"مفهمة فلسطين الحديثة" كتاب أنجزه طلبة برنامج الدكتوراة في العلوم الاجتماعية

بالتعاون بين جامعة بيرزيت ومؤسسة الدراسات الفلسطينية، صدر حديثاً كتاب: "مفهمة فلسطين الحدثية: نماذج من المعرفة التحررية." وقد أشرف على الكتاب وحرَّره عبد الرحيم الشيخ، أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية، وشارك فيه سبعة مرشحين من برنامج الدكتوراه في العلوم الاجتماعية، هم: فيروز سالم، وخلود ناصر، وأشرف بدر، وقسم الحاج، وعلي موسى، وأسماء الشرباتي، وعبد الجواد عمر. 

وقد جاء في مقدمة الكتاب أن "فصوله تشكِّل خطوة من داخل فلسطين المحتلة على طريق مفهمة فلسطين الحديثة، هويةً وقضيةً. وتتوسَّل الأبحاث مداخل حقلية ومنهجية متعددة تقارب فلسطين المذرَّرة جغرافياً وديمغرافياً، والمتعددة ثقافياً، بأدوات تراعي أصليَّة المواد في قيد البحث وأصلانية مناهج الباحثين. فمن ناحية، يسعى الكتاب، الذي يشكِّل الجزء الأول من سلسلة بحثية، إلى تجاوز مزدوج للفوات النظري وفوضى المفهمة حول ما تعنيه فلسطين كـ"حالة استعمارية" بين تيارات عديدة تتنافس اليوم على "كسب فلسطين" في رصيدها النظري كدراسات: ما بعد الاستعمار، والاستعمار الاستيطاني، والأصلانية، والبحث المحارب، وإعادة زعزعة العام. ومن ناحية أخرى، يساهم الكتاب في إنتاج المعرفة التحررية، بالعربية، للقارئ داخل فلسطين خاصةً وفي العالم العربي عامةً، إذ إنَّ معظم الجهد النظري المتوافر اليوم يخضع لهيمنة اللغات الغربية، الإنجليزية والفرنسية وبدرجة أقل الألمانية، حول ماهية "فلسطين الحديثة" التي صارت في الخطاب الرسمي، حرفياً: "فلسطين الجديدة". وقد أتاحت هذه التوجهات الحقلية والمنهجية للباحثين نقداً مزدوجاً للثبات الأيديولوجي لمشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني، والتحوُّل الذي أصاب مشروع التحرر الوطني الفلسطيني، على المستويات السياسية والاجتماعية والثقافية."

بالإضافة إلى مقدمة الكتاب وتأطيره النظري، تتناول الأبحاث السبعة فيه الكلاسيكيات الكبرى للهوية الوطنية الفلسطينية: أرضاً، وناساً، وحكاية. فمن "الأرض" تبدأ فيروز سالم، القادمة من حقل الدراسات الدولية والمهتمة بأنثروبولوجيا الريف وتنمية المناطق المهمشة في فلسطين، في دراسة بعنوان: "من أروقة المحاكم الاستعمارية إلى الأرض: الصراع اليومي على الزمان والمكان في الأغوار الفلسطينية" كجزء من اهتمامها البحثي الأوسع بصناعة الهشاشة-والجَلَد وممارستهما في الحياة اليومية. وحول "الناس"، تعالج خلود ناصر، ذات التدريب الأكاديمي والمهني في حقول الصحة العامة والمجتمعية والسياسات التربوية والتنمية، "سؤال الديموغرافيا: بين التوجهات الفلسطينية والإسرائيلية الراهنة،" ضمن اهتمامها البحثي الأعرض بالدراسات الاستعمارية في سياق الأبارتهايد الإسرائيلي في فلسطين. وفي رصد لـ"الناس" على "الأرض"، يتناول الأسير المحرر أشرف عثمان بدر، المتخصص بالدراسات الإسرائيلية، موضوع "الاشمئزاز كآلية استعمارية: الاستعمار الاستيطاني الصهيوني نموذجاً" ساعياً إلى تفكيك البنية النفسية لـ "ضحويَّة" المستعمِر الصهيوني كما تنعكس في اشمئزازه من ضحيَّته المتمثلة بالمستعمَر الفلسطيني. 

أما قَسَم الحاج، التي يتموضع اهتمامها البحثي على تقاطع الحقلين الثقافي والسياسي، وبخاصة على مستوى السياسات الثقافية والتربوية الفلسطينية، فتذهب إلى مزيد من التجريد لعنصرَي "الأرض" و"الناس" عبر دراستها لـ"حظر التجوُّل والإغلاقات العسكرية: اعتقال الزمكان الفلسطيني وتحريره." ومن "الأرض" و"الناس" يذهب ثلاثة آخرون من الباحثين إلى "الحكاية"، أهم عناصر السردية الوطنية الفلسطينية، في تمثُّلاتها الاجتماعية، والثقافية، والتربوية. فيكتب علي موسى، الباحث في التاريخ الاجتماعي لفلسطين والمهتم بدراسة الذاكرة الفردية والجماعية وعلاقتهما بالهوية الثقافية كما تتجلَّى في السير الذاتية، والمذكرات، واليوميات، عن "أبعاد الهوية الفلسطينية في سير ذاتية ومذكرات من نابلس (1948- 1967)." أما أسماء الشرباتي، العاملة في "حقل الأمل"- من التنمية البشرية وتصميم المناهج إلى تطوير المهارات الإدارية والاتصالية، فتناول "صور الفاعلية الكتب المدرسية الفلسطينية." وأما عبد الجواد عمر، ذو التدريب الأكاديمي في الفلسفة والتاريخ والدراسات الدولية، فيتناول تراجع التعبير "الجمعي" عن الهوية الفلسطينية الجامعة عبر درس مقارن لكتابات غسان كنفاني، وإدوارد سعيد، ومريد البرغوثي، ومحمود درويش، في بحث بعنوان: "ما-بعد فلسطين: الخطاب الثقافي الفلسطيني وتراجيديا الهزيمة."

وقد حظي مشروع هذا الكتاب، لندرته، باهتمام ودعم خاصَّين من جامعة بيرزيت ومؤسسة الدراسات الفلسطينية اللتين تربطهما شراكة لافتة في الرسالة المعرفية والوطنية. ويشكِّل الكتاب، الذي تعهَّدته مؤسستان فلسطينيتان رائدتان، علامة فارقة في تقديم مداخلة نقدية حول تعريف ما تعنيه "الدراسات الفلسطينية" اليوم قادمة من قلب المركز الجغرافي لفلسطين التاريخية.