محاضرة لمعهد إبراهيم أبو لغد حول الصراع في كولومبيا.. وماذا يُخبرنا عن فلسطين

نظّم معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية بالتعاون مع دائرة العلوم السياسية / كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت يوم الثلاثاء، الموافق 24 كانون الثاني 2023، محاضرةً عامة عبر منصة "زووم" الإلكترونية بعنوان "الصراع في كولومبيا.. وماذا يُخبرنا عن فلسطين"، قدّمها د. إبراهيم فريحات أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا. وأدارت المحاضرة والنقاش د. لورد حبش أستاذة العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة بيرزيت

قدّم د. فريحات المحاضرة مُستهلاً القول إن المقارنة بين نماذج الصراعات الدولية والإقليمية تقدّم منهجيةً أكثر عمقاً واتساعاً في دراسة الصراعات وتقييم التجارب الإنسانية الأخرى أملاً في بلورة تصوّر أشمل وأدق لطبيعة الصراعات، والاستفادة من تجارب الشعوب الأخرى بمختلف أبعادها الثقافية والسياسية. ومن هنا يقول د. فريحات أنه قام برحلة بحثية إلى كولومبيا في قارة أميركا اللاتينية التي شهدت منذ أكثر من نصف قرن حرباً أهلية بين الحكومة الكولومبية من جهة، والجماعات المتمردة من جهة أخرى. وهي حربٌ توشّحت بدايةً بطابعٍ أيديولوجي بين اليمين واليسار السياسي، استخلص من خلال التعرّف على طبيعة الصراع هناك، من أرض المعركة، ومقابلة أطرافاً فيها، عدة دروسٍ يرى أنها تُسهم في بناء إطار معرفي مُقارن في دراسة الصراعات الدولية وخاصةً الصراعات العربية والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

يرى د. فريحات أن حضور القيم الإنسانية في الصراع في كولومبيا يمثل قاسماً مشتركاً يجمع صراعات كثيرة في العالم، تتمحور أساساً حول ضحايا الحرب والأبرياء الذين تخلّدهم الذاكرة. ويرى أن تحديد نقطة بداية أيّ صراع هي في غاية الأهمية الموضوعية والأخلاقية. وعلى هذا الأساس يعتقد د.فريحات أن جذور الصراع في كولومبيا تعود إلى عام 1948 حينما شهدت البلاد اغتيال المرشّح الرئاسي اليساري الليبرالي الكارزماتي، جورج جايتان، الذي أعقبت اغتياله حرب أهلية بين اليمين المحافظ والاتجاه الليبرالي.

وبالتالي، فإن تأسيس تنظيم "فارك" المُعادي للحكومة في العام 1964، الذي غالباً ما يتم تأريخ الصراع الكولومبي عنده لا يفسّر لنا الكثير عن أسباب الحرب الأهلية في كولومبيا. وبالمثل، فإن الصراعات العربية التي عُرفت بالربيع العربي على كونها حالةً تشبه الحالة الكولومبية، فإن بداياتها أقدم من لحظة الاحتجاجات الشعبية مطلع العام 2011. وتعود للعلاقة غير المتجانسة بين المواطن العربي والنظام السياسي. ولذلك يعتبر فريحات أن الصراعات هي دورة طويلة زمنياً. وفي كولومبيا، فشلت المعادلة الصفرية التي هي إحدى صفات الصراعات الدولية المتنوعة، في إلحاق الهزيمة الساحقة بالطرف الآخر وإنهائه. وهذا ينسحب أيضاً على حالة الصراعات العربية. ولهذا قاد الفشل في سحق تنظيم "الفارك" إلى الاتجاه للوسائل السلمية في حل النزاعات ومن ثم الوصول إلى اتفاق سلام في العام 2016، وإشراك المتمردين في العملية السياسية الذي تعرّض الاتفاق بطبيعة الحال إلى تعطيله بعد وصول منتخب اليمين إلى السلطة العام 2018. وهنالك حالات عربية كثيرة أُفشل فيها اتفاقات سلام، التي عموماً افتقرت إلى صيغة المشاركة السياسية وإلى العدالة الانتقالية والمحاكمة القانونية العادلة في مخرجاتها.

ومن أخطر الدروس التي تقدّمها لنا التجربة الكولومبية، وفق د. فريحات، دور المليشيات شبه الحكومية وغير الرسمية، والتي لا تحتكم إلى قواعد قتال أو اشتباك رسمية ذات مسؤولية حكومية، حيث ترتكب المجازر من دون أن يكون هناك مساءلة أو رقابة على عملها، وهي المسؤول الأكبر عن الفظائع التي ارتكبت خلال عقود من الحرب الأهلية في كولومبيا. تذكّر تجربة كولومبيا هذه بتجربة الحرب في البوسنة، وفلسطين أيضاً حيث يلعب المستوطنين في الضفة الغربية دوراً مشابهاً لدور المليشيات شبه الحكومية الكولومبية.  

وقد ختم د. فريحات المحاضرة بتفاؤله بعدما شاهد انعكاسات التوصّل إلى اتفاق سلام للصراع في كولومبيا، عندما أفرزت الانتخابات الرئاسية للعام 2022، مرشحاً يسارياً لأول مرة في تاريخ البلاد، غوستافو بيترو، الذي كان يقاتل مع المتمردين، وأوائل من دخل المفاوضات مع الحكومة، وهي بالتالي بارقة أمل بالتقدّم بتطبيق اتفاق السلام

وفي نهاية المحاضرة شكرت الدكتورة لورد حبش الدكتور فريحات على محاضرته القيمة وطريقة ربطه لتحليل الصراعات بالمنهج المقارن. وشهدت المحاضرة تفاعلاً واسعاً وحيوياً من الطلبة عبر طرح التساؤلات القيمة التي ساهمت في إغناء النقاش.