"الصحافة الثقافية".. مساق جديد لجامعة بيرزيت والجامعات الفلسطينية

"اخترتُ المساق لأنني أفضِّل التعليم المركَّب، ولا أطيق المعرفة بمفهومها الذابل القاتم الذي اعتدنا عليه في مناهج المدرسة. نحن الآن في الأسبوع الرابع، ناقشنا مدارس الأدب النثريّة، والشعريّة، والمسرحيّة. الحقيقة أن المساق لم يدرَّس بتقليديّة، كل محاضرة كانت بمثابة "إرشادٍ فكريّ".

بهذه الكلمات تصف طالبة الإعلام دنيا الطيب تجربتها مع مساق الصحافة الثقافية، الذي طرحته دائرة الإعلام في جامعة بيرزيت ضمن مساقاتها المعتمدة للفصل الدراسي الثاني من العام الأكاديمي 2020-2021. وتضيف دنيا: "المساق مُجدٍ، لا للطلبة المتصالحين مع اللغة فحسب أو المحبين للأدب مثلي، وإنما لجميع طلبة الإعلام الذين ينشدون كتابةً متميّزة؛ لأنّ الصحفي المحنَّك قادرٌ على الخروج من لغة عميقة إلى أخرى سطحيّة كلغة الأخبار العاجلة مثلاً، بخلاف الصحفي المفتقِر إلى الذخيرة اللغوية. إنه مساقٌ يدعو إلى احترام المعرفة ويعلّم الطالب كيف ينمّي ذائقته الفنيّة، أو على نحوٍ أدقّ "ذائقته الروحيّة".

وحول أهمية المساق وأهدافه، يقول الإعلامي وأحد المشاركين بتأليف كتاب الصحافة الثقافية، عارف حجاوي: "يحتاج صحفي وصحفية المستقبل إلى معرفة عدد من الركائز كتحري الدقة وذكر المصادر، وصياغة الجمل بحيث تصل الفكرة والمعلومة والخبر بسرعة ووضوح. وتدريس هذا المساق يتيح للطلبة أن يقعوا في الأخطاء ويتعلموا منها، وأن يجربوا تغطية متخصصة بعيدة عن التغطيات الإخبارية العادية. مساق الصحافة الثقافية يدخل الطلبة إلى عمق المفاهيم الصحفية الثقافية بشكل عملي عبر ممارسة الكتابة. في هذا المساق، ينتبه المتعلم إلى ما عنده من مشكلات في اللغة، وفي نقص المعلومات، وفي العثور على المصادر، وفي قراءة ما وراء النص أو اللوحة أو المقطوعة الموسيقية. الفائدة كبيرة، وتتحقق بشكل أفضل عندما يكتب الطلبة ويستمعون للتعليق من المعلم الذي مارس المهنة أكثر مما يتعرضون للدروس النظرية".

من جهته، يرى خالد جمعة المختص بأدب أطفال وأحد المشاركين في تأليف هذا الكتاب: "فيما يخص تدريس هذا المساق في الجامعات الفلسطينية، أرى ذلك ليس فقط ضروريا، بل ورياديا أيضا، حيث إن الاهتمام بالصحافة الثقافة لم يوازِ يوما الاهتمام ببقية فروع الصحافة، على اعتبار أن الثقافة ليست لها الأولوية، لا رسميا ولا شعبيا، وبهذه المبادرة، يتم إعطاء الصحافة الثقافية حقها، حيث إنها تعتبر العامل الأهم في العديد من الدول، فعلى سبيل المثال، لا أحد في الولايات المتحدة يشتري كتابا أو يشاهد عملا سينمائيا أو مسرحيا قبل أن يقرأ حوله في الصحف، وبذلك، فإن هذه الإضافة في رأيي نوعية وكان يجب أن تأتي منذ زمن أبكر".

ويرى رسام الكاريكاتير الفنان عماد حجاج أن فن الكاريكاتير لا يحظى باهتمام وحضور في مجال التعليم والتدريب الصحفي، رغم كونه فنا صحفيا أصيلا، وأضاف: "تدريس هذا المساق هو سابقة نعتز بها كمشتغلين في حقل الكاريكاتير، لا سيما أن هذا الفن بات قوي التأثير، ويتصدر المواقع الأبرز في الصحافة بشكليها التقليدي والإعلام الحديث، كما أن تذوق الكاريكاتير وقراءته بصريا بصورة صحيحة هو مهارة يحتاجها كل صحفي، لا سيما أننا نعيش حروبا إعلامية وحضارية شعواء تحت عناوين شتى، مادتها الرئيسية هي الكاريكاتير، ولا أدل على ذلك من أزمة الرسومات الدنماركية المسيئة سيئة الذكر، ومأساة صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية، كأحداث مؤسفة خالطتها الكثير من التوظيفات السيئة لهذا الفن النبيل والطريف، عدا ما شابها من سوء قراءة وفهم للرسومات من قبل جميع الأطراف" .

