لفكرة الترانسفير. أسست الجامعة العبرية، وما فيها من أقسام للإنسانيات والعلوم الاجتماعية، لتسهم في هندسة "الشعب الإسرائيلي الحديث" على صورة النموذج الألماني، وبذات أدواته المعرفية والاستشراقية في الفصل بين التاريخ اليهودي وتاريخ العالم... فيما لم تضطلع جامعة بيرزيت بصنو هذه المهمة إلا في منتصف عقد السبعينيات من القرن العشرين.

بيت على "خط التماس": العمَّار الفلسطيني مصمماً للمتحف الاستعماري كان عمرُ برامكي خمس سنوات حين جاء إلى مدرسة بيرزيت المختلطة في العام 1934، وجاء بسيارة خاصة تذرع طريقاً ترابياً من القدس إلى رام الله مروراً بعين سينيا وجفنا إلى بيرزيت. كان ثمة تاكسي وحيد بين القدس وبيرزيت، هو تاكسي نسيم ناصر، وكانت الحافلة تنتقل بين القدس ورام الله مرتين: ذهاباً في الصباح وإياباً في المساء. كان الطلبة في المدرسة من أربعة أنحاء فلسطين... وكانت المدرسة الداخلية شعلة من النشاط الرياضي والثقافي، وبخاصة بعد تحوُّلها إلى مدرسة ثانوية في العام 1942. شارك برامكي في مسابقات الشعر، التي نبغ فيها الشهيد كمال ناصر (الذي يكبر برامكي بخمس سنوات)، وكان برامكي عضواً في الفرقة المسرحية التي تؤدي الأعمال الشرقية والغربية من "مجنون ليلى" إلى "هاملت." يقول الراحل برامكي: "لقد استفدت كثيراً من دروس التمثيل، وتعدد الأدوار، استفدت منها لاحقاً في التعامل مع جنود الاحتلال وضباط الإدارة المدنية!"

تخرَّج برامكي من مدرسة بيرزيت في العام 1946، متجهاً إلى الجامعة الأمريكية في بيروت، وعلى عكس ما أراد والده العمَّار أن يدرس الطب، أنجز درجتي البكالوريوس والماجستير في الكيمياء في العام 1953. في الحقبة البيروتية اختلط برامكي برواد الحركة الوطنية الفلسطينية الآخذة في التحوُّل إلى نواة منظمة التحرير الفلسطينية بعد عقد من الزمان، من أمثال وديع حداد وشفيق الحوت وجورج حبش وكمال ناصر وصبحي غوشة. غير إن هول النكبة فعل فعله في برامكي وعائلته التي أجبرت على الرحيل من البيت الذي شاده والده بحبَّة القلب. فبعد أخبار مجزرة دير ياسين المروِّعة، أسهم إطلاق النار من رشاشات العصابات الصهيونية على بيت عائلة برامكي في ترويع العائلة التي رُحِّلت، مع عائلة توفيق ناصر، ولم يسمح لهم إلا بأخذ حقيبة واحدة...   يستذكر برامكي أثاث البيت، وزواياه، وغيرها من التفاصيل، ويحتفظ بقالب الحلوى الذي أخذته العائلة قبل المغادرة، ويستذكر لحظة دخوله بيت عائلته (الذي صادره حارس أملاك الغائبين، ولم تتمكن العائلة من الوصول إليه قبل العام 1967) الذي صار متحفاً استعمارياً على "خط التماس" بين "شطري" مدينة القدس العربية.

ينجح برامكي في دخول بيت عائلته-المتحف "دون أن يدفع رسوم الدخول" ويغلبه الدمع وهو يتلو ما تثيره فيه تلك الذكرى من شجن: أبيات من قصيدة الشاعر Thomas Hood: I remember, I remember The house where I was born, The little window where the sun Came peeping in at morn; He never came a wink too soon Nor brought too long a day; But now, I often wish the night Had borne my breath away. وأبيات من رائعة أبي تمام: نقل فؤادك حيث شئت من الهوى  ما الحب إلا للحبيب الأول كم من منزل يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منزل.  

حاييم غوري: ملاك الموت المبشِّر بالحياة!

يعود برامكي إلى مدرسة بيرزيت في العام 1953 بالطائرة من بيروت إلى القدس (بعد أن استبدل جواز سفره الانتدابي-الفلسطيني بآخر أردني) حين بدأت بتدريس مساقات السنة الأولى من مستوى الكلية، ويسهم في العمل أستاذاً وإدارياً إلى حين حصوله على منحة لدراسة الدكتوراه في جامعة ميغيل بكندا بين 1957-1959. كانت تلك فترة الحسم التي خاضها موسى ناصر لتدشين جامعة عربية في القدس، انتهت بتأسيس الجامعة الأردنية في عمان. لكن كلية بيرزيت واصلت سعيها الحثيث للتحول إلى جامعة، فأضافت في العام 1961 مساقات السنة الثانية للكلية، وصارت في العام التالي تمنح شهادة الدبلوم المتوسط.    

