مساق دفاتر السجن يناقش في ندوة أوضاع الأسرى الأطفال في السجون الصهيونية

ضمن فعاليات مساق "دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة"، عقدت دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية بالتعاون مع حملة الحق في التعليم في جامعة بيرزيت ونادي الأسير الفلسطيني، الندوة الرابعة من سلسلة ندوات الحرية بعنوان "الأسرى الأطفال في السجون الصهيونية"، وذلك يوم الثلاثاء الموافق 24 أيار 2022. وقد استضافت الندوة الأسرى المحررين: أحمد مناصرة ولؤي المنسي وبلال عودة، فيما قدَّم الأسير الطفل أمل عرابي نخلة، المحرر حديثاً، شهادة خاصة، وأدار الندوة وأطَّرها الإعلامي معمَّر عرابي.

افتتح الندوة الإعلامي معمَّر عرابي (والد الأسير الطفل أمل عرابي نخلة) بإلقاء الضوء على أهمية تفعيل ملف الأطفال الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني، مشيراً إلى أن أسر الاحتلال للأطفال الفلسطينيين يستهدف قمع ذاكرتهم الوطنية، وكي وعيهم، وتضليلهم، ودفعهم إلى قبول الاحتلال ونسيان قضيتهم. وأشار عرابي إلى أن عدد الأطفال حالياً في سجون الاحتلال يقارب مائة وستين طفلاً. وتطرق عرابي إلى تلاعب سلطات الاحتلال بمنظومة القضاء واستخدام القوانين العسكرية لتمرير اعتقال الأطفال خلافاً لمدونة القوانين والأعراف الدولية. وفي المقابل، أشاد عرابي بصمود الأطفال ودورهم التاريخي في النضال الفلسطيني وقدرتهم على مفاجئة الاحتلال في السجون وفي الميدان. 

وقدَّم الأسير المحرر أحمد مناصرة مداخلة عن قضية ابن أخيه الأسير الطفل أحمد مناصرة، مشيراً إلى المعاناة الهائلة لأحمد كحالة من بين حالات عديدة تعاني من ظلم الاحتلال وعسفه وقوانينه الظالمة، وبخاصة في ظل تحوُّلات واقع الحركة الفلسطينية الأسيرة قبل اتفاقية أوسلو وبعدها، والثمن الباهظ الذي دفعته الحركة الأسيرة عبر التاريخ في سجون الاحتلال. وأحمد، الذي اعتقل وهو في سن الثالثة عشرة، بدأت معاناته مصاباً في الشارع قرب ابن عمه الشهيد (حسن مناصرة)، مروراً بالتحقيق معه في المستشفى رغم تعرضه لكسر في جمجمته، ومن ثم في مركز توقيف المسكوبية بطريقة عنيفة ومرهقة نفسياً لم يظهر الفيديو المتداول والمسرَّب من قبل الاحتلال إلا القليل القليل من وحشيتها. وقد تم وضع الطفل مناصرة، في أول سنة من اعتقاله، في "مؤسسة اجتماعية" في الداخل الفلسطيني المحتل للأسرى القاصرين، حيث تتم محاولة غسل أدمغتهم، إلا أن أحمد خلال هذه الفترة استطاع مواجهة المؤسسة والنجاة منها. أما فيما يتعلق بالحكم، فقد أشار مناصرة إلى أن المنظومة القضائية الصهيونية قامت بإصدار قانون يسمح بمحاكمة الأطفال تحت سن الرابعة عشرة، وهو قانون عنصري، إضافة إلى اصدار قانون يمنع تخفيف الأحكام الخاصة بالأسرى بتهمة الإرهاب، وهي التهمة التي تم توجيهها إلى أحمد، فحكم عليه بالسجن مدة 12 عاماً، وبعد الاستئناف تم تخفيضها سنتين ونصف لتصير تسع سنوات ونصف، وقد أمضى أحمد حتى اليوم قرابة سبع سنوات. وقد عانى أحمد خلال هذه الفترة عقوبات بالعزل فاقمت من معاناته الجسدية والنفسية في ظل رفض سلطة سجون الاحتلال والمنظومة القضائية الإفراج عنه رغم الحملة الشعبية والعالمية التي كُرِّست لذلك.  

 

