كلمة رئيس الجامعة في اليوم الدراسي المشترك لدائرة علم الاجتماع

يسعدني أن أرحب بكم في رحاب جامعة
بيرزيت. تعلمون أننا نزعم دوما وعن حق وجدارة أن جامعتنا هي الجامعة الفلسطينية
الأولى لا من حيث تاريخ الإنشاء فحسب بل أيضا من حيث التميّز الأكاديمي بكافة
المعايير التي تستخدم لتقدير جودة الجامعات. نزعم أيضا أننا جامعة وطنية، ونحن
كذلك بالفعل على الأقل من حيث الطموح، لكن هذا الزعم يشوبه بعض الشك من حيث أن
الجسم الطلابي لدينا يفتقر إلى مكونين رئيسيين هما طلبة غزة ونحن لا نلام على ذلك
وطلبة الداخل (أو داخل الداخل إن صح التعبير) وهذا أمر يحق أن نلام عليه. ولعل
انعقاد هذا اليوم الدراسي بجهد مشترك بين جامعتنا وبين مؤسسة فلسطينية من الداخل،
هي المجلس التربوي العربي، يشكل نقطة بداية لمزيد من الاهتمام لدينا بكافة المسائل
المتعلقة باستقطاب أهل الداخل نشاطات وطلبة وأساتذة.

سيداتي سادتي،

أخذتكم بعيدا بعض الشيء عن موضوع يومكم
الدراسي وهو المناهج الفلسطينية وتحديات الهوية. تعلمون لا شك
بأفضل مما أعلم أن مسائل الهوية أصبحت مطروحة بقوة على الصعيد العالمي. فمن
الملحوظ أن الاتجاه إلى تشكيل متحدات فوق وطنية قد شجع، وفي ذلك بعض المفارقة، على
إحياء الهويات الفرعية دون الوطنية بما في ذلك اللغات المرتبطة بتلك الهويات.
ويذهب بعض دارسي هذه الوجهات إلى أنها ستؤدي إلى المزيد من التنوع الثقافي ومن
المثاقفة والتلاقح الثقافي، ما سيغني الإرث البشري بمجمله. أما في حالتنا المخصوصة
نحن الفلسطينيين بأن مسألة الحفاظ على الهوية وتعزيز تجلياتها لم تغب عنا يوما.
كيف لا والاستعمار الاستيطاني الصهيوني لا يزال منذ أكثر من مائة عام يعمل حثيثا
على طمس هويتنا بالكامل (ألم تقل غولدا مائير يوما أي فلسطينيين؟ ليس هناك
فلسطينيون) أو عندما يعز عليه ذلك إلى تشويه هويتنا وإلصاق صفة التخلف المتأصل بها
(لعل آخر تعبيرات ذلك، ما ذهب إليه ميت رومني خلال زيارته لبلادنا عندما قال إن لبّ
المشكلة هو التخلف المتأصل في الثقافة الفلسطينية).

إذاً يكتسب يومكم الدراسي هذا أهمية
خاصة كونه يعالج مسألة الهوية. دون الأهمية بمكان أيضا أنه يبحث مسألة المناهج
الفلسطينية، فدور المناهج في تشكيل وقولبة الهوية ومن ثم تعزيزها وتشذيبها
وتهذيبها دورٌ لا مِرَاء فيه ولا خلاف عليه. وكما تعلمون دون هذا الدور ما فرضه
علينا تاريخنا المعذب من تشتت للشعب الفلسطيني ما بين فلسطينيي داخل الداخل
وفلسطينيي الضفة وفلسطينيي القطاع، وفلسطينيي الشتات في الخارج. هكذا أمامنا مهمة
صعبة هي مهمة تطوير مناهج تعزيز الهوية الفلسطينية الشاملة وتستجيب للحاجات
الاجتماعية المتباينة والواقع الاجتماعي المتفاوت للتجمعات الفلسطينية المختلفة،
ومن ثم كيفية ترويج استخدام هذه المناهج وتطبيقها هنا وهناك وهناك.

لست، سيداتي وسادتي، خبيرا بموضوع
بحثكم اليوم. لكنني كمواطن فلسطيني عادي أشعر أن لدينا مشكلة هي مشكلة تعدد
الهويات لدى كل منا وميل الثقافة السائدة إلى أن تفرض على المرء أن يختار بينها
واحدة لا ثانية لها ليعليها على الأخريات، وليس ذلك فحسب بل يطالب المرء بأن يطمس
الهويات الأخرى جميعا. هكذا تصبح الهويات هذه في داخل نفس كل منا هويات متحاربة،
لا تلبث أن تهدد بأن تصبح متحاربة أيضا مع الهويات الكلية الأخرى لدى الآخرين.
فيتحارب الإسلامي والمسيحي، والإسلامي والعلمانيين، والإسلامي والعروبي، والضفي
والغزي، والنابلسي والخليلي وهكذا دواليا تفتتا وتشتتا. لعلني أغالي، ولكن علينا
في زعمي أن نطور ثقافة تسمح بتعدد الهويات في كل منا وفيما بيننا، وعلينا في زعمي
أيضا أن نطور مناهج تعزز تصالح الهويات المتراكبة وتمكن من ذلك.

يقينا، أمامكم يوم عمل طويل تتصدون فيه
المسائل في غاية الأهمية، فلأختم بأن أتمنى ليومكم الدراسي هذا كل النجاح
والتوفيق، وبأن أشكر القائمين عليه وخاصة المجلس التربوي العربي.

nbsp;