تتوالى الأحداث في الساحة الفلسطينية والجوار العربي، وتقترب بيرزيت من عين العاصفة: من اغتيال كمال، إلى إبعاد حنا، إلى إغلاق الجامعة. لكن حدثاً ناتئاً، هو نكسة العام 1967، يربك السرد، وحاييم غوري: ملاك الموت المبشِّر بالولادة يدخل المشهد.   ففي الرابع من حزيران كان عرس أخ برامكي على جبل الزيتون، حيث مركزت قيادة الجيش الأردني قواتها. كانت الشوارع خالية. ربما تحت تأثير إشاعة كلوب باشا بأن "الضفة الغربية غير قابلة للدفاع عسكرياً!" عاد كثير من الأقارب إلى عمان خشية البقاء في القدس التي على أهبة الاشتعال، أو في بيرزيت العازمة على عقد الامتحانات النهائية رغم تحذيرات وديع ناصر، وقدوم الأهالي لاصطحاب أبنائهم إلى البيوت! ينفرط عقد العرس، وتجتمع العائلة في طابق أرضي في بيزيت، وتبلغ السيدة هيفاء برامكي موعد مخاضها لوضع مولودها الأول. يرعب الجنود الصهاينة العائلة، ويحارون برامكي، ويسرقون المشروبات من الثلاجة، ويصادرون سيارة العائلة الجديدة. في اليوم التالي، يعود الجنود، وأحدهم يتكلم الفرنسية... يعيد مفاتيح السيارة، ويعيد شرح معنى "منع التجوُّل" للزوجين برامكي، ويعدهما بالمساعدة لحظة يحين المخاض. إنه حاييم غوري... الجندي في جيش الاحتلال، "الشاعر" حاييم غوري. يرجع غوري مفاتيح السيارة لأصحابها، فيعدونه بأمانة بإعادتها له بعد ساعتين! ويمنح العائلة، التي كانت حجزت للولادة في مستشفى الناظر القدس، ورقة (أشبه بتصريح مرور) ومنديلاً أبيض على غصن لتجنب التعرُّض لإطلاق النار! يصل الزوجان إلى القدس ولا يفتح لهما أحد باب مستشفى الناظر، فيعودا إلى رام الله... حيث ولد هاني جابي برامكي في العاشر من حزيران 1967. 

يحتل الجنود السكن الداخلي، ويبقون فيه مدة، ويبقي حاييم غوري يتحدث الفرنسية مع أم غابي التي كانت تتقنها!   تتحول كلية بيرزيت إلى جامعة في العام 1972 حين تطلق برامج البكالوريوس في العلوم الآداب، وتغتال إسرائيل الشهيد كمال ناصر ورفاقه، وتشكِّل الجامعة مجلس أمنائها، فيغلقها الاحتلال، وتبعد رئيسها الدكتور حنا ناصر، فيتلوى برامكي رئاسة الجامعة بالوكالة... وتكون مواجهات، وتكون حرب، وتغلق قوات الاحتلال الجامعة بعد مظاهرات حاشدة في العام 1980. تُصاب هانية جابي برامكي في رجلها، بعد سجال مع جنود الاحتلال في الظاهرة، وتلتقط كاميرا برنامج "ستون دقيقة" الأمريكي الحدث، وتبثه... فيكتب الشاعر الذي يتقن الفرنسية، حاييم غوري، مقالة يستذكر كيف يطلق جنود إسرائيليون النار على فلسطينية كان هو سبباً في مجيئها إلى الحياة!   يخلط حاييم غوري بين "هاني" وهانية،" خلطه بين الفرنسية والعبرية، والاحتلال والاستقلال، وخلط العالم بين الجلاد والضحية... ولا يخلط جابي برامكي بين "الذكرى" و"المذكرات" إلا لمقتضيات النشيد. لكن حاييم غوري، وغيره من شعراء الاحتلال الصهيوني وجنرالاته، سيًان، لم يكن إلا "أيخمان صغيراً" (أو كبيراً!) في ماكينة الاستعمار الصهيوني التي حالت دون عيش الفلسطينيين "حياة طبيعية" في حدود فلسطين التاريخية وخارجها منذ نكبة العام 1948 وحتى اللحظة.  

