لليوم الثالث على التوالي: مؤتمر " القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب" يواصل أعماله

نُظّمت مساء الأربعاء، 25 أيار 2022، الجلسة الثالثة للمؤتمر السنوي لمعهد إبراهيم أبو لغد للدراسات الدولية بعنوان "القضية الفلسطينية في مهبّ إقليم مضطرب". وجاءت الجلسة الثالثة – ما قبل الأخيرة – تحت عنوان "المنظومة العربية المضطربة والتحديات المحتملة".

ترأّس الجلسة أستاذة الدراسات الدولية في جامعة بيرزيت د. لورد حبش، وقدّم فيها أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإسكندرية د. عبد الفتاح ماضي، مداخلة حملت عنوان "لماذا تعثرت عمليات الانتقال إلى الديمقراطية؟"، وذلك عبر ثلاثة مضامين. الأول مدخل عن الصراع العربي – الإسرائيلي ومسألة الديمقراطية. والثاني مراجعة مقتضبة حول الأدبيات التي درست ظاهرة الانتقال إلى الديمقراطية في العالم العربي، ولماذا تحدث و/أو تفشل / تنجح. والثالث حول الحالات العربية وأدبيات موجة التغيير 2011.

مع قيام إسرائيل العام 1948، وجدت الأنظمة العربية نفسها في حالة تخبّط تتعلق بسؤال استرجاع فلسطين أم البدء في تأسيس نُظماً ديمقراطية؟ وقاد هذا التخبط النظم نفسها إلى هزيمة عام 1967، وكذلك الشروع بقمع الحريات خلال موجة الانقلابات العسكرية منذ الأربعينيات - والتي استمرت حتى وقتنا الراهن. ومع قيام نُظماً جمهورية على أنقاض بعض المُلكيات، تعاظمت ميزانيات المؤسسات العسكرية، لكنها لم تحقق هدفها بإجبار إسرائيل على الانسحاب. في ظل هذا الواقع دخلت الأنظمة العربية مع استدارة الرئيس المصري أنور السادات في "مرحلة السلام" مع إسرائيل، مقابل تهميش قضايا الحريات والقضية الفلسطينية.

لم تنجح هذه التفاعلات في حماية الأمن العربي الذي انكشف، رغم الميزانيات العسكرية الهائلة، للقوة الأميركية في ضوء الغزو العراقي للكويت عام 1990. وقد حاولت حراكات العام 2011 الاحتجاجية تغيير تلك المعادلة، لكنها أُجهضت في مهدها بدعم بعض القوى الإقليمية.

استعرض ماضي عدة عوامل قام بدراستها حول تأثيرها في فشل أو إخفاق التحول الديمقراطي في العالم العربي، مثل: طبيعة المؤسسات السياسية، ونوع النظام السياسي، والتركيب المجتمعي، وطبيعة النخب. مع الإشارة إلى أنها لا تنطبق بالضرورة على جميع الحالات. أما مؤشرات الانتقال الناجح فتستدعي أن يسود سِلم أهلي، وحد أدنى من الاستقرار السياسي، وتوافق النخب، وظهور قيادات قادرة على الفعل والحسم، وبناء مؤسسات النظام الديمقراطي الجديد. وخلُصَ ماضي إلى أن موجة التغيير عام 2011، قد فشلت لأسباب داخلية أهمها طبيعة النظم السابقة، وشكل عملية التغيير، واتجاهات سلوك الفاعلين، ومنهج عملية التغيير. والتي بدورها ارتدت سلباً نحو إعادة تماسك نخب النظام القديم من جديد (المدعوم من الخارج المعادي للتغيير والتحول الديمقراطي في المنطقة العربية).

وشاركت د. دانا الكرد، أستاذة العلوم السياسية في جامعة ريتشموند، بورقة أعدتّها بعنوان "’اتفاقيات السلام‘ والممارسات السلطوية: أثر التطبيع مع إسرائيل". استنتجت من خلال دراسة علاقة "التطبيع" بمستقبل المجتمعات العربية، أن اتفاقات "السلام" ستعزز الممارسات السلطوية لأنظمة التطبيع. فهذه الممارسات تشوّش على المساءلة السياسية عن طريق تعقيد مسألة الوصول إلى المعلومات، إضافة إلى قمع الأصوات والترويج للدعاية المضادة ومنع النشاط السياسي. ولفتت النظر إلى أن الممارسات السلطوية لا تنحصر في موضوعات الديمقراطية ونوع النظام السياسي وسلوك الدولة، وإنما يمكن لفاعلين من غير الدول أن يساهموا في تعزيز الاستبداد لصالح حكوماتهم. أما فرضيتها البحثية فهي أن التطبيع يمكن وصفه بأنه آلية سلطوية لفض النزاعات، تؤدي في نهاية المطاف إلى نشر وتشجيع ممارسات سلطوية داخل المجتمع.

