كلية الحقوق والإدارة العامة تنظم مؤتمراً دولياً حول البحث عن عدالة البيئة والمناخ في فلسطين

نظمت كلية الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، اليوم الأربعاء 4 نيسان 2018، مؤتمرها الدولي السنوي بعنوان: "البحث عن عدالة البيئة والمناخ في فلسطين: القوانين الوطنية والمعايير الدولية"، وذلك بحضور رئيس الجامعة د. عبد اللطيف أبو حجلة ورئيسة سلطة جودة البيئة د. عدالة الأتيرة، وعميد كلية الحقوق والإدارة العامة د. ياسر العموري، وعدد من الأكاديميين والطلبة والمهتمين.

افتتح المؤتمر د. أبو حجلة مؤكداً في كلمته على أهمية موضوع المؤتمر كقضية دولية، وكشأن محلي، وقال: " إننا نؤمن في جامعة بيرزيت أن الجامعات هي أداة التغييرِ في المجتمعات، وهي مصدر إلهام وتجديد في القضايا العامة، وإيماناً منا بأن عليها أن تلعب دوراً أساسيّاً ومحوريّاً في تطوير المجتمع الفلسطيني والمحافظةِ على موارده واستدامتِها."

وأضاف: "تولي جامعة بيرزيت أهمية خاصة لموضوعِ البيئة بمختلف أبعادها، لاعتقادها بوجود علاقة وثيقة بين الممارسات البيئية والتغيرات المناخية، حيث عملت الجامعة على تحقيق ذلك، فللجامعة مساهمات عدة في هذا السياق، إذ تسعى لتشجيع الأبحاث العلميةِ المرتبطةِ بالبيئةِ ودعمها، وقامت بتأسيس معهدٍ مخصصٍ للدراساتِ البيئيةِ والمائيةِ عام 2001، الذي يوفر برنامجي ماجستير في هندسة المياهِ والبيئة، وكذلك في علومِ المياهِ والبيئة. ويشاركُ المعهدُ في حلِّ المشاكلِ الحاسمةِ للمياه والبيئة في فلسطين والدول المجاورة، من خلالِ المشاريعِ البحثيةِ والخدماتِ الاستشاريةِ والأنشطة الإقليمية المشتركة."

وقال: "صحيح أن الاهتمام بالبيئة والتغير المناخي بات اليومَ شأناً دوليًّا، يناقش على أعلى المستويات، باعتباره على صلة مباشرة بالموارد الطبيعية المتاحة، المغذي الأساسي للحياة؛ إلا أن وجود الاحتلال الإسرائيلي في بلادنا يجعل هذا الأمر أكثر أهمية، نظراً لخطورته، فالاحتلال لا يكتفي بقتل أبنائنا وسرقة أرضنا ومواردنا، بل إنه يعتدي على البيئة الفلسطينية ويغرق أرضنا بنفاياته الصلبة، وكلُّكم تسمعون أيضًا عن معاناة القرى والتجمعات الفلسطينية التي أقيمت المستوطنات على أراضيها، بسبب تعمد المستوطنين نضح مياههم العادمة وضخها في أراضينا الزراعية."

أما الأتيرة فرأت أن المؤتمر يأتي في وقت تعاظم فيه الظلم وغياب العدالة في فلسطين نتيجة الإجراءات الممنهجة لدولة الاحتلال وعصابات المستوطنين، هذه الاجراءات التي تستهدف الوجود الفلسطيني على هذه الارض، والذي شمل كافة مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وحتى البيئية للمجتمع الفلسطيني.

وتحدثت الأتيرة  في كلمتها عن الإجراءات التي تقوم بها سلطة جودة البيئة لدعم قطاع البيئة الفلسطينية قائلة: "على المستوى الدولي فقد كان التوجه الى منظومة المجتمع الدولي أهد أهم الاهداف الإستراتيجية البيئية الوطنية ليس فقط من أجل المشاركة الفلسطينية في هذا الجهد الدولي تكريس الشخصية السياسية والقانونية لدولة فلسطين في حماية البيئة بل ومن أجل الاستفادة من الآليات القانونية والمالية والفنية التي توفرها هذه المنظومة، والتي تمكننا من مواجهة انتهاكات دولة الاحتلال ومستوطنيها الهمجية للبيئة الفلسطينية، من خلال الانضمام إلى المؤسسات الدولية البيئية والاتفاقيات الدولية البيئية."

