"الصوت الآخر" نسمعه بالعربية بعد ثلاثين عاماً على صدوره بالإنجليزية

بعد مضي قرابة ثلاثين عاماً على صدروها بالإنجليزية، ظهرت إلى النور ترجمة-تحويلية لأطروحة "الصَّوت الآخَر: مُقدِّمة إلى ظَواهريَّة الـتَّحوُّل"، النص المجهول لحسين البرغوثي، الشاعر والفيلسوف وأستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية السابق في جامعة بيرزيت، والتي أنجز تحويلها وتقديمها إلى العربية عبد الرحيم الشيخ، أستاذ الفلسفة والدراسات الثقافية والعربية. وقد صدرت أطروحة "الصوت الآخر" عن الدار الأهلية في عمَّان، في تشرين الأول 2020، بعد عمل استمر لسنوات عدَّة، وكانت المسوَّدة الأولى من الأطروحة المحَوَّلة قد أنجزت خلال إجازة التفرُّغ العلميِّ للأستاذ الشيخ من جامعة بيرزيت، باستضافة من مركز الدِّراسات الفلسطينيَّة في جامعة كولومبيا-نيويورك، وبدعم من منحة فولبرايت للبحث المتقدِّم، خلال العام الدراسي 2015-2016.

تتوزَّع أطروحة "الصوت الآخر: مقدِّمة في ظواهريَّة التحوُّل"، بعد التمهيد والمقدمة النظرية، على ثلاثة فصول، هي: الإلهام؛ والوثنيَّات الكونيَّة؛ وعلاقة الذَّات والموضوع؛ فيما ترك البرغوثي الأطروحة دون خاتمة، معتبراً الفصل الأخير خلاصة القول. وللتمثيل على البنى النظرية التي تدشِّنها الأطروحة في وصف "الصوت الآخر" المولِّد لصور الذات المبدعة، يستخدم البرغوثي نصوصاً عالمية تتراوح بين المقدَّس والإبداعي والتعقيبي من الحضارات العالمية المختلفة.

وقد بدأ اهتمام البرغوثي بفاعليَّة الذِّهن المبدع، كثيمةٍ أمٍّ في "الصَّوت الآخَر"، خلال دراسته في بودابست (1973-1977)، إذ وردت أولى الإشارات إلى ذلك في "الضِّفَّة الثَّالثة لنهر الأردن" (1983) التي استكمل كتابتها في رام الله؛ وأخذت الفكرة بالتَّبلور خلال دراسته للماجستير في سياتل (1985-1987) متأثراً بأفكار "بَرِي"، البطل النَّقيض في "الضَّوء الأزرق" (2001)، الذي "قرر كتابة بحث عن القوانين التي تحكم الكون والذِّهن"، حيث ازداد اهتمام البرغوثي بسؤال: "كيف يمكن للذِّهن أن يعيد تصميم نفسه؟" عبر "الهندسة العليا" التي صاغ بعض أسئلتها في رام الله، لاحقاً، في "الفراغ الذي رأى التَّفاصيل" (1996) و"ما قالته الغجريَّة" (البرغوثي، 1998)... وقد استمر هذا الانشغال الفكري في السَّنوات الأولى من انتفاضة الحجارة (1987-1989)، حيث عالج البرغوثي "الفنِّ العسكريِّ للرُّوح، وبنية العقل المبدع" (1997)، كنواة لأطروحته للدُّكتوراه "الصَّوت الآخَر: مقدِّمة إلى ظواهريَّة التَّحوُّل" التي انتهى من صياغتها بالإنجليزيَّة في سياتل في العام 1992؛ ودرَّس بعض فصولها (التي لا تزال موجودة على شكل شذرات بالعربيَّة والإنجليزيَّة بخطِّ يده)، دون الإشارة إلى الأطروحة على وجه التَّحديد، لطلبته في جامعة بيرزيت (1992-1996)؛ ولتتجلَّى أفكارها في كلِّ أعماله، وحواريَّاته مع محمود درويش وغيره (1995-2002)، دون أن يأتي على ذكرها إلا لماما... وها هي تُقرأ الآن، في العام (2020)، بالعربيَّة، بعد قرابة ثلاثة عقود على ولادتها، وعقدين على رحيل مؤلِّفها.

يذكر أن هذا الكتاب هو العمل المترجم الثالث للأستاذ الشيخ، بعد ترجمته للسيرة الروائية لحسين البرغوثي "الضوء الأزرق" (2004) إلى الإنجليزية، وترجمة رواية عوز شيلاح "أراض للتنزُّه: رواية في شذرات" (2010) إلى العربية، بالإضافة إلى عشرات الترجمات الفكرية والشعرية من العربية وإليها.