ولـمَّا كانت "الحياة الطبيعية،" في أبسط مقوماتها، تقتضي بناء المؤسسات، فقد كان بناء جامعات وطنية تحت الاحتلال، بعد أن ارتهن النظام التربوي الفلسطيني بيد الإرادات والإدارات السياسية التي توالت على فلسطين، المهمة الأصعب على الأكاديميين الفلسطينيين. أما الأستاذ جابي برامكي، فقد كان الإسهام الفعَّال في بناء جامعة بيرزيت، ضمن هذه الظروف، همَّه ومهمَّته، كما كانت ظروف الاحتلال الصهيوني عاملاً حاسماً في خيارات المواجهة التي حددت ماهية سبل المقاومة وأدواتها لديه، ومنها: مجلس الكنائس العالمي WCC، وبرنامج التعاون الأكاديمي الفلسطيني-الأوروبي في التعليم PEACE ، ومؤتمرات بغواش حول العلم وشؤون العالم PAGWASH، والحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل PACBI التي استثمرها كلها لخدمة جامعة بيرزيت، وخدمة التعليم العالي في فلسطين بخاصة، وخدمة القضية الفلسطينية بعامة.

  جابي برامكي: روح جامعة بيرزيت من الصبا إلى الرشد وفي هذا السياق، يقول الدكتور خليل هندي، الرئيس الحالي لجامعة بيرزيت، (في مقابلة خاصة بتاريخ 4 تموز 2012) إن "فترة الدكتور جابي في الجامعة كانت أصعب فترة في حياة الجامعة من ناحية، وكانت أيضاً فترة الانتقال من مرحلة الصبا إلى مرحلة البلوغ، حيث أن الإرث الذي تركه الدكتور جابي هو أرث كبير جداً، يتمثل في وضع أولاً: أسس القوانين والأنظمة الناظمة لحياة الجامعة، التي بقيت سارية المفعول حتى الآن، ومحاولاتنا لتغيرها ناجمة عن تطور الجامعة والمجتمع والتعليم العالي الفلسطيني بشكل عام؛ وإن الأثر الآخر الذي تركه جابي بدء الكثير من الكليات والبرامج الأكاديمية في الفترة التي كان فيها الدكتور جابي رئيساً للوكالة، فكل العمل التحضيري، وهو عمل كبير جداً، في هذا المجال كان بقيادة الدكتور جابي بشكل أساسي، وإن كان بالتشاور مع رئيس الجامعة الدكتور حنا ناصر الذي كان مبعداً في عمان، فباختصار تركة الدكتور جابي جميلة ومؤثرة، وهي الأنظمة والقوانين الناظمة لحياة الجامعة التي وضع أسسها، وإطلاق العديد من البرامج الأكاديمية في ذلك الحين.

ولكن ربما كان الأهم هو الشيء الغير محسوس وملموس الذي تركة الدكتور جابي، وهو ما اصطلحت أجيال من خريجي بيرزيت على تسميته "روح بيرزيت،" حيث كان جابي بمثابة الأب الروحي لهذه الروح-روح احترام الهيئة الأكاديمية واحترام الطلبة والتعامل مع كافة موظفي الجامعة وعمالها وطلبتها بروح من الود والزمالة والتقدير والاحترام، وحل كافة التناقضات بطريقة تحفظ حرية التعبير والحرية الأكاديمية، ولا تترك المجال للاقتتال الداخلي. وروحية مقاومة الظروف الصعبة، حيث كانت في تلك الفترة إجراءات الاحتلال هي الأقسى في تاريخ الاحتلال في فلسطين، فقد قاد جابي عملية الصمود أمام هذه الإجراءات التعسفية، وزرع روحية الصمود والتحدي للمصاعب، وجعلها راسخة في روح وذهن جامعة بيرزيت."

  وفيما شهدت حياة الأستاذ برامكي وجامعة بيرزيت فصولاً مذهلة في العطاء والمقاومة، والتي ستسبرها المذكرات التي قيد الإنجاز، إلا إن الفصل الأطول في حياته كان في مواجهة السياسات العنصرية التي مارستها، ولا تزال، سلطات الاحتلال الصهيوني منذ تأسيس الجامعة وحتى اللحظة، والتي كان أعظمها هولاً: سياسة الإغلاقات التعسفية، إذ أغلقت الجامعة بين 15 كانون الأول 1973 و 29 نيسان 1992 خمس عشرة مرةً تتراوح في طولها بين الأسبوعين والأربع سنوات ؛ وسياسة الإبعاد والنفي من رئيس الجامعة السابق ورئيس مجلس أمنائها الحالي الدكتور حنا ناصر إلى مبعدي مرج الزهور والأسرى من طلبة الجامعة؛ وسياسة القتل واستهداف البشر التي مجتمع الجامعة (التي لُقبت بـ"جامعة الشهداء")، إذ على امتداد ربع قرن يمتد بين 12 تشرين الثاني 1984 و 31 آذار 2008، قدَّمت جامعة بيرزيت أربعاً وعشرين من أبنائها، بين شهيد واستشهادي، هم: شرف الطيبي، عيسى شماسنة، جواد أبو سلمية، صائب ذهب، موسى الحنفي، عبد الله علاونة، إبراهيم قاسم، جمال غانم، حازم عيد، عماد كلاب، عبد المنعم أبو حميد، محمد أبو شقرة، فتحي الشقاقي، يحيى عياش، ياسر عبد الغني، عبد الله صلاح، خليل الشريف، ناصر عريقات، ضياء الطويل، أيمن حلاوة، صالح تلاحمة، جمال الفقيه، إيهاب أبو سليم، عمر عبد الحليم، عبد اللطيف الحروب.