لغرض بحثها حول التطبيع الخليجي مع إسرائيل، قامت الكرد بدراسة أربع حالات خليجية، وعبر المقابلات مع نشطاء المجتمع المدني ومناصرة القضية الفلسطينية في البلدان المقصودة لأغراضها البحثية، وتوصّلت إلى أن ازدياد وتيرة التطبيع العربي – الإسرائيلي يؤدي إلى اشتداد التحقيقات مع نشطاء القضية الفلسطينية. كما وجدت أن هنالك ثلاث آليات تربط مبادرات السلام بالممارسات الاستبدادية، وهي زيادة القمع، والتأثير السلبي على الروابط الاجتماعية، واكتساب تقنيات قمعية جديدة في كل مرة تسلك دولة عربية مسار التطبيع. ولتدعيم فرضيات الدراسة رجعت الكرد إلى مؤشرات الرأي العام العربي، وخاصة في دول خليجية، وكانت نسبة معارضة التطبيع مرتفعة تصل إلى 88%. وخلصت الكرد إلى أن النشاط الداعم لقضية فلسطين ارتبط بمناهضة الاستبداد، وسيكون ارتباطاً أكثر تشابكاً في المستقبل. كما أن النشاط العابر للحدود هو جزء لا يتجزأ من عملية مقاومة قمع الدولة المتزايد والناتج عن تعزيز العلاقات مع إسرائيل.

قدّم المداخلة الأخيرة أ. عُريب الرنتاوي، مدير مركز القدس للدراسات السياسية في عمّان، واستهلّ القول أن مشكلة الاستعصاء الديمقراطي في العالم العربي تكمن في النشأة المأزومة للدولة العربية القُطرية / القومية، كونها نشأت وفق تقسيمات اصطناعية استعمارية، وبحدود عشوائية أجّجت الخلافات الحدودية مع الدول العربية المجاورة خلال المائة عام الماضية.

لكن إنشاء إسرائيل 1948، لعب دوراً حاكماً في تشكّل وإعادة النظام العربي والدول العربية الحديثة أكثر ارتباطاً بالصراع العربي – الإسرائيلي. وقد كانت هزيمة 1948 محركاً أساسياً لموجة الانقلابات العسكرية في الأربعينيات والخمسينيات، والتي قسّمت الدول العربية إلى معسكرين اثنين، ملكي وجمهوري. وقد عزّز من هذا الانقسام الفشل في إقامة دولة تقوم على المواطنة واحترام الكيانات الداخلية، والتي ستنفجر أوضاعها الداخلية مع التحولات الاجتماعية التي ظهرت في انتفاضات عام 2011. وقد أشار الرنتاوي إلى أن التحولات الاجتماعية انبثقت سابقاً مع تداعيات حرب عام 1973 الاقتصادية، وأحداث العام 1979، وقوامها تحولات فكرية ذات أبعاد عقائدية. هذه التحولات الاجتماعية – الاقتصادية، والفكرية – العقائدية قامت الأنظمة العربية باحتواءها عن طريق إقامة علاقات ريعية – زبائنية في البلدان الملكية، وعلاقات قمعية في البلدان الجمهورية. وخلص الرنتاوي إلى أن ثورات 2011 قد كشفت عن فسادٍ كبيرٍ للأنظمة، والذي استشرى في بلدان الربيع العربي، وخراب في بُنية المجتمعات العربية أيضاً (تراجع مستوى ثقة المواطن العربي بنفسه وبالنظام السياسي). أما الدول العربية اليوم فهي غارقة في البحث عن شرعية. وأما المحاور الإقليمية فهي أكثر انفتاحاً مع بعضها البغض في ضوء فشل سياسة الحسم والصراع الصفري.

وفي ختام الجلسة الثالثة للمؤتمر قدّم المشاركون ملاحظاتهم الختامية، كما شهدت الجلسة تفاعلاً مستمراً من ضيوف المؤتمر من خلال المداخلات والأسئلة. وستعقد الجلسة الختامية لأعمال المؤتمر يوم الخميس، 26 أيار / مايو 2022، في تمام الساعة السادسة مساءً.