ومن جهته، تحدَّث لؤي المنسي، الأسير المحرر والذي كان موجِّهاً لقسم الأشبال قرابة عقد ونصف في سجن "عوفر" في بيتونيا المحتلة، عن تجربته في الإشراف عليهم ومتابعة أوضاعهم داخل القسم بناء على طلب منه في التواجد داخل أقسام الأشبال. وقد كان ذلك من أجل توفير الحماية والرعاية لهم، إذ لا يجب ترك الأشبال الذين تتراوح أعمارهم بين 12-18 فريسة لإدارة السجن الصهيونية، وتحديداً بعد عملية التحقيق معهم التي قد تستمر لمدة 12-24. وقد أشار المنسي أن تجربة التحقيق تجربة قاسية جداً على الأطفال نتيجة للتنكيل بهم، ولممارسة الضغط النفسي عليهم والتهديد بالعائلة وهدم المنزل في محاولة لانتزاع اعتراف بالإكراه في ظل حرمان الطفل من حقه في رؤية المحامي. وقد أشار المنسي كذلك إلى أن السلطات الصهيونية تتعامل مع أشبال الضفة الغربية على نحو يختلف عن أشبال القدس وأشبال فلسطين المحتلة في العام 1948 ممن هم تحت سن الرابعة عشرة، إذ توجد مؤسسات خاصة بهم، في حين لا توجد مؤسسات شبيهة لأشبال الضفة الغربية. وفي وصف لمجريات اعتقال الأشبال، والتحقيق معهم، وحكمهم، وإرسالهم للأسر، أشار المنسي أنه بعد الانتهاء من التحقيق تبدأ مرحلة جديدة في حياة الشبل من حيث انتقاله من الحياة المفتوحة خارج السجن إلى العيش في السجن المغلق والمحصور، بعيداً عن الأهل والأصدقاء والمدرسة، الأمر الذي يحاول المشرفون على قسم الأشبال تداركه وتعويض الشبل عبر شبكة دعم بقدر المستطاع تحول دون انهياره، بل وترفع روحه المعنوية من خلال توفير الاحتياجات الأساسية، وإدماجه في برامج أنشطة تتعلق بقضاء الوقت ابتداء من التعليم والرياضة، وانتهاء بالغذاء والنوم. وقد أكَّد المنسي أن قضية الأطفال الأسرى يجب أن تحظى بعناية أكبر من قبل المؤسسات العاملة في مجال الأسرى، وحملات التضامن، عدم الاقتصار على الزيارات الموسمية، وإصدار التقارير الإعلامية والحقوقية.

 

وأما بلال عودة، الأسير المحرر والناشط في حملة إطلاق سراح الطفل أحمد مناصرة، فقد تركزت مداخلته حول الصحة النفسية للأطفال الأسرى، ذلك أن كل أسير يدخل إلى السجون هو إنسان تم نزعه من سياقه ونقله إلى سياق جديد يؤدي إلى إلحاق أذى نفسي به وبعائلته ومحيطه رغم ما يحس به من أن معاناته تلك كانت بسبب تلبيته لنداء الواجب والرغبة في التحدي والصمود والنضال. وقد اتخذ عودة من قضية الطفل الأسير أحمد مناصرة نموذجاً للحديث عن تلك المعاناة التي يكابدها الأطفال الذين تستهدف سلطات الاحتلال طفولتهم، إذ تمثَّل قضية أحمد حالة تعكس أثر اعتداءات الاحتلال المستمرة منذ ٧٤ عاماً، والتي يشكِّل الأسر أحد أبعادها، ويشكِّل أسر الأطفال معلماً بارزاً لها. فما يتم ممارسته على الطفل، باعتقاله والتحقيق معه وحكمه بالسجن، هو عملية انتزاع قصدية للطفولة وللوالدية في آن معاً وتدمير لشبكة الدعم الاجتماعي التي تشكل الحاضنة والأمن والأمان لهذا الطفل، ما يؤدي إلى انعكاسات سلبية وأضرار نفسية هائلة نتيجة لانتزاعه من سياق ونقله إلى سياق آخر لا تخفى قسوته على أحد. وقد أكد عودة أن الهدف من ذلك هو تشويه الجيل الفلسطيني القادم الذي يُراد له أن يخرج إلى المجتمع مشوَّهاً، بحيث يكون جسدياً في الأرض ولكن دون استقرار نفسي أو توازن عاطفي، ما يؤدي إلى خلق جيل مفرغ من القيم الوطنية والاجتماعية لا يهتم بشيء سوى ذاته. وفي الخلاصة، قال عودة بضرورة ألا ينحصر العمل لتحرير الأسرى الأطفال في حملات التضامن والمناصرة وحسب، بل بالسعي الحثيث لتدارك الفجوات التي يشهدها العمل المؤسسي في قضية الأسرى الأطفال، والاهتمام بصحتهم النفسية خلال اعتقالهم وبعد تحررهم.

 

وفي في ختام الندوة، قدَّم الأسير الطفل المحرر أمل عرابي نخلة شهادة موجزة عن اعتقاله بدعوى ما لديه من "أفكار ونزعات إيديولوجية"، حيث اعتقل مرتين، الأولى على "حاجز طيَّار" في بلدة عطارة المحتلة، حيث خضع للتحقيق وأفرج عنه بعد 40 يوماً بسبب وضعه الصحي بالمتمثل بوهن في العضلات، ومن ثم تم اعتقاله مرة أخرى في كانون الثاني 2021، وتم تحويله إلى الاعتقال الإداري وتجديده أربع مرات، ليصبح أكثر شبل تم تمديد اعتقاله الإداري، حيث أمضى في الأقسام أكثر من سنة كاملة تعرض خلالها لسياسة الإهمال الطبي والضغط النفسي وحرمانه من زيارات عائلته التي لم تتمكن من رؤيته سوى مرة واحدة بعد ثمانية شهر على اعتقاله.

 

للاطلاع على تسجيل الندوة (تصوير الإعلامية لمى غوشة):

https://m.facebook.com/story.php?story_fbid=1480542839066243&id=1834964429