وحول تقييمه لهذه التجربة التي شارك فيها بتأليف الكتاب، يقول حجاج: "يتميز المساق بالفرادة عربيا، وهذا من حسن تدبير القائمين على هذا المساق، وهي خطوة أولى واعدة وكبيرة، وأنا متأكد من جدواها وأهميتها لكل العاملين في المجال الصحافي، وثانيا أعتقد أنها تجربة مفيدة لي كرسام أتفرغ للمرة الأولى لعمل أكاديمي بهذا الحجم، وما يلقيه علي من مسؤولية كبيرة بنقل معالم هذا الفن بطريقة مهنية متوازنة تراعي الفهم الصحيح لهذا الفن وأصوله ورموزه وتاريخه عالميا ومحليا.

وحول أهمية تدريس هذا المساق في الجامعات الفلسطينية، يرى المخرج فتحي عبد الرحمن بأن هذا المساق سينمي ملكة النقد والتذوق الفني من خلال التعرف على المدارس الفنية والمناهج النقدية والمعلومات والمصطلحات الأساسية والصحيحة الخاصة بالأدوات والفنون، وستنعكس فائدة تدريس هذا المساق في الجامعات على الكتابة الصحفية للثقافة بأن تصبح أكثر مهنية ومنهجية وعلمية وأقل انطباعية واعتباطية.

وأضاف: " في ظل غياب مراجع مركزة وتعريفية تشمل أنواع الفنون والأدب في مكتباتنا، فإن هذا الجهد الطيب والجدي يعتبر اسهاماً حقيقياً من مركز تطوير الإعلام لسد هذه الثغرة، ولخدمة الثقافة والصحافة، والارتقاء بطلبة الجامعات لتصبح الثقافة حاجة ومكون أساسي في بناء شخصياتهم. أعتز بمشاركتي في هذا الجهد مع زميلات وزملاء أكن لهم التقدير والاحترام متمنياً أن تكون هناك أجزاء أخرى."

وقد أنتجت جامعة بيرزيت هذا المساق، وقال رئيس الجامعة د. عبد اللطيف أبو حجلة إن "دعم إنتاج مساق الصحافة الثقافية، يساهم في تعزيز دور الجامعة كمنتجة للمعرفة، وكمساهمة في رفد المكتبة العربية بمساقات أكاديمية متخصصة للبرامج التي تطرحها في مختلف تخصصاتها"، مضيفًا أن "إصدار المساق جاء لدعم الفكرة الريادية لأول مساق في الصحافة الثقافية بين الجامعات المحلية والإقليمية، باعتباره يساهم في تجهيز طلبة الإعلام للعمل في مهن متخصصة ضمن سوق الإعلام الواسعة.

من جهته، بين رئيس دائرة الإعلام د. محمد أبو الرب، أن الدائرة طرحت مساق الصحافة الثقافية كموضوع خاص خلال الفصل الدراسي الحالي، إيمانا منها بأهمية هذا الحقل، وأهمية تدرب الطلبة على هذا النوع من الكتابة المتخصصة التي قلما تطرحها كليات وبرامج الصحافة المحلية.

وأضاف: "لمساق الصحافة الثقافية أهمية خاصة كونه مساقا متخصصا في الكتابة الثقافية بمختلف صنوفها، ويلبي رغبة بعض الطلبة المهتمين في الكتابة الثقافية، ومن الممكن أن يفتح هذا المساق أفقا جديدا لبعض الطلبة لكتابة تقارير ثقافية متخصصة لوسائل الإعلام أو العمل في المؤسسات الثقافية".

وكتاب الصحافة الثقافية (285 صفحة) هو الخامس من سلسلة مساقات أنتجها مركز تطوير الإعلام ضمن محور التطوير الأكاديمي، وشارك في تأليف مساق الصحافة الثقافية 13 مؤلفا، وهم: ليانة بدر- تغطية الرواية والقصة في الصحافة الثقافية، وصالح مشارقة- الفنون الإخبارية في الصحافة الثقافية، ووليد الشيخ- الشعر ونقده وما قد تكون صحافة عنه، وفتحي عبد الرحمن- المسرح والتغطية الصحافية للمسرح، ومنذر جوابرة- التغطية الصحافية للفن التشكيلي، وعماد حجاج- فن الكاريكاتير، وأسامة العيسة– صحافة المكان، وخالد جمعة- أدب الطفل، ومحاسن ناصر الدين- التغطية الصحفية للسينما، وجورج خليفي- التغطية الصحفية للفيلم الوثائقي، وعارف حجاوي- تغطية الأغنية والموسيقى، ونورا بكر وأنس أبو عون- تغطية فنون الرقص والتراث والفولكلور، ويسري درويش– الإدارة الثقافية.