 وايزمن ليس شارون ورابين ليس آرنس: الموسيقى طريقاً إلى القدس ومع بدء اشتداد عود جامعة بيرزيت في مطلع عقد الثمانينيات من القرن العشرين، أخذت سلطات الاحتلال تتفنن في ابتداع الحيل "القانونية" للتضييق عليها وعلى بقية الجامعات الفلسطينية. وقد كان من أبرز تلك الحيل إلحاق المسؤولية على الجامعات الفلسطينية بالحاكم العسكري الصهيوني بناءً على القرار الشائن 854 الذي صدر في شهر تموز من العام 1980، واستند إلى شعوذة قانونية تفيد بأن قانون التعليم الأردني رقم 16 للعام 1964 وينص على أن "وزير التربية والتعليم مسؤول عن كافة المؤسسات التعليمية، باستثناء مؤسسات التعليم العالي" تم تبنيه وتعديله من قبل سلطات الاحتلال. ومن الطريف أن الحاكم العسكري الصهيوني، الذي تمثَّل دور الوزير، شطب الجملة الأخيرة، ومنح نفسه "حق" المسؤولية عن مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية التي كانت جامعة بيرزيت في صدارتها. لقد سعى هذا القرار فضلاً عن المس بأبسط الحريات الأكاديمية في الحركة ومادة التعليم وأجوائه وكوادره، إلى المس بالحرية الأكاديمية والفكرية والسياسية لكوادر الجامعة وفصم عرى انتمائهم وولائهم إلى منظمة التحرير الفلسطينية، التي كانت ولا تزال الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.   يستذكر الأستاذ برامكي بابتسامة عريضة كيف تم "الالتفاف" على هذا القرار "الالتفافي" عبر عملية "تزوير شرعية" لم يكتشفها الحاكم العسكري إلا بعد حين. ولكن الأمر الأكثر أهمية الذي يستذكره، ويجدر الالتفات إليه في هذا السياق، هو نفسية الشخصيات العسكرية الصهيونية ومراوغتهم، من الجندي المجهول، إلى الضابط المعلوم حاييم غوري، ومن الجنرال شموليك الحاكم العسكري، مررواً برئيس الأركان بنيامين بن إلعيزر، وانتهاءً بوزراء الحرب: عيزر وايزمن، وإسحق رابين، وأرئيل شارون، وموشيه آرنس.  

ففي العام 1979، بعد عام واحد من اتفاقية كامب ديفيد وقبل عام من صدور القرار 854، اندلعت المظاهرات في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأصدرت قوات الاحتلال ثلاث أوامر بإغلاق الجامعة بين  20 آذار 1979 و 14 تشرين الثاني 1980. ونتيجة لسياسات التضييق التي مارستها قوات الاحتلال الصهيوني على الجامعة، من تجريم "التدريس غير القانوني" خارج حرم الجامعة (إن في بيرزيت أو رام الله أو القدس، في البيوت والمؤسسات ودور العبادة) إلى حظر رفع العلم الفلسطيني... وبعد أن لم تجد كافة الاحتجاجات داخل فلسطين وخارجها، من أوروبا إلى أمريكا، في دفع إسرائيل لإعادة فتح الجامعة، ولم تأت مرافعات ليئه تسيمل في المحاكم الصهيونية والمحكمة العليا إلا بقليل فائدة... قبل الأستاذ برامكي اقتراح جورج عصعوصة (العربي الأمريكي الذي كان لديه علاقات مع وزارة الخارجية الأمريكية) بلقاء وزير الحرب الصهيوني، في حينه، عيزر وايزمن في تل أبيب.   يصف الأستاذ برامكي صعوبات الوصول إلى هناك على الرغم مما ألم به من مرض في العمود الفقري، وفي التضييقات "الأمنية"، ويصف على نحو مذهل كياسة وايزمن وثقافته، وعنايته الفائقة بنقاش أوضاع المنطقة وفلسطين بعد اتفاقية كامب ديفيد، وبخاصة شخصيتي كريم خلف وبسام الشكعة (الجوزتان العصيتان على الكسر-كما رآهما وايزمن)-أبطال تلك المرحلة في عيون الفلسطينيين في ظل حظر منظمة التحرير الفلسطينية وبُعدها. يسخر برامكي من كلمة "الخطر الأمني" التي يستخدمها العسكريون والسياسيون الصهاينة بمناسبة وبلا مناسبة، ويمضي في شرح ضرورة إعادة فتح الجامعة حدَّ إقناع وايزمن الذي يأمر ضابطه المدلل-عراقي المولد بنيامين بن إلعيزر والمعروف باسم "فؤاد" (والذي سيكون له الباع الطولى في جرائم الحرب خلال انتفاضة الأقصى التي اندلعت في أيلول من العام 2000، بوصفه وزيراً للحرب) بفتح الجامعة، مخاطباً إياه بعبارة: (Fuad, my boy, let’s open the university).  