من جهته أكد د. العموري في كلمته  على أهمية المؤتمر نظراً لتزايد أعداد السكان وتغير نمط حياتهم بفعل التطور التكنولوجي والصناعي والعسكري العالمي، مما تزداد معه المخاطر اليومية على البيئة والمناخ، ما يشكل ضغوطاً غير مبررة على الموارد الطبيعية. لهذا، على حد قول د. العموري، تفرض قضايا البيئة نفسها على جداول أعمال مختلف المؤتمرات والاجتماعات والنقاشات السياسية والأمنية والاقتصادية على المستويين العالمي والإقليمي؛ ومن الطبيعي أن تكون فلسطين، وبالأخص جامعة بيرزيت، حاضنة لمؤتمر يناقش بشكل جدي وهادف عدالة البيئة والمناخ في فلسطين. وإزاء تنامي الضغوط البيئية، يرى د. العموري تعاظم الحاجة الآن، أكثر من أي وقت مضى، لتطوير خطط وسياسات وقوانين لمواجهة التحديات التي تحدق بالبيئة. وفي فلسطين تحديداً، بدأت القضايا البيئية والمناخية تأخذ حيزاً متزايداً بسبب الممارسات الاستعمارية للاحتلال الإسرائيلي واعتداءاته المتواصلة على البيئة، مثل إغراق الأراضي المحتلة بالنفايات الصلبة، ومصادرة الأراضي، وبناء جدار الفصل العنصري، واستخدام الفسفور الأبيض. وفي ختام كلمته، تقدم د. العموري بجزيل الشكر والتقدير إلى الحكومة الهولندية على الدعم المُقدم من قبلها لتمويل مشروع "تطوير القدرات في مجال التعليم العالي القانوني"، والذي يمثل هذا المؤتمر أحد أهم مخرجاته، حيث جاء هذا المشروع من خلال المنظمة الهولندية غير الربحية للتعاون الدولي في التعليم العالي (Nuffic) بالتعاون مع مركز التعاون القانوني الدولي في هولندا (CILC) وبالشراكة مع كليات الحقوق في جامعة النجاح الوطنية وجامعة الخليل وجامعة القدس. كما أثنى على دور اللجنتين التحضيرية والعلمية للمؤتمر على جهودهما المضنية خلال الأشهر الماضية في تنظيم هذه المظاهرة العملية الواعدة.

يذكر أن المؤتمر انعقد على مدار اليوم، وعالجت جلساته الأربع قضايا قانونية وسياساتية شائكة ودقيقة من منظور القوانين الوطنية والمعايير الدولية، حيث شارك في هذه الجلسات (28) متحدثاً ومعقباً وميسراً للجلسات من جامعات ومؤسسات وطنية وأجنبية مختلفة. وكان من أبرز ما تناولته أوراق عمل المؤتمر: آليات حماية البيئة في ضوء القانون الدولي الإنساني، وتقييم دور القانون البيئي الدولي في حماية البيئة الفلسطينية من النفايات الخطرة الاسرائيلية، والمياه المعالَجة من مياه الصرف الصحي من أجل إطفاء ظمأ الفلسطينيين كعدالة بيئية إسرائيلية، ومسؤولية دولة الاحتلال عن حماية البيئة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقييم المسؤولية المدنية للاحتلال الاسرائيلي عن الأضرار بالبيئة الفلسطينية في ظل القانون الدولي، وأثر نفايات الاستيطان الإسرائيلي الخطرة على البيئة الفلسطينية، والمسؤولية الجزائية المفترضة عن الجرائم البيئية في فلسطين، والخصائص المميزة للجرائم البيئية، والواقع القانوني للجرائم البيئية في فلسطين، والتكييف القانوني للجرائم البيئية فيما يتعلق بالمكبات العشوائية وتأثيرها على التكوين الفلسطيني، وحماية البيئة في القوانين الوطنية والمسؤولية المدنية والجزائية الناشئة عنها، ودور القضاء الفلسطيني في حماية البيئة، والمسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية وخصوصيتها. بالإضافة إلى عرض تجارب وحالات واقعية ودراسية مقارنة في دول أخرى، وبحث مدى امكانية استفادة دولة فلسطين منها.

وتخلل جلسات المؤتمر المختلفة نقاشات ومداخلات متعددة وهادفة من الحضور والخبراء وممثلي المؤسسات والجهات والأساتذة والطلبة. وقد خرج المؤتمر بجملة من النتائج والتوصيات الهامة، كان من أبرزها: حث السلطة الوطنية الفلسطينية على مواصلة الانضمام للمواثيق والاتفاقيات الدولية الناظمة للبيئة والعمل على مقاضاة دولة الاحتلال عن ممارساتها الضارة بالبيئة وفقاً للقانون الدولي، وأن الخروج عن القيم والقواعد الإنسانية العامة التي تهم الجماعة الدولية؛ يولد المسؤولية الجنائية لأشخاص القانون الدولي، وبالتالي فإن الدولةَ تُساءل ويتوجب عليها إصلاح الضرر أو التعويض عنه. بالإضافة لضرورة التقدم إلى الطرف الإسرائيلي بدفع تعويضات عن الأضرار البيئية التي تنجم عن مخلفاته الخطرة في الأراضي الفلسطينية، وفي حالة عدم الاستجابة، التقدم إلى أطراف دولية أو إلى المحاكم الدولية على غرار ما تم بخصوص جدار الفصل العنصري، بحيث يتم توثيق كافة حالات ومجالات الانتهاكات الإسرائيلية في مجال البيئة. وحث المؤتمرون المشرع الفلسطيني على تبني قيام المسؤولية الجزائية عن فعل الغير (المسؤولية المفترضة) بشكل واضح ودقيق، وتطوير قواعد خاصة بالمسؤولية المدنية عن الأضرار البيئية والتلوث البيئي، بما في ذلك تقدير التعويض للمتضرر.