مدير برنامج الدراسات الإسرائيلية يُشارك في كتاب حول النضال ضد سيطرة الصهاينة على الأراضي

شارك د. منير فخر الدين، مدير برنامج ماجستير الدراسات الإسرائيلية في جامعة بيرزيت، في كتاب "قصص فرز الأراضي: علاقات الأرض الأصلانية تحت حصار المستوطنين"، الذي سيصدر قريباً من منشورات جامعة مينيسوتا، وبتحرير من دانيال هيث جاستس وجين أوبراين. وشارك د. فخر الدين في فصل في الكتاب حول نضال الشعب الفلسطيني ضد فرز الأراضي خلال فترة الانتداب البريطاني.

يُقدّم الكتاب تفسيراً للطرق والأدوات التي استخدمتها القوى الاستعمارية للسيطرة على أراضي الشعوب الأصلانية، ومقاومة الأصلانيين لمحاولات السيطرة، وذلك عن طريق إنتاج حوار مركب من روايات المقاومة الأصلانية لعملية الإفراز ومشاريع أخرى تهدف إلى سلب الأراضي. ويشمل الكتاب أكثر من اثنتي عشرة حكاية حول الإمبريالية البيضاء والمقاومة الأصلانية، من قصص استخدام نساء شعب "انيشينابي" أسلوب الإنتاج الموجّه للاكتفاء الذاتي في القرن التاسع عشر كوسيلة للحفاظ على استقلاليتهم، إلى دور شق الطرق في مصادرة أراضي شعب "جوام" التقليدية، إلى ارتباط خسارة الأرض بالإبادة العرقية في كاليفورنيا، ليصل إلى قصة أهالي الساخنة في سهل بيسان مع تحولات نظام الأراضي في فلسطين منذ العهد العثماني وحتى يومنا هذا.

ويستعرض الفصل الذي كتبه د. فخر الدين قصة أهالي الساخنة في سهل بيسان مع تحولات نظام الأراضي في فلسطين، منذ سياسة السلطان عبد الحميد الثاني في توسيع مزارعه السلطانية (الجفتلك الهومايوني) في ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر، إلى تسوية أراضي بيسان الانتدابية (1921) إبان الاستعمار البريطاني لفلسطين، وتعزيز أسس الاستيطان الصهيوني وآليات سلب الأرض. ويبين د. فخر الدين كيف خسر أهالي الساخنة "سند الطابو" لأول مرة لصالح السلطان عبد الحميد الثاني، لكنهم كسبوا في المقابل العدل، أي حقهم في العيش والأمن تحت راية السلطان، وأنهم ذاتيّاً لم يعتبروا حقهم الأصيل في الأرض مسألة بحاجة إلى تسجيل، ولم يعن طابو السلطان موضوعيّاً (في الاقتصاد السياسي العثماني آنذاك) إخراجاً للفلاحين من الأرض.

وخلال الانتداب البريطاني، يوضح د. فخر الدين كيف جاءت سياسة تسوية الأراضي الاستعمارية لفرزها و"إعادة" تسجيلها باسم المزارعين كملكيات خاصة، والتي أدت إلى مشكلة الديون للفلاحين، وكانت النتيجة أن قبل عدد من أهالي الساخنة عرضاً من متنفذ لبناني الأصل من سكان فلسطين، هو سليمان ناصيف، وشريك إنجليزي له باسم كابتن روس المقيم في نابلس، لينقلوا الأرض على اسمه مقابل أن يبقوا مزارعين لديه بالقسمة، ولكن الملاك الجدد كانوا محض سماسرة.

وفي الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، كان أهالي الساخنة أول من واجه شكل الاستيطان الصهيوني الحربي المعروف بـ"البرج والسور"، حيث أقيمت على أراضيهم أول مستوطنة من هذا النوع، باسم تل عمال أو نير دافيد، على يد حركة الاستيطان "اليسارية" هشومير هتساعير (الحارس الشاب). وبعد الثورة، اضطروا للخروج، ولكن في المقابل اضطرت حكومة الانتداب أيضا إلى توفير أراضٍ مجاورة لهم، كانت قد اشترتها لـ"إعادة توطين" مزارعين فلسطينيين أخرجهم الاستيطان اليهودي من أراضيهم في مناطق أخرى من فلسطين. خلال الأربعينيات، منع أهالي الساخنة المستوطنين من اقتحام أراضيهم الجديدة أكثر من مرة، وبقوا صامدين فيها إلى أن أخرجوا بقوة السلاح على يد المنظمات الاستيطانية المسلحة في العام 1948.

وبشكل عام، يسرد د. فخر الدين الفصل من موقف تأريخي نقدي، يتجاوز معيارية مفهوم ملكية الأرض البرجوازي، الذي تتخذ فيه الأرض شكل السلعة الخالصة، كنموذج لسرد تاريخ فلسطين، ليكشف عن دور المفهوم الشعبي للأرض، الذي يرى بالأرض ميراثاً أهليّاً من الأجداد، مدار عيش ووطن، لا يمكن أن تنتزع من أصحابها حتى تحت وطأة الدين، فتسجيل الأرض في ذلك العرف الشعبي كان مجرد إقرار بعلاقة مزارعة تحت المديونية، لا حقّاً مطلقاً لصاحب الأرض المسجل في الملك يخوّله التصرف بها كما يشاء.

وتكشف قصة الساخنة تحوّل النضال الفلسطيني من الصمود الأهلي أمام علاقات الإنتاج الرأسمالية في الأرض في أواخر الحقبة العثمانية (عبر نظام المشاع على سبيل المثال)، إلى مواجهة قوانين الانتداب ومقاومة الإخراج من الأرض ووضع الحق الوطني الفلسطيني على محك السياسة الاستعمارية البريطانية. ضمنيّاً، كان الرهان السياسي الأكثر عمقاً في قصة الساخنة مثالاً على الرهان الفلسطيني العام في تلك الحقبة: وهو كسر القاعدة الاستعمارية- الاستيطانية الناظمة للانتداب، التي تقول إن (خسارة) الفلسطيني لملكية أرضه العينية لعبة عادلة، تعني إنكار ذاته بذاته ونفي سيادته وحقه القومي في وطنه.