ينتهي الاجتماع، ويتواصل الأستاذ برامكي مع من يشاع عنهم أنهم يناصرون مظلمة الفلسطينيين وعدالة قضيتهم من المجتمع الأكاديمي والثقافي الإسرائيلي دون جدوى، ويماطل ضباط وايزمن وبن إلعيزر في تنفيذ قرار فتح الجامعة أملاً في الحصول على "ضمانات بسيادة النظام، وعدم رفع العلم الفلسطيني"، ولكن دون جدوى كذلك.   يُعاد فتح الجامعة بشروط صعبة وظروف أصعب، وتستمر المواجهات استمرار التواجد غير الشرعي لجنود الاحتلال في المدن والقرى الفلسطينية التي لم تكن بيرزيت إلا واحدة منها. وتستمر مضايقات العسكر للطلبة والجامعة، ويستمر الحاكم العسكري في استدعاء الأستاذ برامكي وزملائه وتحذيرهم و"مفاوضتهم"... حتى مطلع الانتفاضة الأولى التي اندلعت في كانون الثاني من العام 1987. يستذكر الأستاذ برامكي، ولمعان خاص في العيون من حدِّة الذكرى، اجتماعاً مع إسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل الذي اغتاله يغال عمير في العام 1995، والذي كان في حينه وزير الحرب الذي اشتهر بفرضه سياسية "القبضة الحديدية"، و"تكسير العظام" لقمع الانتفاضة الفلسطينية. يدعو رابين إلى اجتماع مع رؤساء الجامعات في مقر الحاكم العسكري الصهيوني في نابلس، وذلك بعد اشتداد جذوة الانتفاضة في أعقاب انتهاء حرب الخليج الأولى التي فرض خلالها منع تجول دام أربعين يوماً أغلقت فيه كافة المؤسسات الفلسطينية وليس الجامعات وحسب. لم يبد الأستاذ برامكي حماساً في الرواية عن لقاء رابين الذي اختصره في أن رابين وعد بفتح الجامعات "إن هدأت الأحوال." الأمر الذي رفضه رؤساء الجامعات الذين أعربوا، في حينه، عن موقفهم بأن إغلاق الجامعات أصلاً جاء لأسباب غير منطقية وغير قانونية.   لم يعد فتح الجامعات لأن الانتفاضة استمرت و"الأحوال لم تهدأ" كما رغب رابين. لكن زيارة وفد من الكنائس اللوثرية الأوروبية إلى القدس أحدث خرقاً هاماً في هذا الإغلاق الأطول في تاريخ جامعة بيرزيت 10 كانون الثاني 1988 وحتى 29 نيسان 1992.

ذلك أن الوفد اجتمع مع "شخصيات فاعلة من الطرفين"، حيث تواجد وزير الحرب في حينه، موشيه أرنس، والذي "طمأن" الوفد بأن الأمور آخذة في التحسن، وأن المدارس والجامعات مفتوحة كالمعتاد. يروي الأستاذ برامكي أن وفد الكنائس كان قد دعا، كذلك، إلى اجتماع في القدس لشخصيات فلسطينية كان هو من ضمنها. وفي الاجتماع كشف الأستاذ برامكي زيف ادعاء أرنس للوفد. وفي اليوم التالي، ذهب الأستاذ برامكي إلى مقر الحاكم العسكري في رام الله، وقال له بالحرف الواحد: "إما أن تعيد فتح الجامعة، وإما أن تعلن وزير حربكم كذاباً." تفتح جامعة بيرزيت أبوابها، ويتم تخريج أربع دفعات مجتمعة، ويصاحب الاحتفال حدث أكبر آخر: علم فلسطين بأكبر حجم ممكن يكون خلفية الخريجين والأستاذة!      يطول الحديث عن مواجهات الأستاذ برامكي مع جنود الاحتلال وضباطه وحكامه العسكريين ووزراء حربه، لكن آخر أطرف تلك المواجهات حُلَّت بالموسيقى. فمن المعروف عن الأستاذ برامكي شغفه بالشعر، حفظاً وإلقاءً وغناءً، وكذلك شغفه بالموسيقى الذي دفعه إلى الالتحاق بجوقة القدس التي كانت تجري تدريباتها في جمعية الشبان المسيحية في القدس.

