"الجوع والحرية" محاضرة تناقش إضرابات الأسرى الفلسطينيين عن الطعام

ضمن فعاليات مساق "دفاتر السجن: الحركة الفلسطينية الأسيرة،" عقدت دائرة الفلسفة والدراسات الثقافية، بالتعاون مع حملة الحق في التعليم، في جامعة بيرزيت ونادي الأسير الفلسطيني، الندوة السادسة من سلسلة "ندوات الحرية-5،" بعنوان: "الجوع والحرية: إضرابات الأسرى الفلسطينيين عن الطعام،" وذلك يوم الخميس الموافق 2 حزيران 2022. وقد استضافت الندوة الأسيرين المحررين: محمد القيق وبلال الكايد (فيما لم يتمكن الأسيران المحرران طارق قعدان وكايد الفسفوس من المشاركة بسبب الظرف العام وإجراءات الاحتلال التي حالت دون حضورهما). وقد قدَّم الأسير المحرر، والطالب في برنامج الماجستير في الدراسات الإسرائيلية، عبد القادر بدوي، والأستاذتان والأسيرتان المحررتان خالدة جرار ورلى أبو دحو، شهادات خاصة حول تجارب الإضراب عن الطعام. وقام الأسير المحرر والإعلامي عصمت منصور بتأطير الندوة وإدارتها.

افتتح الندوة عصمت منصور، الأسير المحرر الذي شارك في معظم إضرابات الحركة الأسيرة خلال سنوات أسره، واصفاً الإضراب عن الطعام بوصفه الأداة التي يواجه بها الأسرى الفلسطينيون المنظومة الاحتلالية داخل السجون من خلال النضال الجسدي. وقد أشار منصور أن تعرُّض الأسرى لظروف قاسية جداً وعمليات قمع مستمرة، ولَّد الرغبة في مواجهة هذه السياسات بشكل فردي، من خلال ضرب السجان أو حرق الغرف، إلا إن ما وحَّد عمل الأسرى ونظَّمه في المواجهة كان الإضراب الأول عن الطعام الذي خاضته الحركة الوطنية الأسيرة، والذي عكس مقدار القوة الناشئة عن الوحدة في المواجه. وقد توقف منصور عند ما وصفهما بأهم إضرابين في تاريخ الحركة الفلسطينية، وهما إضراب العام 1992 في سجن جنيد والذي كان خلال فترة إنجاز اتفاق أوسلو، واضراب العام 1995، وهو إضراب سياسي بامتياز كانت قاعدته الأساسية مطلب رئيسي واحد وهو الحرية التامة للأسرى من سجون الاحتلال. وقد تلا هذين الإضرابين سلسلة الإضرابات عن الطعام التي توسعت واختلفت في بنيتها إلى أن برزت الإضرابات الفردية التي خاضها بعض الأسرى المعتقلين إدارياً، حيث تمكنوا من كسر قرار الاحتلال، وانتزاع حريتهم بالجوع والعطش.

وتحدث الأسير المحرر، وخريج جامعة بيرزيت، محمد القيق عن تجربته في الإضراب الفردي عن الطعام، وذلك بعد اعتقاله في العام 2015 واقتياده إلى التحقيق وإخباره من قبل ضابط المخابرات الصهيوني بأن "ملفه عسكري"، وأن لديه أحد خيارين: أن يعترف، وبالتالي يُحكم عبر صفقة بست سنوات، أو الاعتقال الإداري. إلا أن حالة الهبة الشعبية في الخارج، أي "انتفاضة السكاكين،" دفعت القيق نحو التفكير بخيار ثالث، وهو خيار المواجهة بالإضراب الفردي عن الطعام، وفي اليوم 27 تم إعلامه بأن ملفه ليس ملفاً عسكرياً، وإنما هو ملف "تحريض على الإعلام"، وذلك من أجل التوصل إلى تسوية معه لفك الإضراب. إلا أنه استمر في إضرابه رغم تهديدات ضابط المخابرات له بحرمانه من رؤية زوجته وعائلته ووضعه في السجون التي لا يوجد فيها وسيلة اتصال مع الخارج، إلا أن هذه التهديدات لم تكسر إرادته واستمر في الإضراب، وبدأت المفاوضات معه في سجن الرملة بغية كسر إضرابه الفردي وعدم تحوله إلى نموذج مواجهة يحتذى على منوال تجربة الأسيرين خضر عدنان وسامر العيساوي. إلا أن القيق استمر في إضرابه حتى تم تحديد سقف اعتقاله أول مرة لمدة ثمانية شهور، ثم تم تخفيضها إلى خمسة شهور: وهي فترة الثلاثة أشهر إضراب وشهرين علاج. وقد ختم القيق حديثه بالإشارة إلى أن ثقافة الرفض، وثقافة الـ "لا"، والمواجهة مع السجان مهمة لرفض الذل والإهانة وحفاظ الأسير على كرامته الوطنية والإنسانية.

