معهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية يُنظّم اليوم الثاني من مؤتمره السنوي

نُظّمت مساء الثلاثاء، 24 أيار 2022، الجلسة الثانية للمؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية بعنوان "القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب". وجاءت الجلسة الثانية تحت عنوان "الصراع الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط".

ترأس هذه الجلسة أستاذ القانون الدولي في جامعة بيرزيت د. ياسر العموري، وقدّم فيها مدير وحدة الدراسات السياسية في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات د. مروان قبلان، مداخلة استعرض خلالها العوامل التي أدت إلى احتدام الصراع في المنطقة على مدار المائة عام الماضية، حيث تزامن نشوء النظام الإقليمي للشرق الأوسط مع صعود القوميات الفارسية والتركية والعربية، إلا أن العرب قد دخلوا في حالة من التجزئة بسبب التقسيمات الاستعمارية، ما أفرز صراعات بين الزعماء العرب على القيادة. كما انعكست بنية النظام الدولي في حينه (الثنائية القطبية)، على طبيعة الاصطفافات العربية؛ سواء مع الولايات المتحدة أو الاتحاد السوفيتي، وبالتالي فإن جذور التنافس العربي – العربي يعود إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية.

وفي هذا الإطار قسّم قبلان مراحل الصراع إلى أربع. بدأت الأولى في فترة ما بين الحربين العالميتين (1920 – 1940)، وقوامها الخلافات بين الملكيات العربية. في حين كانت الحرب الباردة (1946 – 1989) المنطلق الرئيس لفهم الصراعات الجارية، والتي عكست الصراع الأميركي – السوفيتي على المنطقة والقضية الفلسطينية، كونها شهدت انقساماً عربياً شديداً تمثّل بالمعسكرين الشرقي والغربي. بعد نهاية الحرب الباردة استقرت الهيمنة الأميركية على المنطقة، والتي اعتبرها قبلان مرحلةً في حالة أفول، مهلّلاً بنشوء مرحلة ما بعد الهيمنة الأميركية. ويعطي في إطار كل مرحلة من هذه المراحل أمثلة على الفاعلين وطبيعة وساحة الصراعات.

يؤكد قبلان على أهمية ثلاث مفاصل تاريخية ارتدت على المشهد العربي، وهي احتلال فلسطين 1948، وحرب 1967، واحتلال الكويت 1990. وكان للأخيرة دوراً رئيساً في تحول المشهد الإقليمي وبداية التغلغل الإيراني في العالم العربي، جراء احتلال العراق عام 2003. وقد اشتد الصراع الإقليمي تزامناً مع سقوط بغداد وصعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في تركيا ربيع العام 2003.

ويستخلص قبلان من هذه التغيّرات الهائلة أن تنامي أدوار اللاعبين من غير العرب في الصراعات الإقليمية قد ظهر جلياً في ظل غياب واضح لأدوار عربية. والتي أضحت دولها - عوضاً عن ذلك -  ساحة نزال وتنافس ونفوذ بين القوى الإقليمية. وخلُصَ قبلان إلى أن الانقسامات العربية الراهنة لا تسعف بتقديم مؤشرات على المدى القصير تُنذر بتحسّن الأوضاع العربية، خاصة مع غياب القوى العربية التقليدية عن لعب الأدوار.

وشارك د. طارق دعنا، أستاذ النزاعات والعمل الإنساني في معهد الدوحة للدراسات العليا، بورقة في طور الإعداد قدّم من خلالها منظور تحليلي لصفقة التطبيع الإماراتي – الإسرائيلي (اتفاقيات أبراهام 2020)، التي تبنت أجندة استراتيجية للشرق الأوسط. وقد نوّه إلى أن الإعلان الإماراتي – الإسرائيلي حول تطبيع علاقاتهما لم يكن مفاجئاً للمراقبين الذين تابعوا عبر السنوات الماضية مسار فتح قنوات الاتصال والعلاقات السرية بين الدولتين. لكنه يرى بأن الإعلان الثنائي أعمق وأوسع بكثير من كونه مجرد سلام وعلاقات رسمية. فهو رؤية استراتيجية للمنطقة قائمة على عدة مجالات وقطاعات. كما تأتي لمحاولة "شرعنة" إسرائيل في المنطقة العربية، وإضعاف القضية الفلسطينية. وهذا سيرتكز على بناء تحالف استراتيجي يضم دولاً عربية مع إسرائيل، في ضوء التحولات المتسارعة بين القوى الدولية، والتي تشكّل دافعاً أساسياً لهذ التحالف. ولعل الاستدارة الأميركية عن المنطقة خير دليل على ذلك. فالفراغ الذي تتركه الولايات المتحدة سيعوّض بالطرفين الإسرائيلي والإماراتي، خاصة أن هذا التحالف يعزز الأجندات الأميركية بالنيابة عن واشنطن.

شكلت السياسات الأميركية مؤخراً في المنطقة هاجساً أمنياً وسياسياً لأطراف التطبيع، وأوجد لها قلقاً حول مدى قدرة الولايات المتحدة الالتزام بتقديم الأمن لها. لكن يبقى هذا التحالف الإماراتي – الإسرائيلي مكسباً للولايات المتحدة وأجندتها في المنطقة، كونه يعبر عن ولاء الدولتين للسياسة الأميركية، وبرؤية واحدة. وقد برزت تجليات هذا التحالف في تنفيذ مجموعة متنوعة من النشاطات الأمنية تحت مظلة أميركية. في حين كسبت إسرائيل توسيع عملية التطبيع العربي معها، وعزز تعاوناً عسكرياً لإسرائيل مع جيوش المنطقة المتحالفة مع واشنطن، وكذلك موطئاً لها في الخليج، كون اتفاقيات "أبراهام" هي المظلة التي ستحكم العلاقات العربية مع إسرائيل.

ووجد دعنا أن الأبحاث التي استعرضت دوافع هذا التطبيع تقوم على مستويين اثنين من التحليل. الأول يعزو أسباب التحالف الإماراتي – الإسرائيلي في سياق جني المكاسب الأمنية والاقتصادية للعلاقات الثنائية. في حين يضع التنافس الإقليمي هذا التحالف في سياق التغيرات الجيوسياسية. فالطرفان يعتبران المشهد الإقليمي الراهن يُمثّل تهديداً، وخاصة من إيران، على مصالحهما في المنطقة. وما أنشطة حركات "الإسلام السياسي" المقاومة إلا خير دليل على العداء الشديد مع إسرائيل والإمارات.

وفي ختام الجلسة الثانية للمؤتمر قدّم المشاركون ملاحظاتهم الختامية، كما شهدت الجلسة تفاعلاً واسعاً من الحاضرين عبر المداخلات والأسئلة القيّمة من طيف واسع من الأكاديميين والطلبة. وتستمر أعمال المؤتمر ليوم الخميس، 26 أيار / مايو 2022، وستعقد الجلسة الثالثة الأربعاء 25 أيار/ مايو في تمام الساعة السادسة مساءً، والجلسة الختامية ستكون يوم الخميس 26 أيار/ مايو.