يروي الأستاذ برامكي أنه أثناء تواجده في مقر الحاكم العسكري في رام الله احتدم النقاش، فطلب برامكي منه مقابلة وزير الحرب في حينه (أرئيل شارون)، فكان رد الحاكم العسكري: "شارون ليس وايزمن،" وأبقى الأستاذ برامكي حبيس الغرفة وأجرى العديد من المكالمات الهاتفية (التي يعتقد الأستاذ برامكي أن واحدة منها كانت مع شارون) إلى أن أتى ثانية مبلغاً برامكي بأمر "إقامة جبرية في حدود رام الله وبيرزيت!" يرفض الأستاذ برامكي الأمر، وحين يسأله الحاكم العسكري عن السبب، يقول له: "لدي تدريب مع الجوقة في القدس، وأنا مضطر للذهاب يوم غد!" ... يأتي الغد، ويأتي بعده، ويستمر النشيد من القدس إلى بيرزيت، من بيتهوفن وحتى كمال ناصر.

  في القدس: جامعة بيرزيت "على خط التماس"   لم أورد كل هذا التفصيل، من فصل واحد من فصول مذكرات الأستاذ الراحل جابي برامكي، إلا لأدشن، وإن جزئياً، السياق الذي دفعه إلى تبني نهج المقاومة التي ارتآها، وبخاصة نهج المساهمة في قيادة الحملة الفلسطينية والعالمية لمقاطعة إسرائيل، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها. فقد كان الأستاذ برامكي عضواً فاعلاً في الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وهي الحملة التي أعادت باقتدار مسار النضال الفلسطيني من خطاب المجاز إلى خطاب الحقوق للفلسطينيين داخل فلسطين التاريخية وخارجها في ندائها الشهير، وعملها الدوؤب منذ العام 2004.

  تفتقد الحملة الأستاذ برامكي، وتفتقده الساحة الفلسطينية، ويفتقده بيت والده العمَّار أنضوني برامكي على خط-وصل مدينة القدس المقسَّمة. إن هذا البيت الذي لم تستدرج أية ذكرى دموع الراحل برامكي كما استدرجته ذكراه لا يزال قائماً كمتحف استعماري تمارس فيه المؤسسة الثقافية الصهيونية ذات الوقاحة والنكران كما مارستها تجاه مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني وأكثر. ففي مقالة لرانيا إلياس، بعنوان: "في القدس بيت مسلوب وشعار على مدخله: "حدودنا ستكون أشجار الزيتون"... فهل أبقيتم زيتونا؟"، نشر في جريدة "حق العودة" الصادرة عن بديل-المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين (عدد 43، أيار 2011، صفحة 22)، تشير إلى أن بيت أنضوني برامكي الواقع "على شارع سعد وسعيد، ويسمى الآن شارع رقم واحد، أو على بوابة مندلبوم – على خط التماس كما كان يسمى بالماضي... تم تعميره عام 1932-1934، (و) ترجع ملكيته حسب الأوراق الرسمية منذ الانتداب البريطاني و"الكوشان" الأردني عام 1958 والكوشان الإسرائيلي عام 1972 إلى السيدة إفلين برامكي."  

وقد أثار هذا البيت كثيراً من الجدل مع الراحل برامكي الذي أجاب حين سألته: "ماذا لو تمكنا من النجاح بحملة لاسترجاع البيت؟ هل ستتبرع به ليكون مقراً لجامعة بيرزيت في القدس؟" كانت إجابته كإجابة رئيس الجامعة ورئيس مجلس الأمناء: "أنا خرطوشة بفردك!" فعلى الرغم من رغبته السابقة بالتبرع بالبيت لصالح "مؤتمرات بغواش،" إلا إن فكرة استرجاع البيت وجعله مقراً لجامعة بيرزيت في القدس، بدت حلماً أخيراً يراود روحه.   وعلى طريق تحقيق هذا الحلم، وفي السادس من أيلول 2012، بعد أسبوع من رحيل الأستاذ برامكي، أصدرت الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل نداءً بالإنجليزية، بعنوان: "بيت (آل) برامكي: الحاضر/الغائب" هذه ترجمته:   "إننا في الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل (PACBI) نطالب مؤسسات المجتمع المدني الدولية دعم جهودنا لإعادة بيت (آل) برامكي في القدس إلى أصحابه الحقيقيين، عائلة برامكي.   ما هي القصة؟ في العام 1932، قام المعماري الفلسطيني الشهير أنضوني برامكي بتشييد بيته الرائع في القدس. وقد أهدى البيت إلى زوجته إفلين. في العام 1948، وخلال حملة التطهير العرقي الصهيونية، أو النكبة، اقتُلعت عائلة برامكي، حالها حال مئات آلاف العائلات من الفلسطينيين، حيث انتهى بهم المطاف في غزة لفترة قصيرة، ومن ثم في رام الله. وقد حُوِّل بيت برامكي إلى نقطة عسكرية: نقطة ترجمان. يقع البيت على خط التماس بين ما صارت إسرائيل وما صارت الضفة الغربية، قبالة بوابة مندلبوم-نقطة التقاطع الوحيدة بين شطري مدينة القدس المقسَّمة. 