وقد استكمل الحديث بلال الكايد، الأسير المحرر الذي شارك في كل الإضرابات الجماعية من عام 2001-2016، وأسند الإضرابات الفردية. أكَّد الكايد على أهمية الحفاظ على ثقافة الـ "لا" الوطنية ودعمها وتعزيزها بكل مقومات الصمود، وذلك من خلال تخليق الفعل الجمعي من التجارب الفردية في الإضراب عن الطعام، إذ لا يوجد، من وجهة نظره، نضال جمعي فقط داخل السجن وإنما جمعي وفردي يسيران جنباً إلى جنب. ولذا، يجب تدعيم النضال الفردي وإنجاحه والمراكمة عليه لأنه في لحظة ما يتحول من فردي إلى جمعي، ذلك أن كل أشكال المواجهة داخل السجون تصب في مصلحة النضال والمواجهة. وقد أشار الكايد إلى نوعين من المطالب النضالية، هما: السياسي، وهو مطلب الحرية والتحرر من السجون، والمطلبي، وهو تحسين ظروف الحياة اليومية داخل السجون. وبذا، فإن هدف الأسرى من قرار الإضراب عن الطعام ليس قتل أنفسهم وإنما مواجهة بنية المؤسسة الأمنية الصهيونية في السجون التي صممت من أجل إعادة إنتاج وعي الأسير وتطويعه وصهره لإخراجه إلى المجتمع إما بحالة حياد عن العمل النضالي والوطني أو كعالة وعبء على المجتمع، وذلك لإدراك المنظومة الصهيونية بأن الأسرى هم طليعة النضال والمواجهة وهم الفئة الأكثر استعداداً للتضحية في كل الظروف. إلا أن الأسرى، كما أكد الكايد، أدركوا هدف هذه المنظومة، فعملوا على إنشاء الحركة الوطنية الأسيرة من خلال بناء حالة رفضية جمعية تحافظ على الوعي السياسي لدى الأسرى، وتعمل على تنظيم المواجهة، والانتقال من النضال الفردي إلى المواجهة الجماعية.