  في أعقاب حرب العام 1967، احتلت إسرائيل ما تبقى من فلسطين التاريخية، ووضعت الضفة الغربية وقطاع غزة تحت السيطرة العسكرية. لقد أزيلت بوابة مندلبوم، وهُجِرَت النقطة العسكرية. ونظراً لأن أنضوني وإفلين برامكي كانا مقيمين في شرقي القدس، المحتلة حالياً، فقد أُصدِرَت لهما بطاقات هوية إسرائيلية من قبل السلطات الإسرائيلية. لم يعد الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى البيت كنقطة (عسكرية)، ولذا، فقد شعرت عائلة برامكي بأن مسعاهم لاسترجاع بيتهم قد يكون بلغ أوانه. لكن طلب عائلة برامكي للأسف رفض من قبل السلطات الإسرائيلية بذريعة قانون أملاك الغائبين العنصري للعام 1950 الذي استخدم لسرقة أملاك الفلسطينيين الذين تم تطهيرهم عرقياً خلال النكبة، وحتى أولئك المهجَّرين داخلياً في بلادهم والذين تم الإعلان عنهم كـ"غائبين حاضرين." إن هذا القانون الشائن يعترف بوجود الفلسطينيين المهجَّرين داخلياً كـ"مقيمين" في أو "مواطني" دولة إسرائيل، لكنهم "غائبين" فيما يتعلق بممتلكاتهم الفردية.   لقد اعتاد أنضوني برامكي، حتى وفاته في العام 1972، على زيارة بيته الغالي يومياً.

كان يدور حول البيت بضعة مرات كل يوم، لكنه لم يمنح أبداً "تصريحاً" لتطأه قدماه.   بعد وفاة والده، واصل جابي برامكي السعي لاسترجاع بيت العائلة، ولكن دون جدوى. في العام 1999، أُحيل بيت (آل) برامكي إلى "متحف على خط التماس/ The Museum on the Seam" على يدي مؤسسة القدس الإسرائيلية التي روَّجت لرسالة المتحف أملها بأن "يعزز الحوار بيننا على الرغم من اختلاف وجهات نظرنا. إنه ليتوجب علينا أن ننذر أنفسنا لحوار اجتماعي مبني على ما نشترك به وما يوحدنا بدلاً مما يقسمنا ويبقينا متفرقين." لقد جُعل المشروع ممكناً عبر "دعم سخي من عائلة هولتزبرنك الألمانية."   إن قصة عائلة برامكي هي قصة واحدة فقط ضمن آلاف القصص الشبيهة، لكن هذه الحالة بالتحديد تمثِّل على انعدام أوسع للعدالة. في العام 2012، رحل جابي برامكي تاركاً وراءه تاريخاً غنياً من النضال لنيل الحقوق الفلسطينية، وتطوير المؤسسات التعليمية الفلسطينية. وسيتواصل النضال من أجل الحرية، والعدالة، والحقوق المتساوية التي نذر جابي حياته من أجلها.  

إننا في الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل نرى في هذا المتحف تجسيداً لجرائم إسرائيل، ونفاقها، وسرقتها للأملاك، واستعماريتها، وظلمها، ومواصلة إنكارها لوجود الفلسطينيين المحض ولحقوقهم المرتبطة بذلك الوجود. إننا نطالب بتطبيق القانون الدولي، وأن يتم إرجاع بيت (آل) برامكي إلى مالكيه الفلسطينيين الشرعيين، عائلة برامكي.   ما الذي يمكن فعله؟ اقتراحات للعمل:    ·        منع إسرائيل من حضور أية فعالية معمارية أو ثقافية حتى تُعيد بيت (آل) برامكي إلى أصحابه الشرعيين، وحتى تعترف بالظلم المترتب على المصادرة الواسعة للأملاك جرَّاء (تطبيق) "قانون أملاك الغائبين" العنصري وتتحمل تبعاته، وتقوم بإلغائه؛ ·   

طرح مسألة بيت (آل) برامكي في كل محفل معماري أو ثقافي يمكن أن تكون إسرائيل متواجدة فيه، والإصرار على وجوب خضوع إسرائيل للقانون الدولي، وإعادة الأملاك المنهوبة إلى أصحابها؛ ·     

  استنفاد كافة الإمكانيات لتحميل عائلة فون هولتزبرنك الألمانية مسؤولية التواطؤ في هذه الجريمة، إذ إن هذه العائلة (وعنوانها: Verlagsgruppe Georg von Holtzbrinck, Holtzbrinck family Publishing/Stuttgart,  www.holtzbrinck.com/eng) أسهمت بفاعلية في نقل أملاك فلسطينية خاصة إلى مؤسسة ثقافية إسرائيلية في مخالفة صارخة للقانون الدولي، وربما الألماني. إن المنحة السخية من قبل هذه العائلة/الشركة الألمانية هي مجرد مثال واحد على أن الدعم الذي تقدمه ألمانيا وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل يجعل هؤلاء الداعمين شركاء لها في الجرائم المقترفة على النطاق الأوسع؛ متابعة كافة الإجراءات القضائية الممكنة في إطار القانون الدولي بغية استرجاع البيت.   الجهات المستهدفة؟ اليونسكو، وكافة المؤسسات المعمارية والثقافية، وجميع المنظمات الأثرية والثقافية على امتداد العالم."

  ينتهي نداء الحملة الفلسطينية للمقاطعة الأكاديمية والثقافية لإسرائيل، وتبدأ الحملة لاسترجاع بيت برامكي، وهي حملة برسم الجميع ابتدءاً بجامعة بيرزيت ومجتمعها، ومروراً بالمؤسسات الثقافية والمعمارية والمدنية الفلسطينية، وانتهاءً بمثيلاتها العالمية. إن هذه الحملة ينبغي أن لا تدخر جهداً لتحقيق هذا الحلم الذي لن يبتعد بابتعاد صاحبه... وابتعاد مغنِّي الأرواح المقيمة في البيوت-محمود درويش، وطيَّار ييتس-قرب البيت:  

للعدوِّ الذي يَشربُ الشَّاي في كوخِنا فَرسٌ في الدُّخانِ.وبنْتٌ لها حاجبانِ كَثيفانِ.عَينانِ بنِّيتان.وشَعرٌ طَويلٌ كَليلِ الأغاني عَلى الكَتفينِ.

وصُورَتها لا تُفارقهُ كُلَّما جَاءنا يَطلبُ الشَّاي.لَكنَّه لا يحدثُنا عَن مَشاغلها في المساء، وعَن فَرسٍ تَركتهُ الأغَاني عَلى قِمَّة التلِّ.../ ...في كُوخنا يَستريحُ العدوُّ من البُندقية، يَتركها فَوق كُرسيِّ جدِّي.ويَأكل مِن خُبزنا مِثلما يفعل الضَّيفُ.يغفو قليلاً عَلى مِقعد الخيزرانِ.

ويحنو على فَروِ قطَّتنا.ويقول لنا دائماً: لا تَلوموا الضحيَّة! نَسأله: مَن هيَ؟ فيقول: دمٌ لا يجفِّفه الليلُ.../ ...

تلمَع أزرارُ سُترتهِ عِندما يَبتعدْ عِمْ مَساءً! وسلِّم على بِئرنا وعلى جهة التين.وامْش الهُوينى على ظلِّنا في حُقول الشَّعير.وسلِّم على سَروِنا في الأعالي. ولا تنسَ بوَّابة البيتِ مفتوحةً في الليالي.

ولا تَنْسَ خوفَ الحصان منَ الطَّائرات، وسلِّم علينا، هُناك، إذا اتَّسع الوقتُ.../ هذا الكَلامُ الذي كَان في ودِّنا أن نقولَ على الباب...يسمعه جيَّداً جيَّداً، ويخبِّئه في السُّعال السَّريع ويلقي بهِ جانباً. فلماذا يَزور الضَّحيةَ كلَّ مساءٍ؟

ويحفظ أمثالنا مِثْلنا، ويعيد أناشيدنا ذاتها، عن مواعيدنا ذاتها في المكان المقدَّس؟ لولا المسدسُ لاختلط النايُ في النايِ.../ ...لن تنتهي الحربُ ما دامتِ الأرض فينا تدورُ على نفسها! فلنكن طيِّبين إذاً.

كان يسألنا أن نكون هنا طيِّبين. ويقرأ شعراً لطيَّار((ييتس)): أنا لا أحبُّ الذينَ أدافعُ عنهم، كما أنني لا أُعادي الذينَ أحاربهم...

ثم يخرج من كوخنا الخشبيِّ، ويمشي ثمانينَ متراً إلى بيتنا الحجريِّ هناك على طرفِ السَّهل.../ سلِّم على بَيتنا يا غَريب.

فَناجين ُ قَهوتِنا لا تزال على حالها. هل تشمُّ أَصابعنا فوقها؟ هل تقول لبنتكَ ذات الجديلةِ والحاجبين الكثيفين إنَّ لها صَاحباً غائباً، يتمنَّى زيارتها، لا لشيءٍ...

ولكن ليدخلَ مرآتها ويرى سرَّه: كيف كانت تتابع من بعدهِ عمره بدلاً منه؟ سلِّم عليها إذا اتَّسع الوقت.../ هذا الكلام الذي كانَ في وِدِّنا أن نقولَ له، كان يسمعهُ جيداً، ويخبِّئه في سُعالٍ سريعٍ، ويُلقي به جانباً، ثم تلمعُ أزرار سترتهِ عندما يبتعدْ...

  (تنشر هذه المقالة حول مذكرات جابي برامكي (قيد الإنجاز) بالتزامن في "أيام الثقافة"، والموقع الإلكتروني لمؤسسة الدراسات الفلسطينية، والموقع الإلكتروني لجامعة بيرزيت).