أما عبد القادر بدوي، الأسير المحرر والذي حصل على شهادته الجامعية الأولى في سجن "هدريم"، فقدم شهادة خاصة حول تجربته في الإضراب الجماعي في العام 2017، وهو الإضراب الذي استمر 42 يوماً ابتداءً من 17 نيسان 2017. وقد أشار بدوي أن الإضراب لم يكن إلا انعكاساً لحالة التشظي التي تعيشها الحركة الوطنية في الخارج وانعكاسها على الحركة الوطنية الأسيرة داخل السجون. إلا أن الهدف الأساسي من الذهاب نحو الإضراب، كما أكَّد بدوي، كان لكسر قرار إدارة مصلحة السجون الصهيونية بإلغاء الزيارة الثانية لعوائل الأسرى وتحويلها إلى زيارة واحد كل 45 يوماً، والعديد من الإجراءات القمعية التي أدرجت قيادة الإضراب قرابة 15 مطلباً لكسرها. ورغم كل محاولات المؤسسات في الخارج، والحركة الأسيرة في الداخل، فقد فشلت المفاوضات مع إدارة السجون الصهيونية لتحقيق المطالب. وبذا، فقد دخل 1500 أسير الفوج الأول من الإضراب بقيادة المناضل والقائد الوطني مروان البرغوثي في سجن "هدريم"، وبعد 22 يوماً من الإضراب، انضم إليه العديد من قيادات الفصائل الوطنية والإسلامية. ولم يتوقف مطلب الإضراب عند حد إعادة الزيارة الثانية، بل شمل مطالب أخرى تمثلت في: توفير هاتف عمومي، وتحسين الظروف العلاجية للأسرى المرضى في مسلخ سجن الرملة، وتحسين ظروف الفورة والكنتينة الخاصة بالأسرى، وتحسين ظروف الأسيرات والأشبال، وغيرها من المطالب. ورغم كل المحاولات القمعية التي تعرض لها الإضراب وحالات الاعتداء الوحشية التي طالت الأسرى المضربين من سجن "هدريم" بعد تشتيتهم على السجون، إلا أن الأسرى استطاعوا إيصال رسالة قوية بصمودهم الأسطوري تمثلت بإعادة الاعتبار إلى الحركة الأسيرة بعد حالة من الترهل والانقسام. وقد أكَّد بدوي أنه عند المواجهة يكون الأسرى على خط واحد للدفاع عن كرامتهم، وأنه لا يمكن الرهان على تفتيت وتقسيم الأسرى داخل السجون. وأنه رغم الرغبة وضرورة العمل على تحرير الأسرى بشكل كامل، إلا أن الإضراب يبقى أكثر وسيلة فعالية لتحقيق مطالبهم ما داموا في الأسر.

وفي لفتة خاصة بتجربة الإضراب لدى الأسيرات الفلسطينيات، قدمت كل من الأسيرتين المحررتين والأستاذتين الباحثتين في جامعة بيرزيت رلى أبو دحو وخالدة جرار، شهادة خاصة. وقد تحدثت أبو دحو عن تجربتها في الإضراب عن الطعام خلال الانتفاضة الأولى وما بعدها، وكيفية تعامل الأسيرات مع الإضرابات في ظل بيانات القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة. وركزت أبو دحو على تجربتها خلال إضراب العام 1992 وإضراب العام 1995 الذي أعلن على مطلب التحرر والحرية من السجون، وذلك بعد توقيع اتفاق أوسلو وعودة قيادة منظمة التحرير إلى أرض الوطن. وقد سردت أبو دحو حكايات من البطولة والتحدي، وخاصة تلك المتعلقة بالأسيرات المريضات اللواتي رفضن مطلب قيادة الإضراب إعفائهن من الإضراب بسبب وضعهن الصحي، وشاركن في الأضراب وكن الأكثر صموداً فيه. أما الأسيرة المحررة خالدة جرار، فأشارت إلى ريادة الأسيرات الفلسطينيات في الإضراب عن الطعام من خلال حديثها عن تجربة الأسيرة لينا الجربوني، ورفيقاتها اللواتي يعانين الأمرين من قمع إدارة السجون الصهيونية في طيلة الوقت، وتحديداً إذا في حالة قرار الأسيرات القيام بخطوات احتجاجية كإعادة وجبات الطعام.

وقد اختتم الندوة الأسير المحرر عبد القادر بدوي بالدعوة للالتفاف حول الأسرى دائماً، ولكن بشكل خاص خلال فترة الإضراب عن الطعام، وتشكيل حاضنة شعبية تشكل سنداً ودعماً لهم في الخارج، وتحديداً عند خلال الإضرابات الفردية التي يقوم بها الأسرى الإداريون، وذلك للتمكن من وضع حل نهائي لإنهاء كل أنماط الاعتقال، وبخاصة الإداري.  

للاطلاع على تسجيل الندوة-تصوير الإعلامية لمى غوشة

https://www.facebook.com/1834964429/videos/764446171584040/